الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شاهد من ازمنة التزوير الثقافي

مهدي النجار

2007 / 3 / 24
سيرة ذاتية


ان تكون مثقفا اشكاليا هذا شيء آخر، انه لا يطاق من الناس العاديين لانك ببساطة لا تنتظر فرصة حياتية تصطاد بها غوايات، الفرص تتركها خلفك متاحة للاخرين، الغواية الوحيدة التي تغري المثقف هي قدرة الافصاح عن العقلي والحسي،

لحظات القول عما يجيش في الخاطر بكل رشاقة، ساعات مخاض الكتابات النقدية باشكالها الشعرية والنثرية والسردية، بتعابيرها المسرحية، والتشكيلية والفلسفية، الخ يشعر المثقف حينئذ بسعادة غامرة بانتظار بهجةلا يحسها الناس الذين يتعاملون بالربح والخسارة، بشراء البضاعة وبيعها، لان الذي ينتجه او يتداوله المثقف ليس بضاعة، ما ينتجه بضعة من قلبه، ينتج: احاسيس، افكارا، اسئلة، فتوحات مثالية - ان صح التعبير- لا تشبه الواقع لكنها تنطلق منه وتحدث به ازاحات تدفعه الى الامام، عن طريق غربلته من شوائب العفونات البشرية، من افعالهم ونواياهم الفجة التي تعرقل ازدهار الشرط الانساني. هل كتب على المثقفين دائما ان يعيشوا الحسرات؟ وان يكابدوا؟ ينتظرون موتهم لكي يعلن عنهم فيما بعد انهم كانوا نبلاء، اصفياء، متنبئين، عرافيين، الخ...هذا غير صحيح،هذه ليست مهمتهم، شأنهم ان يطرحوا اسئلتهم الجديدة ويمضوا، لا فائدة من الانتظارات، شاهدنا في ذلك زيارة قبر السيدة زينب في دمشق نبحث في ضواحيها عن رفاة مثقفينا الاجلاء كم انتظرت يا هادي العلوي؟ سحقا للأزمنة الرديئة، عاملتك بفائق اللاحياء الاخلاقي، اتذكره جيدا حين كنت ازوره في مقره القميء في مطبعة باب المعظم الحكومية، كنت اجده متوترا مثل سهم على وشك الانطلاق، ابدا لا يعترف بالحثالات الزيتونية، هكذا يسميهم ويبصق عليهم بامتعاض، لم احتفظ بقصاصة ورقية له، لا ادري لم تستهوني هذه الهواية الغريبة والمتواضعة التي تشبه هواية جمع الطوابع والصور عند الشباب،ُ ضيعت كتبا ثمينة بينما اجد في مثل هذه القصاصات متعة الاحتفاظ بها مثل كنوز، احتفظ بعدة قصاصات”رسائل” بعضها يحتوي على ثلاثة سطور لاستاذي وصديقي المأسوف عليه دكتور علي جواد الطاهر، كان يحذرني بدماثة اخلاق من مغبة التسرع في الكتابة، كان يريد من الذين تطأ اقلامهم الورق ان يتمهلوا ويتمهلوا ان يكونوا صادقين وموسوعيين، لانهم ملح الارض ولكن ان فسد الملح - كما يقول السيد المسيح عليه السلام- فبماذا يُملح؟ كذلك احتفظ بقصاصة ملاحظات لصديقي الناقد المبدع فاضل ثامر، تعود الى ثلاثين سنة مضت، يشد بها على عزمي ويصحح اخطائي الروائية، عبارات دافئة تشم بها رائحة اخوية تحثك لان تكون افضل، يدهشني هذا الناشط الثقافي الحيوي الصبور، في كل مرة أراه فيها يزداد تقديري له، اراه ودودا، متواضعا وصلبا في آن واحد يبرهن على قدراته الفذة كتقني يفكك الوضع الثقافي، احسده كيف يتحرك بين الناس ويثق بامكانياته المعرفية بشكل مذهل، ازدروه ايام التزوير لكنه ظل عصيا يخاصمهم ويلاويهم بكياسة اخلاقية فريدة!!
ولكن ظل في راسي شاخصا وجه ذاك الانسان الودود، اراه فوق قصاصة وهمية تشبه شعاع الشمس، انه معلمي وصديقي في مجلة الثقافة المفكر الراحل صلاح خالص مؤسس اتحاد الادباء والكتاب مع صديقه الجواهري، كم كانت المحبة بيننا تتعمق يوما بعد اخر، ومن خلالها استلهم منها الصبر على المتاعب، كان وجهه يتمتع دائما بشباب الاستاذ المناضل الذي لا تمسه الاحداث، كان فطنا استطاع ان يروض ازمنة التزوير الثقافي ويفلت بمجلته من قبضة الرقابة، حين نجلس طويلا لا يشكو من مضايقات الامن الاكاديمي الذي يطوق مكتبه في الجامعة بل يسمح لي ان اتحدث على هواي وبكل حرية فهو يستلذ بالاصغاء ويستحسن كلامك او يعدل فيه او يصححه او يكمله، ولكنه نادرا ما يرفضه..في غضون ذلك كنا انا وصديقي الروائي جهاد مجيد مطرودين من التجمعات الثقافية الرسمية، كنا نلتقي لقاءات عابرة في الشوارع الليلية الفارهة ونتحدث عن مسرات البشر التي ستأتي، فينا عنفوان يجعلنا نفلت من الشرطة ومن المؤسسات ومن اشكال الروتين واحيانا من انفسنا نفسها، كانت السنوات لنا بالمرصاد تشتتنا، ضيع بعضنا الاخر وبعد زمن طويل جدا وثقيل جدا، التقينا ثانية في الباحة التي نشمئز منها آنفا، باحة اتحاد الادباء، يا للأسى تنكر لي. قال: انا لا اعرفه!! غرز في قلبي سلاءة، حتى انت يا جهاد؟! لكن عندما استفاق من نوبة نسيانه غمره الاسف، احتضنني بود، شممت به روائح آلام السنوات المضنية.
هل حقا صارت تلك الازمنة الفاسدة خلفنا؟ ابدا لا. انما هي تتجسد بشكل فاضح ابان سنوات الاستبداد وتتخفى بهذا الشكل او ذاك في سنوات الخراب الجميل! رقصت قلوبنا حين سقطت تواريخ مجد العفونة التي كانت مؤسساتها تطردنا شر طردة، تهزأ بنا تخذلنا وتسخر من مشاريعنا المفرطة بالامال الكبيرة، صدقنا بان العث الذي نخر اوراقنا قد ولى وراودت رؤوسنا اخيلة واسعة وحين حلت استحقاقات الحرية وجدنا امامنا الرخويات الثقافية تتصدر الفساد الثقافي تمتنع عن الاستماع الينا، تخاف من اسئلتنا كما لو انها تحرق مقاعدهم الوظيفية، حين يخاف المثقف على مقعدة اكثر من خوفه على الثقافة يتحول الى قمامة، مثل مرعوبين بدأوا ثانية يطردون اعز ما نملك، اوراقنا المستحيلة، اوراق الانهيار الحزين!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تدرس نقل السلطة في غزة إلى هيئة غير مرتبطة بحماس|#غر


.. القوات الإسرائيلية تدخل جباليا وتحضيرات لمعركة رفح|#غرفة_الأ




.. اتهامات جديدة لإسرائيل في جلسة محكمة العدل الدولية بلاهاي


.. شاهد| قصف إسرائيلي متواصل يستهدف مناطق عدة في مخيم جباليا




.. اعتراضات جوية في الجليل الأعلى وهضبة الجولان شمالي الأراضي ا