الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أربع سنوات على الحرب الديمقراطية : الجزء 2

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2007 / 3 / 27
ملف / الكتاب الشهري - في الذكرى الرابعة للغزو/ الاحتلال الأمريكي للعراق وانهيار النظام البعثي الدكتاتوري , العراق إلى أين؟



الفشل في تحويل العراق إلى منطقة نفوذ للرأسمالية الإمبريالية الأمريكية
كلّ المتابعين للأخبار والمهتمين بالأوضاع في العراق شهدوا كيف تغطرست الإدارة الأمريكية وتكبرت إبان سقوط النظام البعثي ، ودخول القوات الأمريكية إلى بغداد. يومئذ أعلن المحافظون الجدد بأنه لا يحق لأية شركة غير أمريكية لا تقبل بها الأوساط الحاكمة الأمريكية أن تستثمر ، أو تنفذ مشاريع في العراق. وأتى كل ذلك في موازاة مع الاستهتار بالقوانين الدولية ، والدوس على مقررات الأمم المتحدة. ولكن بعد مرور أربعة أشهر على اعلان ما سمي بالنصر العسكري ، استنجدت أمريكا رسميا بالدول الأخرى أن تقدم لها لانجاح غزوها للعراق مساعدات عسكرية. و كانت إدارة بوش قبل ذلك التاريخ تنظر باحتقار شديد إلى القوى الكبرى الأخرى في مجلس الأمن، وتعتبر الأمم المتحدة صفرا على اليمين، وتحسب نفسها القوة العظمى الوحيدة بلا منازع . إن اكتمال احتلال العراق خلال أقل من شهر وبأقل الخسائر البشرية في جنودها ( أقل من 150 قتيلا أمريكيا) أكسب أمريكا القدرة في اعادة تشكيل العلاقات الدولية في القرن الحادي والعشرين. وإن العودة للأمم المتحدة بعد شهور من التحقير و الاهمال لغرض تدويل الاحتلال في العراق ، إنما كانت اعترافا من ادارة بوش بعجزها على التقدم في تحقيق أجندتها سياستها الخارجية الهجومية.
إن تغير السياسة الأمريكية في العراق المحتل تقف وراءه أسباب عسكرية، ومالية و سياسية داخلية في أمريكا. ووفق الحسابات العسكرية فأنّ ابقاء العراق محتلا يستلزم حوالي 400 جندي ، لكن عدد الجنود الأمريكان ، وأكثرهم من المرتزقة، لا يصل عديدهم إلى 135 ألف جندي . وإن قوات الحلفاء عادت أكثرها إلى بلادها رغم أنها قوات رمزية لا يمكن الاعتماد عليها في مواجهة المقاومة العراقية، وأن مهمة هذه القوات الدولية كانت ولا تزال الاحتفاظ على قائمة " الحلفاء" الزائفة التي تشمل أكثر من 30 دولة.
إن الرأي العام المناهض للحرب ، وردود الفعل الغاضبة على الخسائر البشرية المتزايدة للقوات الأمريكية البالغة حتى قبل أيام أكثر من 3200 قتيلا ، و التكاليف المالية الباهضة ، قد أثر تأثيرا بالغا على مجرى السياسة الأمريكية .
وإن حقائب الجنود العائدين باجازات استراحة إلى أمريكا باتت تقلق البنتاغون أكثر من التوابيت الملفوفة بالعلم الأمريكي.

إن تغيير ، أو بالأحرى فشل السياسة الأمريكية في العراق أرجعناه إلى المعضلات العسكرية والمالية و السياسة الداخلية ، لكن العامل الحاسم في هذه القضية يكمن في أن تلك المعضلات إنما هي انعكاس لعامل أساس آخر. هذا العامل هو أن قوة أمريكا العسكرية العظمى لا تستند على قوة اقتصادية متناظرة.
الاستعدادات الأمريكية لشن الحرب ، والمساعي الفاشلة في الأمم المتحدة لمنع وقوعها من قبل فرنسا والمانيا ، وإلى حد ما الصين وروسيا، نبين أن هذه الحرب رغم أن ميدانها هو العراق ، لكنها في الحقيقة واسعة و تتجاوز هدفها المعلن في اسقاط النظام البعثي.
أرادت ْ أمريكا تشكيل حكومة قوية عميلة لها في العراق، وتغيير خارطة الشرق الأوسط بما يتلاءم مع مصالحها و تفوق اسرائيل في المنطقة، لكن الحقيقة كانت أن تحقيق هذه الأهداف لن تكون لصالح القوى الكبرى الأخرى، وخاصة كان على أمريكا أن تثبت لغرائمها أن القوة العظمى بلا منازع ، ولا تُسأل عما تفعل ، بعد أحداث 11 سبتمبر عام 2001، و ما تخطط له في ترتيب النظام العالمي الجديد. ولهذا كان ثمة منظرين كثرا أمريكيين لم يكونوا متحمسين لهذه الخطط في اقامة امبراطورية عالمية أمريكية.
تستند أمريكا في سياستها الإمبرالية على قدرتها العسكرية. إن الولايات المتحدة الأمريكية بلا شك هي القوة العسكرية العظمى في العالم ، وبلا منازع. وإن الميزانية المالية المخصصة لقوتها العسكرية تزيد على الميزانية العسكرية لاثنتي عشر دولة من القوى الكبرى الأخرى مجتمعة. فالعالم لم يعد متوازنا بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، و أمسى المحافظون الجدد يعلنون بكل وقاحة عن أهدافهم الامبرالية والعدوانية. لكن الغطرسة التي تستند على القوة العسكرية فقط ، تصبح قنابل دخان، و ستواجهها تناقضات عديدة، و بالتالي ستجني فشلا سياسيا بعد فشل سياسي. لا يمكن مواجهة القوى الامبريالية الأخرى الغريمة بالقوة العسكرية فقط، إذ يجب أن يكون ثمة تناسب في القوة الاقتصادية أيضا.
الولايات المتحدة ركزت على التفوق التقني بعد انتهاء الحرب الباردة ، للتقليل من استهلاك الطاقات البشرية، واستخدام الأسلحة التقليدية. وبهذا حسب رأي البنتاغون تخف حدة الاحتجاج على الخسائر البشرية في الحروب. لكن السنوات الأربعة بينت أن ذلك يشكل انهاكا اقتصاديا ، و أنه لا بد من خسائر في الأرواح ، ولم تخف حدة مناهضة الحرب ، بل على العكس فهي في تصاعد مستمر ، سواء داخل أمريكا وأمام البيت الأبيض ، أو في بقية العالم.
انهمك البنتاغون في تطوير التقنية العسكرية ، و تم استخدام صواريخ كروز من بعيد ، و القصف الجوي بدون مشاركة مهمة من العسكر . وسمي هذا الأسلوب يالحرب الغثة ، بعكس الحرب الدسمة . الحرب الغثة أتت أكلها في البلقان ، إذ أن القصف الجوي المستمر على بلغراد أجبر الحكومة اليوغسلافية على التسليم ، وكانت خسائر قوات الناتو طوال حرب البلقان صفرا.
لكن هذه الحرب الغثة لم تكن لها فاعلية مؤثرة في العراق بعد سنوات أربعة من الاحتلال. فهنا بدا واضحا التناقض الأساسي في السياسة الامبريالية الأمريكية ، أي تفوق القوة العسكرية بدون أساس إقتصادي. يمكن فتح البلدان ، واحتلالها بواسطة ضربات عسكرية جوية وبحرية وأرضية ماحقة، لكن الاحتفاظ بالبلد المحتل بواسطة الصواريخ بعيدة المدى ، والتكنولوجيا المتطورة غير ممكن. وقد تعلم البشر من دروس التاريخ أن استقرار نظام سياسي ، واقتصادي يلزمه أولا استتباب الأمن والاستقرار الاجتماعي والسياسي ، الذي تعجز صواريخ كروز المثبتة في قواعدها في البحر الأحمر والمحيط الهندي على تأمينه. إن الإمبريالية ليست فتح البلدان والأمصار فحسب، بل هي تحويل البلدان المفتوحة إلى مناطق نفوذ الدولة المنتصرة. ومن الطبيعي أن القوة العسكرية الحديثة الأمريكية لقادرة مئات المرات على الحاق الهزيمة بجيوش بلدان مثل العراق ، وسحقها، لكنها لا تستطيع تحويل العراق المحتل إلى منطقة نفوذ سياسية واقتصادية لها. إن للإمبريالية الأمريكية ، بالطبع، القدرة على تدمير الكرة الأرضية أكثر من مرة، لكنها ليس من الأكيد أن تكون لها القدرة على تأمين الأمن والاستقرار في العراق وأفغانستان ، ناهيك عن الشك في امكانياتها لتتحول إلى امبراطورية عالمية.
لتحويل العراق إلى منطقة نفوذ أمريكية يلزمه أولا وقبل أي شئ آخر، أن يقام نظام سياسي اقتصادي مستقر فيه.
إن اعادة بناء العراق بعد تدمير بنيته التحتية منذ الحرب العراقية الإيرانية ، مرورا بحرب عاصفة الصحراء ، و الحصار الاقتصادي الجائر على الشعب العراقي، وما عقب ذلك من انتشار الأمية بشكل مذهل، و أمراض تفتك لحد اليوم بالعراقيين ، والتعب النفسي واليأس القاتل عند الشباب العراقي، باتت تكلف مبالغ فلكية.
إن الأيدجيولوجيين البرجوازيين ، و التوابين " شيوعيين سابقين" بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وبعد أن اثروا جزاء خدمة الرأسمال والإمبرالية باتوا يروجون للسوق الحرة ، واقتصاد السوق ، والملكية الخصوصية ، وقدراتها السحرية في بناء الديمقراطية والأنظمة السياسية، ما جعل الكثير من عرابي العولمة ، و موظفي المحافظين الجدد يتصورون سهولة اعادة بناء العراق. لهذا قاموا بخصصة الإقتصاد العراقي أساسا للعمل السحري للسوق و نمو الإقتصاد العراقي. وقد كان هذه المبدأ اللبرالي الجديد قاعدة انطلاق البرجوازية على مستوى العالم ، خلال العقود الأخيرة، لكن اعادة بناء العراق وفق هذا المبدأ تتلاءم تنبع من العقيدة اليمينية المتطرفة لمهندسي السياسة الخارجية الأمريكية. وثمة كثير من السياسيين الأمريكيين أبدوا نظرهم بأن وقائع تاريخية مشابهة أثبتت أنه لا يمكن اعادة بناء البنية التحتية للاقتصاد العراقي بالاعتماد على الأيدي الخفية للسوق فحسب. وإن اقرار إدارة بوش باحتياجها إلى معونات مالية من الدول الكبرى الأخرى يدل على أن اعتقاد
المحافظين الجدد بالسوق الحرة لم يكن سوى غطاء للعجز الإقتصادي الذي ينتاب الولايات المتحدة الأمريكية.
كما أسلفت ، إن الإمبريالية الحديثة ليست نهب البلدان الأخرى ، بل أنها تحويل البلدان المفتوحة" المحتلة" إلى ميادين استثمار تلحق بالرأسمالية الوطنية للبلد الإمبريالي الغازي.
نعم ، ثمة شركات رأسمالية أمريكية تعمل وتستثمر في العراق ، لكن الإقتصاد الأمريكي عاجز على الإحتفاظ بالعراق ميدانا للاحتكارات الرأسمالية الأمريكية. لهذا دخلت شركات أوروبية منافسة أخرى إلى العراق تشارك الشركات الأمريكية في الاستثمار في مختلف الميادين ، وخاصة العسكرية.
لقد كان العامل الأساس في هزيمة المحافظين في الانتخابات في العام الماضي ، انعدام التوازن بين القوة العسكرية والاقتصادية للامبيالية الأمريكية ، و الذي خلق كل هذه الصعوبات الستراتيجية لإدارة بوش الجمهورية.
لقد غامرت إدارة بوش بعد 11 سبتمبر 2001 بممارسة سياسة اثبات الهيمنة الأمريكية بالهجوم العسكري الكاسح على الأعداء ، أولا، لكي تفتح الطريق لفتح مناطق نفوذ اقتصادية لرأسماليتها في يقاع كثيرة في العالم. لكن المنظرين الرأسماليين رأوا أن هذه السياسة فيما يتعلق بمصالح أقسام كبيرة من الرأسمالية الأمريكية مضرة ، ومكلفة، ومغامرة. وقد أصبح على ادارة بوش منذ تلمسها الفشل ، وبعد التغيرات التي أجرتها و تجريها في سياستها الإمبريالية أن تطمئن الرأسمالية الأمريكية بأن المحافظين يمكنهم تجنيبها مخاطر سياساتها.

أستنتجُ مما تقدم أنّ التغيرات التي جرت على السياسة الأمريكية في العراق كانت نابعة من التناقضات البنيوية للامبريالية الأمريكية، لا بسبب المنافسة الإمبريالية من القوى الكبرى الأخرى. ولا شك ، أن مواقف الدول الأخرى ، والرأي العام المناهض للحرب لها تأثيرها على مجريات السياسة الأمريكية في العالم، لكن لولا التناقضات الداخلية التي اسلفنا في ذكرها لكان هذا التأثير ضعيفا، ولكان بالإمكان مقاومته بسهولة.

‏26‏‏/‏03‏‏/‏2007‏
للبحث صلة

الجزء 3: هل سيكون تدويل القضية العراقية لصالح الشعب العراقي؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اقتلعها من جذورها.. لحظة تساقط شجرة تلو الأخرى بفناء منزل في


.. مشاهد للتجنيد القسري في أوكرانيا تثير الجدل | #منصات




.. نتنياهو: الإسرائيليون سيقاتلون لوحدهم وبأظافرهم إذا اضطروا ل


.. موسكو تلوّح مجددا بالسلاح النووي وتحذر الغرب من -صراع عالمي-




.. تهديدات إسرائيلية وتحذيرات أميركية.. إلى أين تتجه الأمور في