الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق في خط الدفاع الأول

حبيب هنا

2007 / 3 / 25
ملف / الكتاب الشهري - في الذكرى الرابعة للغزو/ الاحتلال الأمريكي للعراق وانهيار النظام البعثي الدكتاتوري , العراق إلى أين؟


إن الحديث عن الغزو الأمريكي للعراق، بعد مضي أربعة أعوام عليه، هو الحديث عن الدور التي تلعبه الامبريالية كأعلى مراحل الرأسمالية والاستعمار، بل هو الحديث عن ضرب أي أفق للوحدة العربية جغرافيا وتاريخ وحضارة تمتد إلى آلاف السنين في عمق التكوين البشري، بل وكذلك هو الحديث عن ماضي وحاضر ومستقبل العنف الرجعي في مواجهة التحرر وترسيخ قواعد السلم العالمي الذي يدعو للمحافظة على الإرث الإنساني والتقدم الحضاري. وقبل ذلك وبعده، هو الإجابة على التساؤلات التي يبدو من الصعوبة بمكان الخوض في غمار الموضوع قبل الإجابة عليها هذه التساؤلات تتصدر عناوين مرحلة الشرق الأوسط الجديد في حالة نجاح الخطط التي تهدف إلى بقاء الوطن العربي الكبير سوقاً استهلاكية للمنتجات الغربية. وهذه التساؤلات هي: هل العائد من وراء غزو العراق يساوي تكلفتها؟ ولماذا العراق بالذات هدفاً للمخطط الأمريكي؟ وهل ما يحدث اليوم على الأرض العراقية يؤشر إلى ميلاد فجر جديد؟ وما هو دور الطبقة العاملة والسواد الأعظم من الكادحين في الصراعات القائمة؟
هذه الأسئلة والكثير غيرها ينحي بنا إلى البحث عن حيثيات وتفاصيل تبدو غائبة عن أذهان الكثيرين، في وقت لا يفكرون فيه سوى بما هو آني ومرحلي بعيداً عن النظر إلى الأمور بالمفهوم الاستراتيجي الذي يستبعد قطف الثمار سريعاً فيبدو الأمر وكأنه فشل للخطط الموضوعة التي تهدف إلى امتلاك العقل ودفعه للتفكير بالاتجاه الذي ينبغي الوصول إليه، فتظهر المسألة بغير مظهرها الحقيقي ونحسب أن تأجيل بعض الخطوات إلى مراحل لاحقة في المخطط، إنما جاء جراء الفشل في القدرة على انجازها، فنسوغ لأنفسنا مصطلح الهزيمة بالنصر، في حين لا يخطر على بالنا أن التفكير بهذه العقلية هو تجانس مع المخطط ويسرع بالتالي في تحقيق أهدافه، لاسيما أن المعارك الصغيرة، رغم أهميتها، لا تقاس الانتصارات فيها بحجم الخسائر بقدر ما حققته على المستوى السياسي.
بهذه التوطئة، نبدأ الإجابة على التساؤلات:
إن أصحاب مشروع غزو العراق لم يكن يهمهم العائد الفوري لنتائج الحرب بقدر ما حكم خططهم البعدين المتوسط والبعيد على الرغم من النهب اليومي المستمر للثروة النفطية العراقية؛ ففي إستراتيجية البعد المتوسط تنحسر حالة المد الثوري العربي الهادفة إلى توحيد الأمة العربية جراء حالة النهوض التي شكلتها التطورات العلمية المتسارعة التي عصفت بعقول العلماء العراقيين فأبدعوا في كافة الميادين بعد أن كانت هجرتهم المستمر محل أنظار دول الغرب، من جهة، ومن الجهة المقابلة، الالتفاف على نهوض وبلورة الطبقة العاملة العراقية في أعقاب تأسيس البنية التحتية لعدد كبير من المصانع وانخراط العمال في اتحاداتهم النقابية على طريق الالتحاق بالأحزاب السياسية التي تمثلهم، الأمر الذي جعل الخطر على مصالح أمريكا يزداد يوماً بعد يوم لما يشكله هذا التبلور من خطر على دول الجوار الخليجية التي بدأت تنظر إلى مصالحها الخاصة وإمكانية إلحاق الضرر بها بعين الجدية لاسيما وأنها تدرك المآل النهائي لمثل هذا التبلور وما ينتج عنه من صراع طبقي يفقدها الوصاية على جماهيرها.فضلاً عن التقاء مصالح الحركة الصهيونية مع مصالح الامبريالية العالمية وخاصة الأمريكية في إضعاف العراق وتمزيقه حتى لا يشكل نموذجاً- حالة- ينشر عدوى المد الثوري في المنطقة العربية تصل في النهاية إلى حالة الوحدة بين الأقطار العربية المنسجمة مع التوجه النهضوي، الأمر الذي من شانه عدم إمكانية القضاء عليه لاحقاً.
أما على المدى البعيد، فإن الهدف هو شرذمة الأمة العربية وتفسخها حتى يسهل على الأعداء السيطرة عليها من خلال ما اصطلح على تسميته الشرق الأوسط الجديد والذي بموجبه يكون للكيان الصهيوني الدور الريادي في السيطرة الاقتصادية بالإضافة إلى اعتباره يد الامبريالية في المنطقة القادرة على البطش بالحركات الثورية وقتما شاءت وفي أية لحظة تشعر فيها بوجود خطر على مصالحها جراء تنامي فعل العمل الثوري، الأمر الذي يعرقل أي نمو لدور الحركات الثورية وقد يؤدي إلى اندثارها. فالامبريالية العالمية التي تملك من الخبرة الكثير في مجال القضاء على الحركات الثورية جراء فعلها الموحد وقيامها بهذا الدور منذ مئات السنين، قادرة الآن وبعد ترتيب أولويات استحقاق ما بعد الغزو على سحق القوى الثورية إن هي لم تتدارك هذا الأمر سريعاً وتجعل بالتالي سلوكها متوائماً مع الإفرازات الجديدة التي تأخذ بعين الاعتبار الاعتماد على الجماهير وتمثيلها والدفاع عنها قولاً وفعلاً كي تشكل حاضنة تحول دون القضاء عليها، الأمر الذي يدفع الامبريالية إلى واحد من أمرين: الأول، محاولة شراء بعض القيادات السياسية بمختلف الوسائل الاغرائية حتى تحرف سير عمل الحركة (الثورية) وتافعلاتها مع الجماهير عن أهدافها الحقيقية. الثاني، زج هذه القيادات في المعتقلات والبطش بها كيما ترهب جميع كادارت الحركة وتمنعهم من استخدام أساليب جديدة قادرة على المزج بين ضرورات العمل السري والعلني، تمهيداً لالتقاط اللحظة التاريخية المناسبة من أجل التحرر الوطني والاجتماعي.
وعليه، ما يحدث اليوم على الأرض العراقية من إلباس ثوب الصراع، المذهبية إنما هو محاولة يراد منها التفجيرات التي تطال يومياً الأبرياء من المواطنين بهدف مصادرة الاستقرار الضروري واللازم لتعاظم دور الطبقة العاملة وتصدرها مهام المرحلة الجديدة كي لا تأخذ دورها الريادي في إدارة الصراع الطبقي وما يتمخض عنه من عدالة ومساواة اجتماعية قادرة على جعل العراق نموذجاً لمنطقة الخليج العربي.
صحيح إلى حد ما، أن المقاومة والتضحيات البطولية ضد الغزو الأمريكي حال دون رسم مستقبل العراق كما كان مخطط له، ولكنها أيضاً لم تكن على قدر كاف من المسؤولية في ترميم الأخطاء والتصدي لحالات القتل الجماعية التي يقدم عليها العديد من المتطرفين وأصحاب المصالح في تصفية حسابات قديمة من باب أولي أن تؤجل لوقت لاحق بغرض وضعها أمام القضاء للبت فيها ومحاسبة أصحابها بما يخدم المصلحة العراقية العامة، وهذا ما يؤشر إلى تورط أمريكا في هذه التفجيرات حتى لا تنصب كل الجهود باتجاه مقاومتها والتسريع في رحيلها بعد أن تلملم أطراف الهزيمة.
من هنا، يتبلور بصورة واضحة أحد أهم الأهداف من وراء الغزو الأمريكي للعراق، وهو محاولة الالتفاف على نهوض الطبقة العاملة وسعيها نحو اخذ دورها في الدفاع عن الجماهير وتبني قضاياها على طريق إقامة المجتمع الديمقراطي الذي لا يميز بين أفراد الوطن الواحد، لاسيما وأن النظام البعثي كان واقعاً تحت تأثير آخر سنوات العمر ما أتاح هذا الهامش من الحرية في بلورة الطبقة العاملة وتصديها للكثير من حركة الدفاع عن العمال في القضايا المفصلية واليومية على السواء. علماً بأن النظام وبغض النظر عن الكثير من الأخطاء، كان في الآونة الأخيرة يشكل خط دفاع أول عن الأمة العربية أمام المزيد من التغلغل الأمريكي في المنطقة العربية ورسم سياستها بما يخدم مصالح الكيان الصهيوني في السيطرة الناجزة على مصير ومقدارات الأمة سعياً وراء إطالة عمر الأنظمة المشكوك في ولائها والتي باعت الأمة بأنجس الأثمان.
ومع ذلك، لابد من الإشارة إلى أن أمريكا لم تكن يوماً تسعى وراء إقامة النظم الديمقراطية كما تحاول الترويج، الأمر الذي يدحضه السلوك اليومي وحركة المجتمعات البشرية، وأكبر مثال على ذلك، فرض الحصار على الحكومة الفلسطينية لأن الانتخابات لم تأت كما اشتهتها، بل لقد طال الحصار رغيف خبز المواطنين عقاباً على الاختيار.
مما تقدم يتضح أن الأهداف الأمريكية لم تتحقق فعلاً من وراء الغزو، غير أنه هناك خطر حقيقي مازال يتهدد مستقبل العراق ومعه الأقطار العربية الأخرى، تارة بالترويج للصراعات المذهبية بين السنة والشيعة والدعم السعودي والإيراني لكل طرف، وتارة أخرى زرع بزور الخوف من أن فشل أمريكا، كما جاء على لسان جورج بوش، سيؤدي على تداعي وسقوط أنظمة النفط الخليجية ومعهما الأردن ومصر، وبتعبير آخر، هو فشل لهذه الأنظمة في محاولة لتوريط الدول العربية في مستنقع الغزو حتى تتمكن أمريكا من الخروج منها بأقل الخسائر بعد أن لاحت في الأفق تباشير ميلاد فجر جديد يبدأ بهزيمة المخطط الأمريكي وينتهي بالمصالحة والتعايش الوطنيين داخل مكونات المجتمع العراقي كي يأخذ دوره الريادي في الدفاع عن قضايا الأمة ومستقبلها.
ولكن هذا الأمر يتطلب وقفة جادة ومسئولة تدرس التجربة وتقييم الأخطاء على أمل تلاشيها وعدم الوقوع فيها مجدداً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة : أي دور للمثقفين والنجوم؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مذيعة CNN تواجه بايدن: صور الأطفال في غزة مروعة وتكسر القلب.




.. تغيير العقيدة النووية الإيرانية.. هل تمهد إيران للإعلان الكب


.. المستشفى الإماراتي ينفذ عشرات العمليات الجراحية المعقدة رغم




.. الصين تتغلغل في أوروبا.. هل دقت ساعة استبدال أميركا؟| #التاس