الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الآخر الذي نحيا به ويحيا بنا

سعيد أراق

2007 / 3 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


أسباب تاريخية وحضارية عديدة جعلت الأمة العربية تحدد آخرها الحضاري في الغرب.محطات وأحداث تاريخية حاسمة جعلت علاقتنا مع الآخر/الغرب, خاضعة لنوع من التدبير الصدامي الذي قاد لاحقا إلى تعميق العلاقة العدائية الثاوية أو المعلنة, التي تغذي الأفعال وردود الأفعال في كلا الاتجاهين. والواقع أن محصلة هذا التدبير الصدامي لعلاقة الشرق والغرب, تبدو واضحة ومكشوفة ولا تحتاج إلى الإغراق في التحليلات. نحن نوجد اليوم على مشارف انبعاث صدامي شديد ومعولم بيننا وبين آخرنا الذي أفرزنا وأفرزناه: الغرب. ومن المعلوم أن هذا المنطق الصدامي يتمظهر من خلال ثلاثة مستويات:

- مستوى ثقافي: يتعلق بصدام القيم الثقافية والمقومات الرمزية المؤسسة للمخزون القيمي العام.

- مستوى ديني يتعلق بصدام المرجعيات الدينية والمنظومات العقائدية.

- مستوى عسكري يتعلق بصدام القوة في بعدها التكنولوجي والمادي المتحقق ميدانيا في المواجهة الحربية الكاسحة والشمولية.

ولا شك أن تشخيص علاقة الشرق والغرب على هذا النحو, يقود إلى تسجيل استنتاج أولي حاسم: إن علاقة الشرق والغرب علاقة إشكالية, وهو توجد اليوم –أكثر من أي وقت مضى- في مأزق حقيقي, لأنها منذورة - في ضوء المؤشرات الحالية- إلى الاشتراط المتزايد بمرجعية التشدد الأصولي المتبادل. نحن نعيش أزمة على مستوى علاقتنا مع الآخر, وهذا الآخر يعيش بدوره أزمة في علاقته بنا. وما يقع اليوم في العراق, لا يمكن أن يحقق شروط مقروئيته إلا إذا تجاوزنا الرؤية العسكرية المحضة, وتوجهنا في المقابل إلى النبش في الآليات المغذية لمرجعية الصدام غي بعده الحضاري: فالعراق يمثل من الناحية التاريخية والرمزية, أرض الحضارات. وبغداد –في الوعي الجمعي العربي والغربي على حد سواء- تمثل الحاضرة التاريخية للحضارة العربية التي علرفت أوج شموخها في عصر بني العباس, الذين اتخذوها عاصمة للخلافة الإسلامية. أما الولايات المتحدة فهي بدورها تمثل –رمزيا وتحقيقيا- الشكل الحضاري الغربي الأكمل مرحليا وتاريخيا. ومن هذه الزاوية, يبدو الصدام قائما بين مرجعيتين حضاريتين مشبعتين تاريخيا برموز حضارية قوية: حضارة ذات مرجعية عربية معتزة بحاضرها وواثقة من مشتقبلها ومعتدة بقوتها, وحضارة ذات مرجعية عربية إسلامية معتدة بماضيها. وما أطروحة نهاية التلاريخ التي ابتدعها "فرانسيس فوكوياما" إلا صياغة محصلاتية لهذه الحقيقة الصدامية التي نحيا على إيقاعها ونحدد مواقفنا وتموقفاتنا في ضوء انكشافاتها الرهيبة والمأساوية. لكن الحديث عن الغرب بالنسبة للعرب اليوم, يأخذ مقاسات مفهومية وحضارية وعسكرية مختزلة في غرب كاسح ومخيف وساحق هو الولايات المتحدة الأمريكية. وينبغي الاعتراف بأن التدبير الثقافي والإعلامي العربي لعلاقتنا مع هذا الغرب- المنبعث عسكريا في واقعنا الجغرافي ومشهدنا الإعلامي اليومي- يخضع لنوعين من المزايدات اللفظية والسجالية والبلاغية:

- مزايدات ترى في الغرب التجسيد الأوفى للشر وللقيم الصليبية المتحالفة مع القيم الصهيونية

- مزايدات ترى فيه التجسيد الإنساني الأكمل للحرية والديمقراطية والخاء الاقتصادي.

ومن اللائق التأكيد على أن هذه المزايدات تتحول في مشهدنا الثقافي والإعلامي والحزبي اليومي إلى صراعات وسجالات تختزل لفظيًا في الصراع بين المحافظين والمجددين, أو الصراع بين الإسلاميين/الأصوليين والحداثيين/العلمانيين. وبهذا تتحول علاقتنا بالآخر (الغرب), إلى سياق متشنج ومحتدم يقود إلى ابتداع "أخر" جديد, هو الآخر الإسلامي/الأصولي أو الآخر الحداثي/العلماني. فالمواطن العربي الذي يتخذ لنفسه مرجعية إسلامية, يجدد مواقعه الدينية والحضارية في ضوء علاقته بالآخر الخارجي (الغرب) والآخر الداخلي (العربي الحداثي/العلماني). والمثقف العربي الحداثي يتموقع بجوره إيديولوجيا وثقافيا إزاء الآخر الخارجي (الغرب) وإزاء الآخر الداخلي (المثقف الإسلامي), وبذلك يصبح مقياس الآخرية هو المتحكم في إنتاج المواقف واستيلاد التموقفات في المشهد العربي الراهن.

وعلى هذا الأساس, يمكن أن نصنف تجليات الآخرية كما هي مطروحة في واقعنا العربي الراهن, إلى ثلاث مستويات:

- الآخر التاريخي والحضاري والديني الخارجي: الغرب.

- الآخر العربي الحداثي الداخلي, المتنمذج ثقاقيًا وإيديولوجيًا وحتى لغويًا, وفق مقاسات النموذج الحضاري الآخَري الغربي.

- الآخر العربي الإسلامي الداخلي, المتنمذج دينيًا وحضاريًا وتاريخيًا وفق مقاسات النموذج الحضاري الإسلامي في بعده اللازمني والمطلق.

وإذا كان الآخر هو امتدادنا الإنساني ومغايرنا الحضاري, فإن التعرف عليه هو السبيل للتعرف على أنفسنا, لأن (من رآك من حيث هو,فإنما رأى نفسه) كما قال محيي الدين بن عربي. الآخر ليس شرًّا مطلقا وليس خيرًا مطلقًا, لأن شرط الظاهرة الإنسانية هو أن تظل أنطولوجيًا وفلسفيًا ودينيًا في حدود النسبي والمتحول والمتغير. ولا شك أن السبيل إلى حسم وتدبير علاقتنا المتكافئة مع الآخر, يمر عبر بناء آخريتنا الذاتية أو هويتنا الحضارية من منطلق اكتساب الكفاءة الحضارية اللازمة لخوض غمار العلاقة مع أنفسنا والعلاقة مع الآخر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا والتلويح بالسلاح النووي التكتيكي


.. الاتحاد الأوروبي: أعضاء الجنائية الدولية ملزمون بتنفيذ قرارا




.. إيران تودّع رئيسي ومرافقيه وسط خطى متسارعة لملء الفراغ السيا


.. خريجة من جامعة هارفارد تواجه نانسي بيلوسي بحفل في سان فرانسي




.. لماذا حمّل مسؤولون إيرانيون مسؤولية حادث المروحية للولايات ا