الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الليبرالية الجديدة والإصلاح السياسي - الجزء الأول

ابراهيم حجازين

2007 / 3 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


صمت "الاصلاحيون " العرب لسنوات طوال قبل أن يستنفر الضغط الأمريكي همتهم الإصلاحية ، سكتوا متواطئين عندما كان يعاقب الآخرين لرفعهم الشعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان … التي يرفعونها هم الآن لكن لخدمة أهداف مختلفة .
الليبرالية الكلاسيكية هي نتاج تطور تاريخي وظهرت كأيديولوجية تعبر عن البرجوازية الأوروبية الصاعدة في صراعها ضد الإقطاع السائد في العصور الوسطى ، وسعت حينها إلى إلغاء الحواجز والعراقيل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية التي كان يضعها النظام الإقطاعي أمام نموها وتطورها وعملت على تحرير عقل الإنسان الأوروبي وربطت بين الإنتاج والعلم .وقضت على الإقطاع وحلت محله وأعادت بناء المجتمع على صورتها وذلك عبر قرون طويلة إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه من حيث بناءها الدول ديمقراطية التي تحكمها المؤسسات المنتخبة بقضاء مستقل وتترسخ فيها حقوق الإنسان والمواطن.
اما المدعوين "لبراليين" في بلادنا فمعظمهم من الناحية الاقتصادية وكلاء لشركات أجنبية ، ولم ينخرطوا في القطاعات الإنتاجية ، وإسهاماتهم في البناء الاقتصادي المنتج متواضعة ، ونظرتهم للبناء والتطور السياسي محدودة ومرتبطة بمكانتهم الاقتصادية وليسوا قادرين على بحكم موقعم الاجتماعي على إيجاد وطن واحد تنصهر فيه فئات والتجمعات السكانية في بنية وطنية واحدة فهل هم يا ترى قادرون لا بل هل هم معنييون بعد ذلك بالإصلاح السياسي ؟
الإصلاح السياسي يعني مأسسة المجتمع ودمقرطة الحياة السياسية واحترام حقوق الإنسان وتحويل الناس من رعايا مهمشين إلى افراد أحرار ومواطنين منخرطين في مجتمع واحد ، تحترم حقوقهم وعقولهم ويشاركون في صياغة مستقبلهم واختيار حكوماتهم ، كما يعني أيضا استقلالية والفصل الفعلي بين السلطات ، وعدم تغول الواحدة على الأخرى واستقلال القضاء استقلالا تاما .ويعني أيضا التداول السلمي للسلطة .
فهل عكس الليبراليون الأردنيون هذا المفهوم لليبرالية عبر مشاركتهم في الحكومات المتعاقبة منذ أواسط التسعينيات وحتى الآن ؟ أم أنهم كرسوا السياسات القمعية نفسها التي دابت عليها الحكومات في السابق على اتباعها والتي من شانها تمرير وفرض برامجهم الاقتصادية الإصلاحية كالخصصة وبيع مقدرات الوطن وفرض الضرائب غير المباشرة من وراء ظهر المواطنين ؟ ذلك أن المواطن في الظروف الديمقراطية سيرفض حتما هذه البرامج التي تعمل على تدهور أحواله المعيشية كما يحدث الآن تماما ؟
بعد عام 1989تم اتخاذ مجموعة من الإجراءات التشريعية التي كان من شانها لو تعمقت لسار الأردن على طريق تحوله إلى دولة حديثة وديمقراطية ولأسس لبناء فضاء واسع من العلاقات الوحدوية العربية، لكن ودون التقليل من أهمية الخطوات التي اتخذت في أعقاب انتفاضة نسيان من انتخابات برلمانية وقيام مجلس النواب المنتخب بإلغاء العديد من القوانين المعيقة للحريات وإقرار قانونين للأحزاب والصحافة ، لكن هذه الإجراءات لم تكن كافية لتعميق التجربة الديمقراطية والسير بها إلى الأمام ومع ذلك تم الانقلاب على ذلك النزر اليسيرالذي تحقق بتشكيل حكومة جديدة أعلنت لفظا عن التزامها بالمؤسسات واللامركزية لكنها أجهزت على الأمل بتطوير التجربة الديمقراطية . فقامت بحل مجلس النواب وإصدار قانون مؤقت للانتخابات على أساس صوت واحد للمواطن يعطيه لمرشح واحد في دائرة انتخابية متعددة المقاعد وأشرفت هي نفسها على انتخابات مجلس نواب جديد مطواع وتحت هيمنة الحكومة ذاتها ، أي بدل أن تنشأ حكومة جديدة من رحم مجلس النواب كما تجري الأمور في الدول البرلمانية الديمقراطية ، نجد أن الحكومة ذاتها قد أقدمت على حل المجلس ووضعت هي قانون انتخابات جديد وأشرفت هي ذاتها على الانتخابات واستمرت هي نفسها بعد الانتخابات .
اتخذت هذه الحكومة قرارات مصيرية بالنسبة لمستقبل الأردن مثل فرض ضريبة المبيعات حيث ادعت حينها أنها ضريبة احلالية بدل ضريبة الاستهلاك ،كما وقعت الحكومة إياها على معاهدة وادي عربة وأرفقت ذلك بحملة إعلامية عن الرخاء القادم بعد التوقيع الاتفاقية ولا يزال يرفل بمصائبه الأردنيون حتى الآن . ووافق مجلس النواب على ذلك دون معارضة تذكر . ولم نسمع حينها أي انتقاد من جانب الليبراليين لهذه الممارسات غير الديمقراطية . بل أقدمت هذه الحكومة على اتخاذ إجراءات إصلاح ليبرالية فتحت بها الطريق للمزيد منها لاحقا .
ثم بعد ذلك جاءت حكومة أعلنت نهجها الإصلاحي ، فقامت بقمع المحتجين على سياساتها في المعرض الدولي ومنهم شخصيات كانت ذات يوم في مواقع المسؤولية ، ورفعت الدعم عن الخبز وغيره من المواد الغذائية تطبيقا لوصفات صندوق النقد والبطش الدولي ، وقمعت الرافضين لهذه الإجراءات بوسائل العقاب الجماعي في الجنوب وشكل ذلك سابقة لتعامل الحكومات مع المواطنين في مدن المملكة وخاصة في معان مرات عدة كان أخرها حكومة شارك فيها الليبراليون أنفسهم بعدد لا بأس به . ولم نسمع باعتراضاتهم على هذه السياسات التي هم واضعوها بالتأكيد، ولم يطرحوا وضع قانون انتخابات ديمقراطي يساعد في إعادة الهيبة الدستورية للسلطة التنفيذية بما فيه وقف تغولها على السلطة التشريعية واستعادة المؤسسات الدستورية لهيبتها. هذا المطلب الذي يفترض أن يكون على رأس المطالب الليبرالية لكنهم لم يفعلوا .ولعل مرجع ذلك أنهم كانوا يعتقدون أن بقاء القانون نفسه هو الأمثل لوصولهم إلى تنفيذ برامجهم وسياساتهم . والملاحظ أن نسبة الفقر والبطالة قد ازدات ولا تزال بينما تتراكم الثروات بين أيدي أقلية تتحكم بمقدرات الأردنيين واحوالهم المعيشية كلما اتخذ المزيد من الخطوات الليبرالية الاصلاحية .
إن تجربة الأردنيون مع تلك الحكومات وتقيدها لطموح المواطن في حياة حرة كريمة لجديرة بأن تؤرخ ، فقد تشكلت في العهد الجديد حكومة توهم البعض أنها ستقوم باجراءات لتعميق المسيرة الديمقراطية والإصلاح خاصة وأنها قد خرجت عن المألوف في تشكيل الحكومات وتشكلت أساسا من شخصيات لم تأتي من البيروقراطية الحكومية بل من ممثلين عن القطاع الخاص الذي تتغنى الليبرالية الأردنية بتوجهاته الديمقراطية ومن ليبراليين مشهودا لهم بذلك وطعّمت بشخصيات لها ماض وطني . فأقدمت هذه الحكومة على أمر لم يقدم عليه أحد من قبل ، حلت هذه الحكومة مجلس النواب المطواع والمنتخب بطريقة الصوت الواحد ، وأصدرت أكثر من مائتين وسبعين قانونا بغيابه في مخالفة صريحة للدستور لتخدم مصالحها ومصالح من تمثلهم ومن ضمن هذه القوانيين ما يخدم بشكل مباشر المصالح الشخصية للمشاركين في الحكومة .
أدخلت البلاد نتيجة لذلك في أزمة ودوامة تشريعية لم تخرج من أثارها المدمرة حتى الآن. ولعل أبلغ من عبر عن سوء هذا النهج ما قاله أحد ممثلي الليبرالية الجدد في مقاله محذرا النخبة من نظرة السواد الأعظم من الناس التي " ترى فيها أقلية تعيش من وراء العمولات وتؤمن بالليبرالية الاقتصادية خدمة لمصالحها ، "ويطالبها "أن لا تشعر غالبية المواطنين أن الإصلاحات المنشودة لن تجير لخدمة مصالح النخبة الاقتصادية وأصحاب رؤوس الأموال والتي تستمد قوتها وتأثيرها من علاقاتها الواسعة مع أدوات الحكم السياسية" ، يكشف هذا الموقف لنا أنه حتى ممثلي الليبرالية الجديدة يشخصون السلوك الاقتصادي لهذه الفئات الاجتماعية خير تشخيص ويحذرون من رعونة سلوكها وجشعها ، فهل الليبرالية الجديدة التي يبشروننا بها تقع خارج هذا التوصيف ، الم يكن الفريق الاقتصادي شريك في الحكومات التي مارست هذا النهج ؟
يلاحظ المراقب التراجع الذي طرأ على الحياة السياسية وادخل الأردن في ظروف المستجدات الدولية في حالة من انعدام الوزن خاصة بعد أن أعلنت الولايات المتحدة تبريرا لتدخلها وحربها العدوانية على العراق عن رغبتها في فرض الإصلاح والديمقراطية في البلاد العربية . مما شجع ودفع الليبراليون الجدد في بلادنا أن يطرحوا موقفهم السياسي بشكل مكشوف وعلني من الديمقراطية لأول مرة ، في سياق سياسات دولية مكروهة ومرفوضة من قبل الأردنيين .
رغم قناعتنا بضرورة الديمقراطية والإصلاح في الأردن والبلاد العربية لا كاستحقاق خارجي ولا كضريبة نرضي بها هذه الدولة الأجنبية أو تلك ، بل كضرورة تنبثق عن حاجة داخلية للارتقاء بالبلاد وبناء مجتمعها في إطار مظلة عربية وديمقراطية للدفاع عن الوطن ومستقبل شعبنا ومعيشته، في ظل الأوضاع العالمية شديدة التعقيد والوحشية ومحاولة الدوائر الاستعمارية أن تفرض صيغة مرسومة لمستقبل العرب وقضاياهم .
في هذه المرحلة يصبح من الضروري ان تتوحد كافة القوى في سبيل التغيير الديمقراطي وعلى قاعدة المصالح الحقيقية للشعب الأردني وقضاياه المصيرية وليس بمصالح فئوية لمجموعات اعتادت كما دلت التجربة أن تضع مصالحها الأنانية فوق مصالح الوطن وترهن نفسها لمراكز خارجية . من هنا من الواجب مناقشة الأفكار والطروحات التي يقدمها الليبراليون الجدد كغطاء لسلوكها السياسي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يكون قانون -الحريديم- في إسرائيل سببا في إنهاء الحرب؟ | ا


.. فيليب عرقتنجي ولينا أبيض: رحلة في ذكريات الحرب وأحلام الطفول




.. مصر: مشروع قانون الأحوال الشخصية.. الكلمة الأخيرة للمؤسسات ا


.. هآرتس: استعداد إسرائيل لحرب مع حزب الله بالون أكاذيب




.. إسرائيل تؤكد على خيار المواجهة مع حزب الله وواشنطن ترى أن ال