الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فضحُ المتطفِّلين من حين الى حين !

سامي العامري

2007 / 3 / 25
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


في عصر التقنياتِ الحديثة التي أضحتْ لا مَفرَّ منها وأنها إبنةُ اليوم والغد لا شكَّ أنك تفرح بزوال الشرطيّ الثقافيّ الذي طالما كان للكتّاب بالمرصاد , هذا الشرطيُّ الذي ارتبط بعهد الدكتاتور صدام والكانتونات والإحتكارات والتخلُّف دوماً , ولم يتبقَ مِن رقيبٍ فِعليٍّ سوى إحساس الكاتب بالمسؤولية .
أمّا ما يُرى من بهلوانياتٍ كتابية تُسمى شعراً في العديد من المواقع اليوم فقيمتها لا تتعدّى فترة ظهورها على الصفحات الثقافية
وكلُّ هذا طبعاً عائدٌ الى السرعة التي هي أُولى سمات هذا النوع من الصحافة التي لم تتبلور عندنا بَعْدُ , ومنها على سبيل المثال أنك ترى بعضاً مِمَّن يحاولون عبثاً منذ فترةٍ عِبْرَ عددٍ من المواقع بَثَّ روح الشلَّة كما في السابق حينما كانت لهم صولة في الصحافة المطبوعة حيث تشير صفحةُ التعريف بمواقعهم الى أنَّ ما يهمُّهم أولاً هو تعزيزُ قِيَمِ الحرية والإبداع فتحاول أن تُصدِّق فتجرِّبَ أن تبعثَ لهم بنصٍّ مُعَيَّن له قيمةٌ في نفسك فلا ينشرونهُ أي أنك تصبحُ بقدرةِ قادرٍ لا حُرّاً ولا مبدعاً !
ولعلَّ مِن أطرفِ ما رأيتهُ خلال السنوات الماضية معركةً جرتْ بين مجلَّتَين مطبوعتين وكنتُ الشاهدَ على مرارتها حيث رئيس تحرير المجلة الأدبية الأُولى يتَّهم رئيس تحرير المجلة الثانية بأنهُ سطا على بيتٍ من قصيدتِهِ الفلانية ثُمَّ يُدرِج المقطعَ المسروق وهنا يجيبهُ رئيس تحرير المجلة الثانية بعد شتائم سوقية قائلاً : بل أنت الذي سرقتَ مني المقطع التالي من القصيدة الفلانية ثُمَّ يُدرِجُ المقطع المسروق , فيعود الأوّل فيذَكِّر الثاني بالبيتِ الذي ( لَطَشَهُ ) منهُ قبل سنةٍ وهكذا ...
وَجهُ الطرافةِ والمرارةِ هنا هو أنَّ كِلا المُحَرِّرَين يَعتبرُ كونَهُ شاعراً أمراً مفروغاً منهُ وتحصيلاً حاصلاً في حين أنكَ متيقِّنٌ والقارىءُ معك أنهما لا يَمُتّان للشعر بِصلةٍ لا الذّامُّ ولا المذموم !
ولكن هؤلاء المدعومون من قبل مؤسّسات مالية وجهات سياسية معروفة وغير معروفة هم من عشاق الضجّات المفتعلة كالتي فَعَلَها البعضُ حَوْلَ الصُوَر التي نشرتْها عددٌ من المواقع والمجلات عن عقيل علي وهو إما سكران نائم على مصطبة او في موقف آخر يُرثى لهُ ولمّا مات هذا المسكين وحيداً واستراح , كلٌّ ابدى أسفهُ فراحَ يرثيه بالمُطوَّلات التأبينية وأية مطوَّلات !
وقد تصحُّ هنا عبارة ( الشيء بالشيء يُذكر) فأقول : حينما انتقلتُ من مدينة هامبورغ الى كولونيا وكان ذلك قبل أكثر من عشر سنواتٍ كنتُ قد نويتُ التقليل من تناول الخمر إن لم أقلْ الإقلاع عنها نهائيّاً والبدءَ بحياة أكثر جدية او عملية علماً أنني لولا الآلام النفسية المُبكِّرة التي كان واحدٌ من منابعها الأساسية هو بقائي فترةً مُغثية في أحد سجون نظام صدام وحياتي كجنديٍّ لاحقاً في حرب الخليج الأولى , لولا هذه التجارب وغيرها لما لجأتُ الى الخمر
أقول : حينما وصلتُ الى كولونيا كان أوّل ما فعلتُ هو محاولة أخرى
لدخول المستشفى حيث نوعٌ من العناية الطبية ولكن لا فائدة كما يبدو ولا علاجَ لها إلاّ بالتحايل المؤقَّت .
ولمّا وجدتُ أنّ قضيّتي لا تعني الناسَ من قريبٍ أو بعيدٍ وأنَّهم لا يحسنون سوى التأبين قرّرتُ نكايةً بهم أن لا أموت !
ومِمّا كتَبتُهُ في تلك الفترة :
ما زالَ في جَعبةِ قلبي بارقٌ او فُرَصُ
فهؤلاءِ عند عُرسِ أيامي فَحَسْبُ
الأصدقاءُ الخُلَّصُ !
حتى إذا ما لَفَّ بنيانَكَ ضَعْفُ
يأتون في المشفى اليكَ
لا مؤاساةً وإنما كي يتَشَفّوا !
وقد نالتْ أبا الطيّب الحُمّى وهو في مصر فكتبَ مطوَّلتَهُ المعروفة التي يقول في بيتين منها :
ولا أُمسي لأهل البُخلِ ضيفاً
وليس قِرىً سوى مُخِّ النَّعامِ
ولمّا صار ودُّ الناسِ خِبّاً
جزيتُ على ابتسامٍ بابتسامِ
وإذا عرفنا أنَّ النعام لا مخَّ له وأنَّ الخِبَّ يعني المجاملات فستكتمل الصورة !
ولكن مِن الأخطاء التي لا يُحسن بي تكرارُها هو انتظاري العسلَ من الزنابير!
جلستُ قبل سنواتٍ الى شخصٍ مُحِبٍّ للشعر كما تشير بطاقتُهُ الشخصية !
وأكثر من هذا يقول بأنهُ يكتبهُ .
في الحقيقة , انهُ لا يُحسن الأوزان التي طال الحديث حولها فمنهُ الحديث البطران ومنهُ الحريص ومنهُ المخاتل كأبي بريص ! وهي عندي من الأدوات المهمة التي من المفترض أن يُلِمَّ بها الشاعر حتى وإنْ لم يُردْ الكتابةَ وفقَها ولكن هذا الشخص كما إتضح لي لاحقاً يكتب لفئة معينة من المحسوبين على الشعر تتغافل عن مسألة بالبحور لأنها هي نفسها لا تحسنها
ومثل هكذا فئة اذا القيتَ على مسامعها كلاماً منثوراً وقلتَ لها قبل الإلقاء بأنَّ هذا النصَّ الذي سأقرأهُ عليكم يعتمد البحر الطويل او الكامل او الوافر فإنها لا شكَّ ستصدِّقك أثناءَ القراءة وبعدها ! أي أنهم بكلمة أخرى لا يطلبون منك سوى أن تكفَّ عن تذكيرهم بأهمية الموسيقى الشعرية وزناً وألفاظاً وعدا هذا تستطيع أن تكتب ما تشاء
ويقولون : ولسنا مع هذا متعصِّبين فنحنُ نقبل بها الى جانب قصيدة النثر !
وطبعاً هم يقولون ذلك من باب شفقة المنتصر ! مع أن العكس هو الذي يجب أن يحصل , ومع هذا انا ضد التعصب ولماذا التعصُّب حين تجد حرصاً وجهداً وقيمة فنية او فكرية في العمل الأبداعي الذي تقرأهُ ؟
وعلى أية حالٍ أطلعتُ هذا الشخص على نصٍّ لي فاستحسنه - علماً أنهُ يعرف بأني كثيراً ما أميلُ الى كتابة قصيدة الوزن - فعرضتُ عليهِ نشر هذا النص في العدد القادم من مجلتهم الفصلية فتململ قليلاً وهو يأخذه قائلاً بأنه ليس المحرِّر الثقافي وإنما يجمع بعض المواد الثقافية أحياناً ويعطيها للمحرِّر , والبتُّ بالموافقة على النشر ليس بيده ولكنه مع هذا سيوصلهُ للمحِّرر المسؤول , وبعد شهرٍ حين صدر العدد الجديد قلَّبتُهُ فلم أجد نصي فاتَّصلتُ به سائلاً عن مصير النص , فأجاب بأنَّ المحرِّر قرأ القصيدة فأعجبتْهُ ولكنَّ ما منعهُ من نشرها هو أن العدد الأخير الذي صدر كان مُخصَّصاً لقصيدة النثر لذلك فسوف ينشرها في أحد الأعداد القادمة كما أعتقد فقاطعتُهُ قائلاً : ولكن نصّي كان غير موزون , أي قصيدة نثر كما تسمونها أنتم !
ومنذ ذلك اليوم بدأتْ القطيعةُ او الحرب على قصيدتي وقد كان كلُّ ذلك بسببي فلو صَمَتُّ لنشروا نَصّي النثري في العدد المخصَّص للقصائد الموزونة ولَكُنْتُ قد سبَّبتُ لهم فضيحةً !
ولكن ما يشفعُ لذلك الشخص أنهُ كان نظيفاً ولطيفاً ,
ولمّا عرفتُ أنْ لا صاحبي ولا المُحرِّر الثقافي يفقهُ من الأوزان شيئاً تذكَّرتُ بيتين لعلَّهما للرصافي او للزهاوي :
ومُدَّعٍ في حياة البحر معرفةً
ما حازها أحدٌ في الأعْصُرِ الأُوَلِ
فقلتُ : صِفْ ليَ كيف البحرُ مُمتَحِناً
فقالَ لي : الحوتُ ذو قرنينِ كالجَمَلِ !
ومن جانبٍ آخر , والحقُّ يقال , هناك العديد من المجلاّت والصحف المطبوعة القديمة استطاعتْ نظراً لأصالتها وعراقتها واحتضانها الإبداع الجميل أن تثبِتَ نجاحَها واستمرارَها كما على مستوى الإعلام المطبوع كذلك في شبكة النشر الإلكتروني أُتابعها انا كما يتابعُها القرّاءُ بمتعةٍ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كير ستارمر -الرجل الممل- الذي سيقود بريطانيا


.. تحليق صيادي الأعاصير داخل عين إعصار بيريل الخطير




.. ما أهمية الانتخابات الرئاسية في إيران لخلافة رئيسي؟


.. قصف إسرائيلي يستهدف مواقع لحزب الله جنوبي لبنان | #رادار




.. سلاح -التبرعات- يهدد مسيرة بايدن في السباق الرئاسي! #منصات