الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في اعالي الفردوس

رشا فاضل

2007 / 3 / 26
الادب والفن



في اعالي (الفردوس*) ... ارتفع الحب .. وهبطت الحروب ..

واعتلت القصائد الحناجر .. وراحت تصطف في مطلع القمرلتردد نشيد الوطن القادم من رحم الخراب ...
كان الوطن ينشد (بس تعالوا ) ..
وكان قلبي يردد الصدى ويعبر الوجوه بحثا عن قامة راودت ظلي التائه ..
قلت في سر صمتي .. لعل الفجر يبرق ..والصحراء تكف عن احتجاجها بوجه الغيم..
في زاوية قصية من الفردوس كنت ارقب سريان الجداول وارتفع بصلاتي حتى اطأ برجفة اصابعي وجه بغداد المسوّر بالخرافة ..واتلمس شوارعها الموغلة في الغياب ..
هنا كانت مدرستي ...
..عند ذلك الرصيف كانت رائحة القداح قد فاحت لأول مرة في جسدي حتى وجدتني اعتلي سياج الحلم واهمس لدجلة الذي كان حبيبا : ...رفقا بقارورة القلب فقد اوصى بها الرب ...
كان الوقت مزحوما بالربيع ..والمواكب اعراسا تجوب الشوارع والفنادق الانيقة ..
وكان قلبي يركض فوق اجنحة المغيب ..
ويهمس لقلق امي : لاتخافي ..بغداد امي التي ارضعتني الحب والحرف.
..والبصرة امي التي انجبتني وقمطتني بسعف نخيلها حتى اشتدت قامتي وارثة من النخلة شموخها كلما عانقت الموت ..

جداول من نور كانت القصائد تسري في ممرات القلب ..
اطلقت البصره نوارسها في سماء الروح ..وراح صداي يتواطأ مع نشيدها :

الحياة هنا ..
حيث تسير الجثث مرفوعة الراس
و حيث يخصب الموت وتزدهر الفجيعة
الحياة هي البقاء الصعب في الوطن
و الحياة هي الاطفال المصرون علي المشي بلا شوارع ولا ازقة
الحياة نشيد يومي يردده مسقط راسك
لا - مسقط - .... غير راسك
لقد ادخرك الاطفال لاصطفافهم اليومي
فانت نشيدهم المدرسي
كيف سيكون موقفهم عندما يرفعون العلم
هكذا .. بلا نشيد !

...ولأن البصرة كانت ترتدي ابهى حلّتها في ذلك المساء القصي من الموت ..
وضعت بابل تعويذتها وراحت ترتفع بترانيمها مبللة الغيم برُقيتها التي وطأت وجه القمر :


وطن لاينام به النخل
اذ تنتشي بالنعاس العيون
وطن ليس يدري
سوانا هواه
اذا غلف العشق
صوت الجنون
وطن لانبوح باوجاعه
لكننا نشتهيها
ونمشي ... ...
على صوته اذ ينادي
ولانسأل الاذن
من يطلبون ...؟
وطن ... كلنا
والجنان _ منافي _
ونشتاقه ... ...
حد انا نحب اللصوص به،
والسكارى ، وحرّ الزنازين في صيفه،
والبغايا ، ومن ايدوا،
ثم من عارضوا،
والمخبرين، ومن اخبروا،
والسجون

وطن لايقسم مثل الخرائط
لكنه نحن
كل عراقي ... عراق ...!
فكم وطنا يقسمون ...؟

في ذلك المساء العجيب ..استيقظ الطائفون تحت جسر الائمة..وحلّقت العباءات بسوادها مستردة قيافتها من النهر..حاملة اسراره وحكاياه وحنين اسماكه التي فتحت بيوتها واعارت زعانفها للقادمين من جحيم الاعالي ..الى جنان الاقاصي ..

حينها ..استعار النهر صوتي ..وراح يردد بملوحة دمعي الهاطل بسخاء ..


يا ام الانين..
تحييك اجساد جسر الائمة – وفواجع الامَة
وهذه الخيبات
وظلم الطغاة
والظلاميون القادمون
يا مدنا تأكل ابناءها
كي تخبئهم بعيدا عن
الغزاة والمجهول والقدر اللعين
يا ام الذاكرة..
ناسية ابناءها في مائها
ما عاد هناك فرق بين
سمك ميت على جرفها
وحشود تندب الحياة وتشتهي الممات
مثل حظ العراقيين
بكى الله ولم يبك
بموت ابنك
موته نار برد وسلام
على عمر البلاد
على عمر العراق
لم يولد سنيا
لم يولد شيعيا
عراق سومري
عراق بابلي
عراق عربي
شماليه نرجس
وجنوبه بحر لعين
يا ام الانين..
يا دجلة الذكريات
يا ام الكربلاءات
يا ام الحنين..


كان الزمن قد اعلن احتجاجه..
نظرت الى الساعة المعلقة فوق راسي .. فاذا بها تتعرى من ارقام ايامها ..وتكسر زجاجة الوقت وتمضي حافية نحو الفجر ..
تلمست قلبي ..
فسمعت انينا...بلل اصابعي المرتبكة وهي تحاول انقاذ مايمكن انقاذه من وجهي المستعار ..
(هل تبكين ) ؟.. باغتني صوت دافيء ... له رائحة امي ..
وخوف امي عند المغيب ..
لم اكن ابكي ..
لم اكن اضحك ..
كنت فقط انظر الى نعش الوطن ..محمولا فوق اعناق القصائد .







................................................................

الفردوس* : الفندق الذي عقد فيه الاجتماع التأسيسي لنادي القلم الدولي في دمشق 0

• نوارس البصره اطلقها الشاعر علي الاماره
• تعويذة بابل قرأها الشاعر علي الشلاه
• يادجلة الذكريات .. يا ام الكربلاءات ..للشاعره امل الجبوري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟


.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا




.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس