الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحسين صورة أميركا في العالم العربي: أسباب الفشل وفرص النجاح

عبد الرحيم الوالي

2007 / 3 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


عقب الحرب الأمريكية على العراق في عام 2003 و ضعت الولايات المتحدة الأميركية برنامجا لتحسين صورتها في العالم العربي. و بعد ثلاث سنوات أصبحت جهات عديدة تتحدث عربياً عن فشل هذا البرنامج بالاستناد إلى إغلاق بعض وسائل الإعلام التي كانت قد أنشئت ضمن هذا الإطار و إلى قلة الإقبال على البعض الآخر الذي لا يزال مستمرا. فهل، بالفعل، فشل الأميركيون في تحسين صورة بلادهم لدى العرب؟ و ما هي مظاهر و تجليات هذا الفشل؟ و ما هي فرص النجاح التي لا تزال متاحة للأميركيين؟
للإجابة على هذه الأسئلة لا بد من العودة قليلا إلى الوراء، أي إلى الأجواء التي سبقت بداية العمليات العسكرية الأميركية ضد نظام حزب البعث في العراق.


لقد استندت إدارة الرئيس جورج بوش في حربها تلك أساسا على أطروحة أسلحة الدمار الشامل. و قدم كولين باول، وزير الخارجية الأميركي آنذاك، معطيات أمام مجلس الأمن الدولي تضمنت ما قيل إنه تسجيل لمكالمات لا سلكية بين ضباط عراقيين حول أسلحة الدمار الشامل و صوراً عما قيل بأنه مختبرات كيماوية متنقلة و قابلة للتفكيك بسرعة. و على صعيد آخر استندت إدارة بوش على أطروحة "تحرير العراق" و تخليص العراقيين من نظام الحزب الوحيد و تمكينهم من بناء نظام ديموقراطي.

بعد الإطاحة بنظام حزب البعث لم تعثر الولايات المتحدة الأميركية على أثر لأسلحة الدمار الشامل في العراق. و كان معنى ذلك، بالنسبة للعرب عموماً و العراقيين خصوصاً، أن أطروحة أسلحة الدمار الشامل لم تكن لها أية مصداقية. أما أميركياً فقد ألصقت التهمة بوكالة الاستخبارات المركزية، و هذه الأخيرة بدورها ألصقتها ببعض المصادر التي كانت تتعامل معها. غير أن الأكيد هو أن تلك المصادر لم تكن هي التي قدمت ما قيل إنه رصدٌ لمكالمات لا سلكية أو صورٌ لمختبرات كيماوية قابلة للتفكيك.
لم تكن صورة الولايات المتحدة هنا من الناحية الأخلاقية هي التي اهتزت فقط. بل إن صورة الدولة القوية، و جهاز استخباراتها الخارجية الذي كان يعتقد الناس أنه لا يبرح كبيرة و لا صغيرة، قد أصيبت أيضا في الصميم. فأن تكون المخابرات الأميركية قد قدمت تقارير مغلوطة إلى البيت الأبيض حول أسلحة الدمار الشامل العراقية معناه، عراقياً و عربياً، أن الحرب كانت لها أهداف أخرى. أما أن تكون المخابرات الأمريكية نفسها قد كانت ضحية التغليط من قبل عراقي واحد (لا داعي لذكر إسمه) فذلك كان عذرا أقبح من الزلة. وهو يعطي انطباعاً بأن استخبارات الدولة العظمى يمكن تضليلها بسهولة، و أن الدولة العظمى نفسها يمكنها إدخالها في حرب من أجل هدف وهمي.
هكذا اهتزت صورة الولايات المتحدة في أذهان العرب الذين ساندوا الحملة العسكرية الأميركية على نظام صدام حسين. أما أولئك الذين كانوا على الطرف الآخر فقد استندوا إلى زيف الأطروحة الأولى (أسلحة الدمار الشامل) ليستدلوا به على زيف الثانية أيضا ( "تحرير العراق"). ثم انضافت إلى كل هذا صور الانتهاكات التي حصلت في أبو غريب و استعمال أسلحة محرمة في الفلوجة و التخطيط لقصف مكاتب قناة "الجزيرة" و قتل مراسلها في العراق و غير ذلك. و الحصيلة هي أن الولايات المتحدة أصبحت لها في العالم العربي صورتان متناقضتان: صورة الدولة الديموقراطية الحرة التي تريد تمكين الشعوب العربية من نظام ديموقراطي حقيقي، و صورة الدولة التي تختلق ذرائع وهمية لاحتلال أرض العرب و تدمير بيوتهم و قتل أطفالهم و نسائهم و شيوخهم. و بما أن صورة أمريكا الأولى، أمريكا الديموقراطية و الحريات و التعدد و الليبرالية، ليست أصلاً في حاجة إلى تحسين سواء في العالم العربي أو في غيره فقد أراد الأمريكيون إبرازها عربياً و جعلها تطغى على الصورة الثانية. و لهذه الغاية وضعوا برنامجهم ل"تحسين صورة أمريكا في العالم العربي" معتمدين أساساً على الإعلام من سمعي ـ بصري و مكتوب و إلكتروني. فما هي مواطن الضعف التي أدت إلى عدم بلوغ هذا البرنامج لأهدافه بنسبة مقبولة؟
أول ما يؤاخذ على هذا البرنامج أنه برنامج مفرط في المركزية. فهو تعامل مع العالم العربي إعلامياً باعتباره كُلاًّ متماثلاً مع ذاته و لم يعر البعد المحلي أي اهتمام. وبدل أن يراعي الاختلافات المحلية في أقطار العالم العربي من النواحي السياسية و الثقافية، و يعمل على استثمارها في التواصل مع مكونات كل قطر عربي على حدة، اعتمد خطاباً عمودياً واحدا موجها إلى كل العرب. و الواقع أن العرب في شمال إفريقيا مثلا لهم خصوصيات تميزهم عن عرب المشرق. كما أن هناك خصوصيات تميز العرب المسلمين عن العرب المسيحيين، و أخرى تميز الشيعة عن السنة، و غير ذلك. هذا ناهيك عن كون الوضع مختلفا في تونس و المغرب مثلا عما هو عليه في ليبيا أو في منطقة الخليج.
هو أيضا برنامج مفرط في المركزية لأنه بدل إصدار وسائل للإعلام المكتوب محلياً في كل دولة عربية على حدة عَمَدَ إلى إصدارها من العاصمة واشنطن. كما أنه بدل إنشاء قنوات تلفزية للتواصل مع القضايا و الثقافات المحلية في كل دولة عربية بمفردها أنشأ قناة فضائية واحدة و فعل الشيء نفسه في المجال الإذاعي.
لقد اختار الأمريكيون فقط تحسين صورة أمريكا ذهنياً لدى العرب، بواسطة الإعلام، بينما كان الواقع يقتضي تحسين هذه الصورة عملياً. و ليس مطلوباً من الأمريكيين أكثر من أن يفهموا أن الشعوب العربية ليست شعوباً كارهة للديموقراطية أو للحرية. و دليلها على ذلك هو العدد الهائل من الشهداء الذين قدموا حياتهم ثمناً للديموقراطية في أقطار العالم العربي من المغرب إلى اليمن. و بالتالي فإذا كان الأمريكيون يريدون حقا مساعدة الشعوب العربية على تحقيق الديموقراطية و الحرية في بلدانها فعليهم أولاً أن يكفوا عن مساندة أنظمة عربية أقل ما يقال فيها أنها دكتاتورية. كيف تكون أميركا داعيةً لدمقرطة العالم العربي و هي تساند نظاماً عربيا تحتل فيه الأسر الحاكمة مناصب الدولة بكبيرها و صغيرها؟ و كيف تدعو أمريكا إلى مزيد من الحقوق لفائدة النساء العربيات و هي تساند، في الآن نفسه، نظاماً عربياً يمنع النساء من حق الترشح للانتخابات، بل حتى من رخصة السياقة؟
لتحسين صورة أميركا على هذا المستوى لدى المواطن العربي يتحتم القيام بعمل ملموس و ليس فقط بإنتاج خطاب إعلامي يروج لصورة "أمريكا الوديعة". في الدول العربية التي يوجد فيها هامش للحريات، على قلتها، يمكن للأمريكيين أن يساعدوا المجتمع السياسي و المدني على تحقيق مزيد من المكتسبات لفائدة الديموقراطية عبر دعم مطالبه بالطرق السلمية و الدبلوماسية. أما الأنظمة العربية التي لا تتيح مجالا كهذا فينبغي التعامل معها بيداغوجياً لإقناعها بجدوى الانتقال إلى الديموقراطية. و هذا أمرٌ يمكن للأمريكيين القيام به بسهولة كبيرة نظرا لنفوذهم في منطقة الخليج العربي مثلا. و بذلك سيكون الأمريكيون يساعدون، بالفعل، العالم العربي على إنتاج نظامه الديموقراطي الخاص به، أي ديموقراطيته الأصيلة و المتأصلة. و بالطبع، فالإعلام يمكن أن يلعب دورا رائدا في هذا المضمار إذا ما كان إعلاماً مواكباً للقضايا التي تشغل بال المواطن العربي في كل قطر عربي و في كل مدينة أو قرية عربية.
صورة أميركا الصواريخ، و القنابل التي تزن مئات الكيلوغرامات، و غوانتانامو، هي صورة محسوسة في العالم العربي و في غيره أيضاً. أما صورة أميركا الديموقراطية و الليبرالية و الحرية فهي فقط صورة إعلامية لدى الرأي العام العربي عن أميركا. و عندما سعى الأمريكيون إلى تحسين صورة بلادهم لدى العرب اكتفوا، بنسبة كبيرة، بتكريس صورة إعلامية تُنْتَجُ أميركياً و يُرَادُ لها أن تُصَدَّقَ و تُسْتسَاغَ عربياً حتى و إن كانت مخالفة تماماً للواقع الملموس الذي يعيشه المواطن العربي. و بالنتيجة فلم يكن أمام المواطن العربي إلا أن يصدق الواقع.
برنامج تحسين صورة أميركا في العالم العربي أغفل أيضا دور النخبة الفكرية و الثقافية العربية و ذهب مباشرة لمخاطبة الجمهور العربي سواء عبر الإعلام أو غيره من وسائل الاتصال و التواصل. و بذلك كاد ينعدم أي تأييد له في صفوف النخبة، بل إن أغلبها اتخذ موقفاً مناوئا للبرنامج الأميركي.
لقد كان من الممكن الوصول إلى تحقيق توافقات قَبْلية مع هذه النخبة حول قضايا الديموقراطية و الحداثة و الحرية في العالم العربي. و تحقيق هذه التوافقات كان من شأنه أن يفضي إلى برامج للعمل المشترك بين النخبة الأميركية و النخبة العربية المؤثرة فعلاً في مجتمعاتها. فالنخبة الثقافية و الفكرية العربية اليوم، في معظمها، لا ترفض قيم الديموقراطية و الحداثة و الحرية. بل إنها تنادي بها و تعمل على قيادة شعوبها نحوها. و عندما تناهض شرائح واسعة من هذه النخبة السياسة الأميركية في العالم العربي فهي لا تناهض الديموقراطية و لا الحداثة و لا الحرية بقدر ما تناهض منهجية محددة في العمل من أجل تحقيقها. و ما دام الاتفاق قائما حول الأهداف يبقى من الممكن، بالضرورة، التوصل إلى منهجية متفق عليها و تحظى بقبول الطرفين. و هذا يمر عبر فتح حوار فكري و ثقافي بين النخبتين الأميركية و العربية لا فقط على مستوى بعض البرامج التلفزية و إنما على صعيد الجامعات و هيئات المجتمع السياسي و المدني.


عبر هذا الحوار، وعبر المساندة الفعلية لمطالب قوى الديموقراطية و الحداثة و المواطنة في العالم العربي، و عبر اعتماد مقاربة إعلامية لا مركزية و غير متمركزة في مقاربة قضايا و انشغالات المواطن العربي، و عبر سحب الدعم الأميركي للأنظمة العربية التي لا تحترم قواعد الديموقراطية، يمكن لأميركا أن تعفي نفسها من أي برنامج لتحسين صورتها في العالم العربي. فالصورة الأميركية، في هذه الحالة، ستكون حسنة أصلاً.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحت غطاءِ نيرانٍ كثيفةٍ من الجو والبر الجيش الإسرائيلي يدخل


.. عبد اللهيان: إيران عازمة على تعميق التفاهم بين دول المنطقة




.. ما الذي يُخطط له حسن نصر الله؟ ولماذا لم يعد الورقة الرابحة


.. تشكيل حكومي جديد في الكويت يعقب حل مجلس الأمة وتعليق عدد من




.. النجمان فابريغاس وهنري يقودان فريق كومو الإيطالي للصعود إلى