الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صراعات النخب السياسية والعسكرية في الجزائر: الحزب، الجيش، الدولة 12

رياض الصيداوي

2007 / 3 / 26
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


2 ـ الصراع الثقافي: انتصار التعريب
قام الاستعمار الفرنسي بمحاولات عديدة للقضاء على اللغة العربية، حيث استهدفتها سياسته وقوانينه. فاعتبر مثلا سنة 1938 اللغة العربية، لغة أجنبية ، ومن ثمة ارتبط النضال ضد فرنسا بالنضال من أجل اللغة العربية، خاصة مع جمعية العلماء المسلمين ومع حركة مصالحي الحاج، ولم يقف هذا النضال حائلا دون بروز نخبة مثقفة مرتبطة باللغة الفرنسية ومتشيعة لها. مما أنتج صراعا دائما بين دعاة العربية والتعريب ودعاة الفرنسية والمحافظة عليها. وانتقل هذا الصراع إلى جبهة التحرير الوطني نفسها، التي سـرعان ما انتصر فيـها التعريب وأصبح شعارا مركزيا للجبهة ومواثيقها. وتبين الجداول التي اعتمدناها في هذا الفصل مدى انتصارهم.
وسنحاول في هذا الاطار البحث في أسباب نجاح التعريب والداعين إليه في نقطة أولى، ثم ردود فعل ومقاومة المتشيعيين للغة الفرنسية في نقطة ثانية.

أ ـ أسباب انتصار التعريب

طرحت قضية اللغة العربية والتعريب جديّا، منذ الاستقلال وتولى بن بلا رئاسة الدولة. حيث فرض دستور 1963 اللغة العربية الكلاسيكية، لغة وطنية، رسمية ووحيدة. كما فرضها من بعده هواري بومدين ثم الشاذلي بن جديد في دساتيرهم .
ويعود انتصار هذا الاتجاه إلى عدة أسباب، أهمها:
ـ أولا: إن المؤسسيين الأوائل لجبهة التحرير الوطني، كانوا مناضلين مع مصالي الحاج المتشبع بالروح العربية، والمتأثر بشكيب أرسلان ـ من المفكرين القوميين العرب ـ أثناء إقامته بباريس. فقد تأثروا بهذا الاتجاه الذي يرى في الدفاع عن اللغة العربية، دفاعا عن الهوية وكفاحا ضد المستعمر الذي حاول طمسها. وتضاعفت قوة هذه المجموعة منذ التحاق جماعة العلماء بالجبهة وتولى بعض أعضائها مراكز قيادية، أمثال الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، ومحمد صالح اليحياوي.
ـ ثانيا: تبني هذا المنهج أحمد بن بلا ودافع عنه، رغم أنه لم يكن يحسن اللغة العربية، وذلك بتأثير واضح من مصر جمال عبد الناصر. فقد شجعته مصر، وهي تعتبر نفسها زعيمة حركة القومية العربية آنئذ ـ لسلوك هذا النهج.
ـ ثالثا: يعد بومدين القائد الحقيقي لحركة التعريب في الجزائر، فهو متمكن من اللغة العربية، وثقافته تلقاها في جامع الزيتونة بتونس وجامعة الأزهر بالقاهرة، فدفعه تكوينه التربوي إلى شن حملة تعريب واسعة بداية من 1971 وكلف محمد الصالح اليحياوي مسؤول الجبهة وعضو جمعية العلماء سابقا، بهذه المهمة، فقام بتعريب الإدارة، والوثائق الرسمية، والمراسلات... وبدأ التعريب يشمل كل مظاهر الحياة الجزائرية بما في ذلك التعليم .
وكان الأسلوب المتبع حاسما وعنيفا في بعض الأحيان فمثلا أصدر بومدين قرارا ينص على: يجب على كل مترشح للوظيفة العمومية أن يقوم بامتحان في اللغة العربية... ولا يمكن للموظفين المباشرين الارتقاء إلى مناصب أعلى دون الحصول على "شهادة إجادة اللغة العربية" ...
إن انتصار دعاة التعريب يعود لكونهم يملكون القوة المسلحة، أي الجيش في أيديهم، وهي سلطة قوية لا يمكن مواجهتها صراحة من قبل أنصار الفرنسية.
رابعا: تواصلت حملة التعريب مع بن جديد، فهو لئن سعى إلى تصفية الإرث الاشتراكي "للبومدينية"، إلا أنه حافظ على إرث التعريب، وعمل على دعمه. فقد أصدر المجلس الوطني الجزائري، بعد نقاش حول "تعميم اللغة العربية"، قانونا يحتوي على 36 مادة، يهدف إلى التعريب الشامل للإدارة... وللجامعة... وكل وثيقة تحرر في لغة أخرى غير اللغة العربية، تعد بلا قيمة، وكل تجاوز، يمكن معاقبته بخطية مالية ضخمة .
خامسا: وأكد هذا الخيار الرئيس اليمين زروال، حينما دعمت القوانين الجديدة عملية التعريب وحاصرت اللغة الفرنسية وبرزت اللغة الأنجليزية على السطح كلغة ثانية، بعد العربية وقبل الفرنسية. ويعد الرئيس السابق زروال من النخبة السياسية التي تتقن العربية، فهو يتكلم الفصحى بطلاقة في المناسبات واللقاءات الرسمية التى تستدعي استخدامه لها. فقد صوت المجلس الوطني الانتقالي، وهو الجمعية التشريعية المعينة، يوم 17ديسمبر / كانون الاول1996 بالإجماع على قانون يقضي "بتعميم استخدام اللغة العربية" ويحدد القانون بشكل خاص أنه ابتداء من يوم 5 تموز/يوليو 1998 (وفي عام 2000 بالنسبة للتعليم العالي) يتوجب على الإدارات العامة والمؤسسات والشركات والجمعيات مهما كانت طبيعتها أن تستخدم اللغة العربية وحدها في جميع أنشطتها كالاتصالات وشؤون الادارة والمالية والتقنية والفنية. وحدد القانون أن "استخدام كل لغة أخرى غير العربية في مداولات ومناقشات الاجتماعات الرسمية أمر ممنوع".
تمكن دعاة التعريب في جبهة التحرير الوطني من فرض برنامجهم على المجتمع الجزائري، وعلى دعاة المحافظة على اللغة الفرنسية الذين حاولوا أن يقاوموهم بحجج مختلفة.

ب ـ مقاومة التعريب

لم تكن كل النخبة القائدة لجبهة التحرير الوطني من أنصار التعريب، فبعضهم لم يخف أهمية اللغة الفرنسية ودفاعه عنها، وبعضهم الآخر لم يقاومه علانية، ولكن كانت مصلحته في عدم نجاح التعريب وانما في فشله، ويمكن تحديد هذه القوى في:

1 ـ الليبيراليون المتأثرون بالثقافة الفرنسية: ففرحات عباس مثلا نوه بها وقال: "يقولون أنني موالي لفرنسا، ولكن الصحيح أنني صاحب ثقافة فرنسية، مثل أغلب الذين عاصروا جيلي... لقد أعطتني الثقافة الفرنسية معنى راق للحياة وجعلتني أدرك قيم الديموقراطية والإنسانية الحقيقيتين. لذا بقيت وفيا لها" .
لم يمثل هذا الجناح وزنا يذكر داخل الجبهة، بل سرعان ما أزيح منها منذ بداية الاستقلال.
2 ـ الماركسيون: وقد انضموا كأفراد إلى الجبهة، ولم يرو في التعريب، إلا حركة مرتبطة بالتيار الإسلامي وبالمجتمع المحافظ الذي يسعى إلـى ترسيخه. وكانوا يمثلون نخـبة مثقفة داخل الجبهة، تهيمن على بعض الصحف والمجلات الهامة، وحاولوا من داخل النظام ذاته، مع بن بلا أو بومدين، مقاومة التعريب.
وفيما بعد أتهم أحمد رواجعية، أحد المثقفين الماركسيين الجزائريين، سياسة التعريب بكونها ذات توجه إسلامي، وأدت إلى فشل ذريع في التعليم والحياة المهنية، كما أدت إلى تقوية صفوف التطرف الديني . ويأتي حذر الماركسيين من معرفتهم بمخطط ومنفذ حملة التعريب، محمد صالح اليحياوي، وهو عضو سابق في جمعية العلماء المسلمين.
3- القبايل: لم يرحبوا أبدا بالتعريب، لاعتقادهم أنهم ليسوا عربا، ففضلوا الفرنسية، وطالبوا بالاعتراف بلغتهم الأمازيغية، وكان مثقفوهم أكثر الفئات عداءا للتعريب. لكنهم أزيحوا مبكرا من جبهة التحرير ومراكز القرار فيها، من عبان رمضان إلى كريم بلقاسم إلى حسين آيت أحمد... فلم يكونوا متواجدين في جهاز الحزب/ الدولة بشكل يجعلهم قادرين على مقاومة التعريب.
4- ضباط الجيش الفرنسي: لم يتحمس الضباط الجزائريون المتكونون في الجيش الفرنسي لحملة التعريب، لكنهم لم يكونوا قادرين على إبداء آرائهم علانية، خوفا من رد فعل بومدين الذي كان يمارس سلطة شخصية مطلقة على الحزب والجيش وكل أجهزة الدولة، وأملا في تقوية مراكزهم داخــل الجيش والابتعاد عـن الصـراعات الثانـوية. لكـن حينما أصبحوا أقوياء في مؤسستهم العسكرية، انسحبوا من الجبهة ثم أزاحوها من الحكم، وربما تكون مسألة التعريب، أحد العوامل في معادتهم لها.
5 ـ التكنوقراط: رأوا في التعريب عائقا أمام التقدم العلمي والإداري في الجزائر، وباعتبارهم كانوا دائما مبعدين عن مواقع القرار التي انفرد بها القادة التاريخيون للجبهة، فقد عادوا سياستها العامة في مجالات كثيرة. وإن لم ينسحبوا منها حفاظا على مواقعهم أثناء حكم بومدين، وبن جديد، فسيكونون أول المستقيلين منها، وأول منتقديها، وسيتحالفون مع الجيش ضدها، وسيحملونها مسؤولية الفشل السياسي والاقتصادي الذي عاشته الجزائر طيلة حكمها، ومن بين هذه المجموعة، سيد أحمد غزالي، الذي يمكن اعتباره أحد أهم ممثليها .

لقد أفرغ الصراع الثقافي بدوره جبهة التحرير الوطني من كثير من إطاراتها ذات الثقافة الفرنسية، سواء أكانوا ليبيراليين، أو ماركسيين، قبائليين، ضباط جيش أو تكنوقراط. فهزيمتهم أمام النهج التعريبي دفعت بهم حينما وجدوا الفرصة مناسبة إلى الانسحاب. فخسرت جبهة التحرير جزءا من نخبتها. وتأكد مرة أخرى أن مفهوم الجبهة التي تجمع الكل وتوحد التناقضات لم تكن قادرة على الاستمرار إلا في مرحلة حرب التحرير، حينما كان البرنامج الوحيد هو تحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي، أما بعد الاستقلال، فإنها لم تعد تستطيع الجمع بين الأضداد من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ومن الإسلامي الى اللائيكي ومن دعاة التعريب إلى دعاة المحافظة على اللغة الفرنسية.
وساهم غياب آلية ديموقراطية تفرز الآراء والاتجاهات داخل الجبهة، واستخدام النهج التسلطي في اتخاذ القرارات في تعقيد الصراع. ومن ثمة انشطار الجبهة وانسحاب أو انشقاق الكثير من قادتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا: السجن 42 عاما بحق الزعيم الكردي والمرشح السابق لانتخا


.. جنوب أفريقيا تقول لمحكمة العدل الدولية إن -الإبادة- الإسرائي




.. تكثيف العمليات البرية في رفح: هل هي بداية الهجوم الإسرائيلي


.. وول ستريت جورنال: عملية رفح تعرض حياة الجنود الإسرائيليين لل




.. كيف تدير فصائل المقاومة المعركة ضد قوات الاحتلال في جباليا؟