الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الماركسية أم الماركسية اللينينية ؟ الجزء الثامن

امال الحسين
كاتب وباحث.

(Lahoucine Amal)

2007 / 3 / 24
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


لقد خلف النظام الرأسمالي النظام الإقطاعي بعد الانتقال من الاقتصاد الحرفي الذي يعتمد على العمل اليدوي إلى إقامة المصانع الكبرى والمعامل المجهزة بالآلات العصرية من جهة، ومن الاقتصاد الفلاحي الذي يستخدم أدوات إنتاج بدائية لاستغلال الأراضي لصالح الإقطاع إلى الاقتصاد الرأسمالي الذي يعتمد على التقنية الزراعية المجهزة بالآلات العصرية التي تتطلب من العامل المعرفة العلمية لإدارتها، وهكذا برزت قوى منتجة جديدة تطلبت من الرأسماليين استخدام عمال متحررين من العبودية الإقطاعية والذين يتوفرون على مستويات ثقافية كافية تؤهلهم لاستعمال الآلات الحديثة.
و قد كانت علاقات الإنتاج الرأسمالية في حينها قد توافقت والقوى المنتجة المتطورة وحفزت المزيد من الإنتاج ، مما شجع المنتجين الرأسماليين على الركوض وراء المزيد من الربح بشكل جشع وقاس وغير إنساني وهو في نفس الوقت عمل جبار في بعض النواحي ، خاصة وأنه في أول الأمر قضى على الأساليب التقليدية للنظام الإقطاعي التي ترتكز على العبودية ، ولكنه رغم مساهمته في تطور وسائل الإنتاج ظلت هذه الأخيرة حبيسة الملكية الخاصة التي تسعى إلى المزيد من الربح والخوف من الإفلاس والخراب ويقول ماركس في هذا الصدد: "إن الرأسمال ينفر من فقدان الربح أو من الربح الزهيد كما تنفر الطبيعة من الفراغ ، إن الرأسمال يبدي من الجرأة والإقدام حين يتعلق الأمر بربح يوافقه، فهو يرضى بكل شيء في سبيل 10% من الربح المضمون ، وفي سبيل 20% يصبح شديد الحيوية ، وفي50 % يصبح مغامرا جريئا، وفي سبيل 100% يدوس بالإقدام جميع القوانين البشرية ، وفي سبيل 300% لا تبقى ثمة جريمة لا يكون مستعدا للمغامرة على ارتكابها ولو كلفه ذلك مجابهة المشنقة ".
لقد ساعد التوافق الحاصل بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج النظام الرأسمالي على ضمان تطور القوى المنتجة وازدهارها لمدة أزيد من قرن من الزمن ، وذلك قبل الثورة البرجوازية الفرنسية التي حطمت علاقات الإنتاج الإقطاعية وأقامت علاقات إنتاج بورجوازية التي أصبحت فيما بعد عائقا وحجرة عثرة في طريق تطور القوى المنتجة ، التي لم تعد توافق مستوى تطور هذه القوى التي تجاوزت نطاق علاقات الإنتاج الرأسمالية ، ودخلت في صراع دائم معها لآن القوى المنتجة في النظام الرأسمالي أصبحت اجتماعية بينما ظل التملك خاصا رأسماليا ، مما يتعارض و طبيعة القوى المنتجة ذات صفة الإنتاج الاجتماعية التي توفرها الحشود من العمال داخل المصانع التي تتطلب الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج مما يتعارض والصفة الخاصة لها في النظام الرأسمالي ، كما أن الثروات التي ابتدعها ملايين العانلات و العمال أصبحت في أيدي أقلية بورجوازي تملك وسائل الإنتاج ، و أسست بذلك رأسمالا على حساب بيع قوة عمل العمال المبدعين ، ووقعت الرأسمالية في العديد من التناقضات بسبب التناقض الحاصل بين صفة الإنتاج الاجتماعية للقوى المنتجة والملكية الخاصة الرأسمالية.
في ظل العوامل السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية خلال القرن 19 و التي تتسم بتصاعد البورجوازية و هيمنتها على السلطة السياسية و الإقتصادية ، التي نتج عنها تصاعد الرأسمال و هيمنته على الحياة داخل المجتمعات البورجوازية و دخول الرأسمالية في مرحل من التطور ، بعد زاول مرحلة المانيفاكتورة التي اتسمت بهيمنة الرأسمال التجاري و بروز مرحلة الرأسمالية التنافسية المتسمة بهيمنة الرأسمال الصناعي بعد الإنجازات الهائلة للثورة الصناعية ، برزت ضرورة مواجهة الإيديولوجية البورجوازية في محاولته للسيطرة و الهيمنة على الطبقة العاملة و استغلالها لتراكم الرأسمال في أيدي أقلية من البورجوازيين على حساب قوة عمل الطبقة العاملة ، و كان ماركس و إنجلس المناضلان الثوريات اللذان أناطا بهذه المهمة التاريخية بصياغتهما لأيديولوجية الطبقة العاملة و الحزب الثوري ، و كانت المهمة الملقاة على عاتقهما أشد و أعمق لما تتطلبه منهما المرحلة التاريخية من نضال أيديولوجي و سياسي ، من أجل بلورة مفهوم الثورة و الحزب الثوري و كان صياغة البيان الشيوعي و تأسيس الأمية الشيوعية جوابا حاسما على المهام الثورية المطروحة عليهما .
و قامت عدة ثورات عمالية أبرزها ثورة 1848 التي قال عنها إنجلس : " لقد انطلق غضب الشغيلة على مداه ضد الوزارة و البرلمان اللذين لم يلبيا أيا من آمال الشغيلة ، بل كانا يتخذان كل يوم قرارات لصالح البورجوازية و معادية للعمال " و قد تميزت ثورة حزيران هذه بكونها محض عمالية و تختلف عن سابقاتها التي رفعت شعار: " الموت في سبيل الوطن"، حيث إن شغيلة حزيران سقول إنجلس :" كانوا يقاتلون في سبيل حقهم في الحياة" و تمت مواجهتهم بالرصاص ، و منذ ذلك التاريخ لم تكن هناك ثورة لم تقدها الطبقة العاملة كما هو الشأن في سنوات 1871 و 1905 ، و أروعها ثورة أكتوبر 1917 التي أحدثت تحولات جذرية في تاريخ البشرية مع انتصار الثورة العمالية بقيادة المناضل الثوري لينين .
و كان للمهام الثورية من أجل تحقيق الثورة الإشتراكية في تلك المرحلة دور كبير في اشتغال ماركس و إنجلس ببلورة مفهوم الحزب الثوري ، و كان عليهما الإنشغال بتطوير الفلسفة المادية و تأسيس الإقتصاد الإشتراكي و دحض المفهوم الرأسمالي لٌقتصاد ، لذلك نجد ماركس كرس كل جهده لوضع كتابه العظيم "الرأسمال" بالإضافة إلى محاربة الفكر البورجوازي و الماركسي التحريفي ، خاصة بعد التراجع الذي عرفته الأممية الأولى مما تطلب منهما تأسيس الأممية الثانية فكان نضالهما مزدوجا ، داخليا بمحاربة الماركسيين التحريفيين و تعتبر أطروحة ماركس "نقد برنامج غوتا" بعد انسحابهما من الأممية الأولى أروع تعبير في هذا المجال ، و خارجيا بمحاربة البورجوازية بالنقد العلمي للرأسمالية كنظام تناحري مصيره الزوال و وضعا الأسس النظرية للثورة الإشتراكية ، و كانت المرحلة التي عاشاها هي مرحلة أوج تطور الرأسمالية التنافسية و سيطرة الرأسمال الصناعي على السوق ، و كانت إستنتاجات الماركسية ملائمة مع الحركة الإجتماعية للمرحلة التي عاشها ماركس و إنجلس و كانت ماركسيتهم ملائمة لعصر الرأسمالية التنافسية .
و ملاءمة الماركسية لعصر الرأسمالية التنافسية لا يعني أن استنتاجاتها الأساسية يمكن تجاوزها بل بالعكس فهي ضرورية باعتبارها نتاج مرحلة التأسيس للفكر الماركسي ، و هي أصعب مرحلة خاصة إذا اعتبرنا أوج تطور الرأسمالية بعد أقل من من قرن من تحقيق انتصار الثورة البورجوازية الفرنسية ، و ذلك لما تتطلبه هذه المرحلة من جهود جبارة إستطاع الفيلسوفان و العالمان العملاقان ماركس و إنجلس تطوير الفلسفة المادية بشكل جبار خاصة في مجال التاريخ و الإقتصاد ، و كانت المرحلة التاريخية لتأسيس الماركسية تتزامن مع تطور العلوم الطبيعية بعد اكتشاف الآلة التي أحدثت تطورا هائلا في القوى المنتجة بفضل تطور العلوم الطبيعي في مستوى الفيزياء الميكانيكية ، و كما رأينا في النصف الأول من القرن 18 فقد قام الفلاسفة الماديون الفرنسيون بمهادنة الكبيسة من أجل تطوير العلوم الطبيعية ، و ما أنجزه ديكارت من تطورا في مجال المعرفة هام حيث استطاع تجاوز المعرفة السكولاستيكية المعبرة عن سيادة الكنيسة على المعرفة ، عبر الإحتكام إلى العقل باعتبار الوجود مرهون بما نملك من المعرفة و الوصول إلى الواقع الملموس دون وسيط خارجي ، و ذلك بالدفع باستقلال العلوم الطبيعية عن الفلسفة الغيبية المسيحية دون الغوص في إشكاليات الوجود الذي يعتبره من اختصاص الكنيسة.
لكن رغم هذا الإنجاز الذي عرفته الفلسفة المادية على يد الفلاسفة الماديين الفرنسيين فإن السلطة المثالية للكنيسة على المعرفة ما زالت قائمة عبر امتدادات فلسفة طوماس الأكويني المثالية ، و التي قادها جورج بركلي في بداية القرن 18 الذي شن حربا عشواء على الفلسفة المادية التي أسس لها ابن رشد ، و كان لهذه الحملة إمتداداتها التاريخية حتى في القرن 19 و ذلك ما رأيناه في فلسفة هيكل و فويرباخ اللذان لم يستطيعا التخلص من الفكر المثالي رغم إنجازاتهما الهائلة على مستوى الديالكتيك ، و يقول ماركس في هذا الصدد :" إن النقيصة الرئيسية في المادية السابقة بأسرها - بما فيها مادية فورباخ - هي أن الشيء (Gegenstand), الواقع , الحساسية , لم تُعرض فيها إلا بشكل موضوع (Objekt) أو بشكل تأمل (Anschauung), لا بشكل نشاط إنساني حسيّ , لا بشكل تجربة , لا من وجهة النظر الذاتية. و نجم عن ذلك أن الجانب العملي , بخلاف المادية , إنما طورته المثالية , و لكن فقط بشكل تجريدي , لأن المثالية لا تعرف, بطبيعة الحال, النشاط الواقعي الحسي كما هو في الأصل ". من هنا أن تاريخ الفلسفة ما هو صيرورة الصراع بين المادية و المثالية منذ الصراع بين مادية ديمقريطس و طاليس و مثالية سقراط و أفلاطون إلى يومنا هذا.

تارودانت في 22 مارس 2007
امال الحسين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا.. الناخبون يدلون بأصواتهم لاختيار الحكومة الجديدة و


.. هز عرش المحافظين.. معلومات عن زعيم حزب العمال كير ستارمر




.. الغارديان: حزب العمال أمام انتصار كاسح في وجه المحافظين


.. فرنسا.. بين قبضة اليمين المتطرف وتحالف -شبه مستحيل- للمعتدلي




.. فرنسا: هل تراجعت فرص اليمين المتطرف بالوصول إلى السلطة؟