الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أربع سنوات على الحرب الديمقراطية .. الجزء 1

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2007 / 3 / 26
ملف / الكتاب الشهري - في الذكرى الرابعة للغزو/ الاحتلال الأمريكي للعراق وانهيار النظام البعثي الدكتاتوري , العراق إلى أين؟


مقدمة:
بعد أربع سنوات مرّت على سقوط النظام البعثي ، يمكن لنا - المقيمين في خارج العراق- ، أن نتصور أن ثمة حياة ما تتوفر للعراقيين ، لكن المعيشة التي تليق بإنسان ، لمن يعيش في العراق أمست حلما.
فإنه حلم ، أن يتنزه الشاب على شواطئ دجلة في بغداد. وإنه حلم ممنوع للمرأة أن تخرج من البيت ، و تجلس في مطعم ، أو مقهى. لقد عادت عادات الوأد من جديد. بالأمس كان وأد البنات في الصحراء ، أما اليوم فاصبحن يوأدْن في بيوتهن ، ونقابهن ، وحجبهن في ظل الارهاب والرعب والقتل والاغتصاب.
إن الملايين الذين يخرجون للتنديد بالحرب القذرة أدركوا مدى فظاعة المأساة التي يعانيه أهل العراق. فمثلما لم تكن حرب الخليج الأولى لتحرير الكويت من النظام العراقي، لم تكن حرب اسقاط البعثي لأجل تحرير الشعب العراقي من الدكتاتورية ، واقامة نظام ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان. وقد كانت عاصفة الصحراء تدشينا للنظام العالمي الجديد بقيادة أمريكا بعد انهيار الكتلة السوفيتية ، واعلان العالم ذي القطبية الواحدة.
الذرائع التي شنت بسببها الحرب كانت كلها كذب في كذب . لم تكن ثمة أسلحة دمار شامل، و لم تكن هناك أية علاقة تربط بين صدام والقاعدة .
و أية وقاحة كانت من توني بلير حين صرح أن العراق قادر على تهديد المصالح الغربية في العالم نوويا خلال 45 دقيقة!.
وقد وفّرت جريمة 11 سبتمبر 2001 ذريعة في غاية الأهمية للإمبريالية ألمريكية لكي تبرر سياستها العدوانية الخارجية ، ولكي تُقدم على الإحتلال العسكري لأفغانستان والعراق . وقد كانت القوى اليمينية والبرجوازية ، وللأسف قسم كبير من اليسار الذي من المفروض أن تمكنهم رؤيتهم النظرية ، وتقاليدهم التاريخية المجربة، على ادراك السياسة العالمية للرأسمالية، كانت هذه القوى ترى في الحرب الإمبريالية فرصة مؤاتية للتخلص من الدكتاتوية البعثية والرجعية الاسلامية ، وامراء الحرب والمافيات في أفغانستان.
وقد كان ثمة قلة من الماركسيين الحقيقيين واليسار الاشتراكي في العالم قد فضحوا المحتوى الإمبريالي واللاديمقراطي للسياسة الخارجية الجديدة لأمريكا بعد انهيار الكتلة السوفيتية و انتهاء الحرب الباردة، وقيام العالم الامبريالي ذي القطب الواحد.
واليوم بعد مرور أربع أعوام على اسقاط النظام البعثي السابق ، واعلان بوش النصر العسكري في العراق، يتضح لأي مواطن مهما كان مستواه التعليمي والثقافي ، أن الحرب الأمريكية لم تجلب الديمقراطية للعراق، بل حولته إلى جحيم لا يطاق لأهله ، و جعلته ُمزقا تتزاحم علي نهبها المافيات القومية والطائفية والمذهبية .
وقد توضح أكثر اليوم أن الإمبرالية الأمريكية ترتب اصطفافا جديدا ، وتوليفة جديدة مع القوى الرجعية من الإسلام السياسي والقومية السياسية والطائفية ، وأن الإسلام السياسي قد تبوأ مركزا جديدا في السياسة الأمريكية يتلاءم مع ظروف النظام العالمي الجديد والعولمة الرأسمالية.
إن الشيوعيين كانت لهم نظرتهم المختلفة عن اليسار الجديد واليسار القومي و" شيوعيين سابقين" في أوروبا و بقاع أخرى في العالم فيما يتعلق بمناهضة العدوان الإمبريالي. لقد رأت ولا تزال كثير من تلك القوى " اليسار القومي ، والتوابين من شيوعيين سابقين" أن " الحرب على الإرهاب" لها جانب ايجابي " لصالح اليسار" في أنها " مواجهة جدية بين العلمانية التقدمية و الرجعية الدينية" ، ومن هذا المنطلق روجوا ولا يزال يروجون للفوائد المحتملة للسياسة الخارجية الأمريكية والغربية في نشر الحريات الشخصية ، واقرار الحقوق المدنية في بلدان مثل العراق وأفغانستان وإيران.
إن الشيوعيين واليسار الماركسي الإشتراكي أصبحوا ولا يزالون يقفون في مواجهة آراء " يسارية تلبررتْ بعد انهيار الاتحاد السوفييتي" ، متآزرة مع آراء عنصرية غربية يمينا ويسارا ، تناهض الحرب الإمبريالية في الشرق الأوسط ، لأنها ترى في الدكتاتوريات وانتهاكات حقوق الإنسان وقمعها و اضطهاد المرأة خصائص ثقافية لشعوب الشرق، و بهذا ، ارادت ذلك ، أم لم ترد، تبرر وجود الأنظمة الدكتاتورية والرجعية .
فلا ثمة حاجة إلى دليل لمعرفة المحتوى اللاإنساني واللاديمقراطي للإحتلال الأمريكي للعراق، وقد توضحت حتى للقوميين الأكراد الذين لا يزالون يرقصون و يعلنون ابتهاجهم للعدوان الأمريكي على جماهير العراق ، أن هذه الحرب ليست من أسبابها تحقيق طموحاتهم القومية ، ولا من أهدافها تحويل السليمانية إلى دبي أو أبو ظبي، و لا الحاق كركوك بسلطة الحزبين الحاكمين في كردستان.
و أصبح اليوم يتجلى بوضوح التناسق بين السياسة الإمبريالية الأمريكية والإسلام السياسي ، بعد تبيان خطوط الحلف العربي القومي والصهيوني برعاية أمريكا لترويض إيران. فتقاطع مصالح الرأسمالية في أمريكا و الإسلام السياسي كطالبان و الإخوان و أجنحة من الشيعة ، والعروبة السياسية واقع ملموس في الصعيد السياسي العالمي. وهذه المسألة بحاجة إلى دراسة عميقة وتمحيص زائد، إذ أن التيارات الإقتصادية والسياسية في العالم تبين أن السياسة الإمبريالية والتيارات السياسية الإسلامية تسير إلى الالتقاء و الوئام ، وهذا التحليل ، أراه ضروريا في أن يستند إليه اليسار في مناهضة الحرب الإمبريالية والعدوان.
وقد أظهرت دراسة لمؤسسة ستراتفور أنه من المقرر ان يتم تكليف جيمس بيكر وزير خارجية جورج بوش الأب
برسم المستقبل السياسي لمنطقتنا ، ومن مهامه التي سيقوم بتأديتها بسبب باعه الطويل في السياسية الخارجية و خبرته الاشراف على المباحثات بين أمريكا وإيران. ووفق تلك المؤسسة ثمة احتمال وارد في أن تطلب أمريكا من إيران مساعدتها لكسب الشيعة في العراق، وبهذا, وحسب مؤسسة سترتفورد أن إيران ستخرج من العزلة وستكتسب موقع مهيمنا في الخليج والشرق الأوسط.
وقد كان سقوط النظام البعثي تحت الضربات العسكرية الأمريكية مبرمجا ومهيئا له منذ سنوات. لقد تمت التهيئة للسقوط ، إذ كانت فرق التفتيش التابعة للأمم المتحدة عن أسلحة الدمار الشامل مستمرة في عملها حتى قبل 3 أيام من اطلاق أول طلقة أمريكية ، وقد تحطمت البنية التحتية والامكانية القتالية للجيش العراقي في حرب عاصفة الصحراء ، و عانى العراقيون خلال 12 عام من الحصار الاقتصادي والتجاري الذي أودى بحياة مليون عراقي أكثرهم من الأطفال ماتوا من الجوع والمرض و انعدام الأدوية والرعاية الصحية. وبالإضافة إلى كل ذلك أنه لا مجال لمقارنة التفوق العسكري الأمريكي الهائل بالقدرة العسكرية المحدودة لدول نامية مجموعة.
فماذا كان الهدف من هذه الحرب,إذن؟
كان الهدف السياسي الأول تشكيل نظام عميل مقتدر يمكنه السيطرة على العراق وإدارة شؤونه ، وايجاد توازن قوى جديد لصالح اسرائيل . وقد توضح خلال الفعاليات الدبلوماسية الأمريكية والأوروبية أن الأهداف من وراء هذه الحرب على العراق أوسع بكثير، إذ تشمل مجمل العلاقات الدولية.
إن الفشل الأمريكي في تشكيل حكومة مقتدرة عميلة في العراق لهو انعكاس لهشاشة الأسس المادية التي تستند إليها سياسيا الإمبريالية الأمريكية . و إنه حتى بعد النصر العسكري غير المتلائم مع قوتها الإقتصادية ، تواجه السياسة الخارجية تعقيدات بالغة ، ومتناقضة.
وتستمر البروغاندا الإمبرالية و أبواق الدعاية البرجوازية حتى بعد تفاقم مصائب العراق بعد الاحتلال ، في الحديث عن مستقبل الديمقراطية والرفاه والمدنية في العراق. وبعد كل الفشل الأمريكي ، أسمع عن موديلات أفغانية ، مثلا ، اللوي جرغا ، لتطبيقها في العراق. و تطبيق أي موديل كان في العراق لن يشكل أية معضلات لأمريكا ، طالما هناك ، مرتزقة يدعون تمثيل هويات قومية وطائفية ومذهبية لمجاميع من العراقيين، وطالما ثمة كتّاب و صحفيو السحت يزينون لأسيادهم مثل هذه الأوهام. المهم لأمريكا ، أناس ، حتى لو كانوا طالبانا ، بامكانهم تنفيذ الأجندا الامبريالية في العراق. وقد استندت أمريكا ولا تزال تستند في سياستها الاحتلالية في العراق على توسيع الشقوق و تعميق التمايزات في المجتمع العراقي. وهذا الواقع يفسر تناقض النصر العسكري الأمريكي أثناء اسقاط النظام البعثي مع الفشل في اقامة نظام مستقر سياسي بديل.

ولم تجعل الحرب على العراق العالم أكثر أمنا واستقرارا، بل بالعكس أصبحت بؤر التوتر والارهاب تنتشر في كل البلدان، و خرجت كل القطعان الارهابية من جحورها لتملأ الدنيا دماء وأشلاء بشرية.
فالأسلحة التدميرية كانت دوما بحوزة أمريكا ، وهي التي أبادت مدينتي هيروشيما وناكازاكي اليابانيين في لحظات .
إن الأنظمة الدكتاتورية والرجعية في الشرق الأوسط ، وما يسمى بالعالم الثالث ، بقت , وظلت باقية بفضل الدعم والمساندة الامبريالية ، لأي سبب كان ، سواء لاستخدامها ضد الاتحاد السوفييتي ، أو الاستفادة منها لتأمين مصادر الطاقة للمصانع الرأسمالية في الغرب.
لقد أصدر المتسلطون، ممثلو الديمقراطية البرلمانية ، المحافظون الجدد ، خلف أبواب موصدة قرارهم بشن الحرب رغم احتجاج مواطنيهم ، و مظاهراتهم ضد السياسة العدوانية لحكوماتهم الامبريالية ، بعد أن تكلفت أجهزة صناعة الرأي ، وأبواق التضليل بتحريف الآراء ، وتضليل الرأي العام لصالح الرأسمالية الامبريالية.
لقد كان النظام الإيراني و العصابات القومية ، ومافيات الإسلام السياسي من أكثر المستفيدين من هذه الحروب التي شنت على العراق وأفغانستان.

للبحث صلة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تنظر الحكومة الإسرائيلية لانتهاء مفاوضات القاهرة دون اتف


.. نتانياهو: إسرائيل مستعدة -للوقوف وحدها- بعد تعهد واشنطن وقف




.. إطلاق مشروع المدرسة الإلكترونية في العراق للتقليل من الاعتما


.. نتنياهو: خسرنا مئات الجنود بغزة.. وآمل تجاوز الخلاف مع بايدن




.. طلاب إسبان يدعمون غزة خلال مظاهرات في غرناطة