الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الماركسية أم الماركسية اللينينية ؟ الجزء العاشر

امال الحسين
كاتب وباحث.

(Lahoucine Amal)

2007 / 3 / 26
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


رأينا فيما سبق كيف واجهت الماركسية منذ تأسيسها الرجعيين البورجوازيين و الإنتهازيين الماركيين التحريفيين من البرودونيين و اللاساليين ، و واجه ماركس و إنجلس هؤلاء بصرامة و اتخذا في مواجهتهما هذه مناسبة لتثبيت مذهب الماركسية و ذلك بتطوير النظرية الديالكتيك المادي لتجاوز الفهم المثالي للديالكتيك ، لمجابهة الأعداء من الداخل و الخارج الذين يدعون أن الماركسية قد دحضت من طرف الفكر البورجوازي في مهاجمتهم لماركس و الماركسية ، خوفا من انتشارها في صفوف البرزليتاريا التي تعتبرها الماركسية الطبقة الثورية في الوقت الذي تعرف فيها الماركسية رصوخها و ثبوتها عبر العالم ، فخلال نصف قرن من ظهور الماركسية عمل ماركس و إنجلس على محاربة أعدائهما بدءا بالهيكليين باعتبار الهكلية عدوا أساسيا للماركسية ، مرورا بمجابهة البرودونيين بعد ثورة حزيران 1848 ، في طريقهما من النظرية إلى الحركة خاصة بعد تأسيس الأممية الأولى و طرد الباكونينيين منها ، و انتهاء بمواجهة دوهرينغ ليحرز المذهب الماركسي انتصارا ساحقا على المذاهب الأخرى التي تنافسه في الحركة العمالية .
و يقول لينين في هذا الصدد : " و لكن، حين حلت الماركسية محل النظريات المعادية لها، و المتجانسة بعض التجانس، سعت الميول التي كانت تعبر عنها هذه النظريات وراء سبل جديدة. فقد تغيرت أشكال النضال و دوافعه، و لكن النضال استمر. و هكذا بدأ النصف الثاني من القرن الأول من وجود الماركسية (بعد 1890) بنضال التيار المعادي للماركسية في قلب الماركسية" ، و بمعنى آخر أصبحت التحريفية العدو اللدود للمذهب الماركسي حيث أنه بعد أن فشلت البورجوازية في نسفه من الخارج تحاول نسفه من الداخل ، و كان على رأس المعادين للماركسية أدوارد برينشتين في أواخر التسعينات من القرن 19 الذي تزعم الجناح الإنتهازي المتطرف في الإشتراكية الديمقراطية الألمانية في الأممية الثانية ، حيث يقول :" الحركة كل شئ، الهدف النهائي لا شئ" إذ يدعو إلى النضال الإصلاحي من أجل تحسين أوضاع العمال في ظل الرأسمالية متنكرا للصراع الطبقي و الثورة الإشتراكية وديكتاتورية البروليتارية و حتمية زوال الرأسمالية .
ففي المجال المعرفي العام يصف لينين التحريفية بأنها النزعة الفكرية لاشتراكية ما قل ماركس حيث يسعى الأساتذة المدرسون إلى تمرير الفكر الكانطي في محاولة لإحياء الفكر المثالي زاعمين أن المادية قد تم دحضها ، و هم في محاولاتهم يهاجمون الديالكتك الهيكلي محتقرين الفلسفة العلمية حيث لا يستطيعون فهم الديالكتيك الثوري الذي عوضوه بالفلسفة المثالية للقرون الوسطى ، و يريدون جعل الدين ليس قضية الدول بل كذلك قضية الطبقة الثورية في محاولة فاشلة لإدخال التعديلات على المذهب الماركسي ، لكن الماركسي بليخناوف رد على هؤلاء التحريفيون بقوة نظرية الدياليكتك الماركسي المادي و كان ردهم هو اتهام بليخانوف بالإنتهازية التكتيكية .
أما في المجال الإقتصادي فقد سعى التحريفيون إلى التأثير على الجمهور بما كانوا يسمونه ب" المعطيات الجديدة في التطور الاقتصادي" ، زاعمين أن تمركز الإنتاج و إزاحة الإنتاج الكبير للإنتاج الصغير لا يظهر في الزراعة في الوقت الذي يجري ببطء في مجال التجارة و الصناعة ، و اعتبروا أن الكارتيلات و التروستات تخفف من حدة أزمات الرأسمالية إلى حين زوال الأزمة تماما و التناحر داخل النظام الرأسمالي أخذ يقل مما يجعل نظرية الإفلاس خاطئة ، لذا وجب إدخال تعديلات على النظرية الماركسية وفق هذه المعطيات الجديدة بما في ذلك نظرية القيمة.
و واجه لينين البرينشتينية بصرامة بدءا بمجال الإقتصاد الذي يحاولون من خلاله تركيز الآراء البورجوازية لبوهم-بافيرك معتمدا على الوقائع و الأرقام التي تبين ضعف نظريتيهم ، حيث أن الإنتاج الضخم يتفوق على الإنتاج الصغير في جميع المستويات الزراعية و الصناعية و التجارية ، إلا أن الإنتاج البضاعي في الزراعة ضعيف بالنسبة للإنتاج الصناعة لذا لا يظهر التمركز في الزراعة بنفس الحدة كالصناعة ، و يبين لينين ذلك في قوله : "و الاحصائيون و الاقتصاديون المعاصرون لا يحسنون، عادة، إبراز الفروع الخاصة في الزراعة ( و حتى العمليات أحيانا)، التي تعبر عن انخراط الزراعة المطرد في التبادل على صعيد الاقتصاد العالمي. و على أنقاض الاقتصاد الطبيعي، ما يزال الإنتاج الصغير قائما على أساس تفاقم سوء التغذية إلى ما لا حد له، و المجاعة الزمنية، و تمديد يوم العمل، و تردي نوعية المواشي و العناية بها، بوساطة نفس الوسائل التي لجأ إليها الإنتاج الحرفي للصمود بوجه المانيفاكتورة الرأسمالية "، فالتقدم العلمي المطرد يؤثر تأثيرا سلبيا على الإنتاج الصغير في المجتمعات الرأسمالية و كان على علم الإقتصاد الإشتراكي أن يوضح ذلك بالتحليل العلمي ، و أوضح ليبين أن الإنتاج الصغير لا محل له في النظام الرأسمالي ، و على الفلاح تبني النظرية البروليتارية الثورية عكس دعوة التحريفيين للفلاح بتبني وجهة نظر الملاك التي تعتبر نظرية بورجوازية .
إن ما دفع التحريفيين إلى محاولة تعديل المذهب الماركسي هو انبهارهم أمام ما حققته الصناعة من تقدم خلال السنوات الأخيرة من القرن 19 ، جازمين من أن الأزمات قد تجاوزتها الرأسمالية بذلك المستوى الطفيف من تطور وسائل الإنتاج غافلين أن وراء كل ازدهار للرأسمالية أزمة باعتبار الرأسمالية تلازمها الأزمات ، و توحيد إنتاج الكارتيلات و التروستان لم يزد إلا فوضى الإنتاج و تفاقم الأوضاع المزرية للبروليتاريا في ظل طغيان الرأسماليين ، و الرأسمالية في تطورها تسير نحو الإفلاس عبر مختلف الأزمات السياسية و الإقتصادية للوصول إلى الإنهيار التام ، و يقول لينين في هذا الصدد : " فإن الأزمة المالية الأخيرة في أمريكا، و تفاقم البطالة بشكل مخيف في عموم أوربا، ناهيك عن الأزمة الصناعية الوشيكة التي ينذر بها بعض الأعراض، قد حملا الجميع على نسيان > المحرفين الأخيرة، بل يبدو أن الكثيرين من المحرفين أنفسهم قد نسوها. غير أنه ينبغي ألا ننسى الدروس التي تلقتها الطبقة العاملة من هذا التقلقل لدى المثقفين".
و على المستوى السياسي جعل انبهار التحريفيون بالمفاهيم البورجوازية كالحرية السياسية و الديمقراطية و الإقتراع العام ينفون ضرورة النضال الطبيقي و لا يعتبرون الدولة جهازا للسيطرة الطبقية ، جاعلين من التحالفات مع البورجوازية التقدمية و الإشتراكية الإصلاحية حلفاء ضد الرجعية ما دانت الديمقراطية تتيح المجال لإرادة الأغلبية حسب زعمهم ، و هم في دعايتهم لمفاهيم البورجوازية ينسون أن هذه المفاهيم معروفة منذ أمد قديم و لا يمكن للبرلمانية البورجوازية أن تقضي على الطبقات كما يدعون ، و هم في حججهم يعتقدون أن الطبقات ستزول عندما يتمتع المواطنون بحق التصويت و بحق المشاركة في تسيير شؤون الدولة ، و تاريخ الثورات الأوربية خلال النصف الأخير من القرن 19 و الثورة الروسية في بداية القرن 20 يكذب أقوالهم هذه ، و أن المساهمة في تنظيم جزء من الجماهير في ظل البرلمانات البورجوازية في الجمهوريات الديمقراطية البورجوازية لا يزيل الأزمات و الثورات السياسية في المجتمعات الرأسمالية ، بل بالعكس تتفاقم الحروب الأهلية و يقول لينين في هذا الصدد : "إن أحداث باريس في ربيع 1871، و أحداث روسيا في شتاء 1905، قد بينت بكل وضوح أن هذا التفاقم أمر لا مناص منه. فان البورجوازية الفرنسية، سعيا منها لسحق الحركة البروليتارية، لم تتردد ثانية واحدة عن عقد صفقة مع عدو الوطن، مع الجيش الأجنبي الذي كان قد أشاع الخراب و الدمار في وطنها. إن من لا يدرك الديالكتيك الداخلي المحتوم في النظام البرلماني و الديمقراطية البورجوازية، ضد الديالكتيك الذي يؤدي إلى حل النزاع بصورة أشد حدة مما مضى، باللجوء إلى العنف الشديد الشامل، لن يعرف أبدا كيف يقوم، في ميدان هذا النظام البرلماني، بدعاية و تحريض منطبقين على مبادئنا و من شانهما تحضير الجماهير العمالية فعلا للاشتراك بهذه > اشتراكا مظفرا".
إن النزعة التحريفية ظاهرة عالمية تستقي جذورها الطبقية من المجتمع المعاصر الذي تسود في الرأسمالية بكونها نظاما تناحريا يحتوي على الطبقة الوسطى ، فإلى جانب الطبقة البروليتارية توجد مختلف فئات البورجوازية الصغرى من صغار أرباب العمل التي تعتبر عماد الإنتاج الصغير الذي انبثقت منه الرأسمالية و لا زالت تنبثق منه إلى يومنا هذا ، و الرأسمالية بدورها تعمل على خلق فئات جديدة من البورجوازية الصغرى التي يعتبر منتجون صغار جدد الذين ينتظرهم حتمنا الدفع بهم إلى صفوف البروليتاريا ، و هذه الفئات ستكون قائمة في أطوار الثورة البروليتارية كما يقول لينين حيث لا يمكن تحويل غالبية السكان إلى بروليتاريا لكي تتم الثورة البروليتاريا ، إنما ورد على مستوى هذه الأفكار هو حصر الخلافات التكتيكية مع التحريفيين على مستوى الحركة العمالية من أجل تحديد التكتيك المناسب و التحالفات المناسبة ، و يقول لينين في هذا الصدد : " إنما يترتب على الطبقة العاملة، بالضرورة، أن تمر به بنسب أوسع بما لا يقاس،عندما تؤدي الثورة البروليتاريا إلى التشديد من حدة جميع المسائل المتنازع عليها، و عندما تحصر هذه الثورة جميع الخلافات في نقاط ذات أهمية مباشرة بالنسبة لتحديد سلوك الجماهير، عندما تجبرنا هذه الثورة، في معمعان النضال، على الفصل بين الأعداء و الأصدقاء، على نبذ الحلفاء الأردياء، بغية تسديد ضربات حاسمة إلى العدو. إن نضال الماركسية الثورية الفكري ضد النزعة التحريفية، في أواخر القرن التاسع عشر، ليس سوى مقدمة للمعارك الثورية الكبيرة التي ستخوضها البروليتاريا السائرة إلى الأمام، نحو انتصار قضيتها التام، رغم كل تردد العناصر البورجوازية الصغيرة و تخاذلها".
كان ماركس و إنجلس يؤلفان جنبا إلى جنب التكامل الفكري و العملي للمذهب الماركسي فكان ماركس يهتم بتحليل الظواهر الإقتصادية في الرأسمالية و يمثل مؤلفه "رأس المال" أروع ما أنجزه بتعاون مع إنجلس ، و كان إنجلس يهتم بالقضايا العلمية و التاريخية وفق الإتجاه المادي للتاريخ الذي وضعه ماركس و وفق منظوره الإقتصادي ، و كانا يهتمان بالتطور السياسي بأوربا الغربية في علاقتها بروسيا التي يعتبرانها حجرة عثرة أمام تطور الثورة البروليتاريا ، لكونا تغذي الصراعات السياسية بين ألمانيا و فرنسا من خلال تغذية الحرب بينهما و يقول لينين في هذا الصدد : " فقط روسيا حرة لا تعود في حاجة لا إلى اضطهاد البولونيين و الفنلنديين و الألمان و الأرمن و غيرهم من الشعوب الصغيرة ، و لا إلى العمل دائما على تحريض ألمانيا و فرنسا إحداهما على الأخرى ، ستتيح لأوروبا المعاصرة أن تتنفس الصعداء أخيرا من أعباء الحرب و ستضعف جميع العناصر الرجعية في أوروبا و تزيد قوة الطبقة العاملة الأوروبية ".

تارودانت في : 24 مارس 2007








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هز عرش المحافظين.. معلومات عن زعيم حزب العمال كير ستارمر


.. الغارديان: حزب العمال أمام انتصار كاسح في وجه المحافظين




.. فرنسا.. بين قبضة اليمين المتطرف وتحالف -شبه مستحيل- للمعتدلي


.. فرنسا: هل تراجعت فرص اليمين المتطرف بالوصول إلى السلطة؟




.. هل الأغنياء يدخرون الأموال؟.. استشاري الاتصال المؤسسي علاء م