الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نصبح وتصبحون

حيدر السلامي

2007 / 3 / 27
حقوق الانسان


تعد ظاهرة التجاوز على الأراضي والممتلكات العامة من أعقد المشكلات في العراق اليوم ، بلحاظ تشعبها واختلاط الأوراق فيها وتنازع الأطراف والآراء حولها. وإذا لم تتخذ الحكومة القرار الحاسم والإجراء الحازم في الوقت المناسب فإنها سوف تتعقد أكثر وتزداد حدتها وتتفاقم آثارها السلبية حتى تصل إلى درجة لايمكن معها أية معالجة وستصبح إن اليوم أو غداً واقع حال يرغم بقبوله الجميع حكاماً ومحكومين.
بداية نهار السبت عمت التظاهرات العارمة مدينة كربلاء لتطالب مجلس المحافظة بالعدول عن قراره الأخير الذي يقضي بإزالة دور ومباني المتجاوزين والتي بلغت سبعة عشر حياً بالإضافة إلى بيوت عديدة متفرقة في أنحاء شتى من كربلاء.
تجمعت الحشود الغاضبة أمام مقر المجلس ناشرة لافتات عريضة كتب عليها (الأرض لله ولمن عمرها) وجاهرت الحناجر بسؤاليات هتافية تلهب بالحماسة من قبيل (أين حق المواطن في الوطن؟) و (هل هذا جزاء انتخابنا لكم يا أعضاء المجلس؟) و(أين الوعود التي حفلت بها برامجكم السياسية قبيل الانتخابات) وهناك من الهتافات ما يثير العاطفة الإنسانية مثل سؤالهم (وين نروح ياعالم؟) و(عطاله بطاله وما عدنه بيوت مثل الأوادم) ويبقى السؤال الهتافي الكبير(نريد حلاً).
المشكلة برأيي ورأي الكثيرين تكمن في عدم احترام القانون. وفي التزاحم الحاصل ما بين أحكام الشريعة وبعض من يمثلها من جهة، والقانون الوضعي وبعض من يمثله من جهة أخرى. وهي ـ كما لا يخفى ـ نتائج حتمية للظروف الاستثنائية الراهنة التي أملتها حالة الاحتلال والعمليات الإرهابية وانهيار البنى التحتية للبلد والاختراق الأمني في الداخل والخارج وتآمر بعض القوى والأحزاب وصراعها اللاينتهي على السلطة وتجاذبات وضغوط الأطراف المحركة للعلاقات العراقية الدولية والإقليمية فضلاً عن استشراء ظاهرة الفساد الإداري والمالي في جميع مرافق ودوائر الدولة.
اقترح البعض أن تدقق الحكومة في ملفات التسجيل العقاري فلو ثبت أن للمتجاوز ملكاً من دار أو قطعة أرض باسمه أو باسم زوجته يصار الأمر إلى رفع تجاوزه عن الأرض وإزالة كل ما أنشأه عليها ومن دون تعويض. أما إذا لم يثبت له ملك فإنه يملك الأرض التي تجاوز عليها إن كانت حرة ومواتاً في الحال والمستقبل القريب ، وإلا يملـّك غيرها في مكان آخر.
وهو في نظري حل مقبول ويبدو أن الحكومة المحلية في كربلاء ـ حسب مصدر مقرب ـ قد أخذت به وستباشر في القريب بعمليات الفرز والتدقيق. ولكن السؤال الذي يطرح إزاء ذلك هو: إلى أي مدى ستنجح الحكومة في هذا المسعى وما هي ضمانات النجاح في ظل مشكلة فساد مالي مستفحلة ورشى فاحشة وزمر من الموظفين في دوائر الدولة لا هم لها إلا أن تملأ أكراشها من السحت ؟!
هل يضمن أحد أن لا تباع كتب براءة الذمة في المزادات السرية والعلنية والأسواق السوداء التي تديرها شبكات الفساد من بعد المنتشرة حوالي دوائر التسجيل العقاري في المحافظات؟ ألم يتاجر العديد من (الأشاوس) بشهادات الوفيات الخاصة بشهداء جسر الأئمة حتى بلغ سعر شهادة الوفاة الواحدة نصف مليون دينار عندما قررت الحكومة تكريم عوائل الشهداء وبلغت قوائم أسماء الشهداء عدداً مهولاً واتخذت شكلاً أكثر ترويعاً من الحدث الإرهابي نفسه؟!
وإذا كان الوضع بهذه الصورة القاتمة.. ما الذي تعمله الحكومة لحل هذه الأزمة المتفاقمة؟ يجيب البعض: إن الحكومة ملزمة ـ في أحلك الظروف ـ توفير الأمن والغذاء والسكن لكل مواطن وإذا لم يسعها القيام بمسؤولياتها فعليها أن تعلن عجزها وتقيل نفسها على الفور.
وعليه.. يذهب الكثير من أبناء كربلاء ـ في أحاديث شخصية ـ إلى وصم المجلس الحالي بالفشل زاعما أنه عجز عن حل أبسط المشكلات وأتفهها، ومنهم من وجه الاتهام المباشر لأعضائه بالسرقة والاحتيال والكذب على المواطنين مدعياً بأن أغلب المناقصات على المشاريع الخدمية والإعمار تجرى مع مقاولين من أقارب وأرحام هؤلاء الأعضاء أو أنهم يفرضون على المقاول نسبة تضطره إلى الإخلال في المواصفات كالتلاعب في خلط مواد البناء مثلاً مما ينعكس سلباً على المواطنين والمدينة.
ويرى آخرون وجوب المبادرة إلى حلحلة الأزمة بأية وسيلة كانت وبأسرع وقت ممكن تحجيماً للخسائر وتطويقاً للمشاكل الناجمة عنها. فيما يدعو البعض إلى اتخاذ خطوة كبيرة باتجاه حل سحري للأزمة وإعادة النازحين إلى مدنهم وقراهم التي جاءوا منها وبغض النظر عن معاناتهم وأوضاعهم هناك لإعادة الهيبة لهذه المدينة التي انتهكت من قبل من وصفهم بالمتطفلين عليها وعدم السماح بالتوطن في كربلاء ولا بأس بالسكن فيها ولكن ضمن شروط وضوابط تأخذ بعين الاعتبار قدسية هذه الأرض والمستوى المعاشي والحضاري لأهلها الأصليين.
الواقع المعاش في كربلاء يظهر حالات من التناقض واللامعقولية وبعض الإجراءات الحكومية تنبئ عن تخبط أهل الحل والعقد وتضارب قراراتهم ويحدث تجاوز للصلاحيات في أحيان كثيرة. ومن شواهد ذلك التعارض الذي حصل بين قرار المجلس وإجراء قوات الشرطة حول إزالة (البسطيات) من الشوارع المحيطة بالحرمين وساحتهما. فعندما تظاهر العشرات من أصحاب هذه البسطيات أمام المحافظة خرج إليهم السيد رئيس المجلس ووعدهم بتأجيل تطبيق القرار إلى إشعار آخر أو ريثما تخصص ساحة لهم ولما عاد المتظاهرون إلى محال أرزاقهم على متون الأرصفة وجنبات الشوارع وزوايا الأزقة أطلق قائد الشرطة حملة واسعة لإزالتهم عن بكرة أبيهم وبتنا لا ندري إن كان هنالك تنسيق أو تفاهم بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في مثل هكذا وضع أم لا؟!
نعود إلى موضوع التجاوز على الأراضي والممتلكات العامة.. ماذا سيفعل المجلس لمعالجة هذه المشكلة بالتي هي أحسن؟ وإزاء ذلك نتساءل: ماذا سيفعل بعض السياسيين الذين يراهنون على الفوز بالانتخابات المقبلة اعتماداً على كسب أصوات المتجاوزين خاصة وأن أعدادهم لا تزال في تزايد مستمر؟ ولو تحققت لهم المعجزة وفازوا كيف سيحلون المشكلة؟ هل سيتنصلون من وعودهم المعسولة حال استقرارهم على الكراسي أسوة بما سبق؟! أم أنهم سيفون لهؤلاء بتمليكهم الأراضي وإنشاء المجمعات السكنية الفارهة والمجهزة بكل مستلزمات الحياة الحرة الكريمة؟!
كلها تساؤلات والتساؤل بحد ذاته أمر مشروع لكنه يبقى بلا إجابة ممن هم في موقع المسؤولية.. على أن الأيام القابلة ستكشف عن أكثر من جواب على أكثر من تساؤل.. فلنصبح وتصبحون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبح المجاعة.. نصف مليون شخص يعانون الجوع الكارثي | #غرفة_الأ


.. الجنائية الدولية.. مذكرتا اعتقال بحق مسؤولَين روسيين | #غرفة




.. خطر المجاعة لا يزال قائما في أنحاء قطاع غزة


.. ما الأسباب وراء تصاعد الجدل في مصر بشأن اللاجئين السودانيين؟




.. طواقم الدفاع المدني بمدينة رفح تنتشل 7 شهداء من محيط مخازن و