الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسرح ..خفة التلبس ..وابتهاج الضوء بالظل

فاطمة الشيدي

2007 / 3 / 30
الادب والفن


بمناسبة يوم المسرح العالمي
المسرح هو شرفة مفتوحة على الحياة وعلى الكائن ، قبضة نحاسية الأظافر تعتمد اجتراح الداخل ولملمة تساقطاته ، وتقديمه نموذجا للخارج ضمن فكرة البوح المتعالي .. والحنين الطافي ، والعشق المزين بخذلانات الحلم المرصوفة الجوانب بما لايأتي ، والنهايات اللامرضية بثقلها وخفتها .. بقبحها وحسنها ، بسعادتها وحزنها ..
المسرح روح الكائن المنفلت من ربقة التصنع المتمثلة في ربطة عنق أنيقة، أو فكرة ترقد بسلام ، حالة التطهر من برود الآلات ، وكثافة الزيف في تقديم الأشياء والحياة .. صورة حية لشريحة كونية منقولة بلا عناية وبلا إضافات ورتوش إلى خشبة تتسع للفوضى والنظام ،للحزن والمرح، للقديم والجديد..
المسرح صلوات العناق .. إذ تكتب مسرحا أو تقدمه أو حتى تشاهده فأنت تصلي في قداس الخشبة العظيمة ، صلاة طويلة خاشعة وممتدة ومشتعلة بالرؤى والحنين .. أنت تعانق الموجودات بكلها ، تعانق الكون ثوابته ومتحركاته ، جماداته وأحياءه ، جماله وقبحه ، ليله ونهاره ، جفافه وليونته ، دموعه وقهقهاته.. تعانق الخشبة التي تمثل زاوية للصلاة ، ومحرابا للخشوع والتيمن والتبرك بصدى النور الأعلى ، وبلذة الداخل ، وفوضى الرغبات المنثالة بوهجها الطروب وأمنياتها المتساقطة كالمطر أو كالدموع ..
تعانق الكائنات التي تؤدي النص برؤى المخيلة قبل تداعي الجسد ، وتعانق الحضور الذي يؤدي دورا أكثر حميمة وتلاحما من المؤدين ، تعانق عناصر الضوء المتشحة بالتلوّن المغاير ، والتشظى المربك والمرتبك ، والخيال المفترس للروح، والجسد بعذوبة تسيل معها الكينونة ابتهاجا وصلاة وتصفيقا..
المسرح ظلال المخيلة التي ترعى حولها مباهج الروح بوفرة وغناء ، إذ تكتب مسرحا فأنت تربي حالة الخصوبة في أصابعك وضوء عينيك ، وإذ تؤدي مسرحا فأنت تختصر الأجساد بجسدك والأحلام بروحك ، والأغنيات بصوتك والكون بك، وإذ تشاهد مسرحا فأنت تتعدد منك إليك ، تتساقط كالكواكب والنيازك والنجوم ، وتنهمر كالمطر والسحاب والوله والعشق ، وتتصاعد كالسماوات وتهبط كالحنين بمظلات الفرح الخالدة إليك مرة أخرى وبشكل آخر ..
المسرح هو نشوة الداخل الخاصة ، وحمى التجسد المبهرة ، وفوضى التعدد المتعالية كلحن عتيق يتجدد كلما استُمع إليه ، ويتغير من كائن لكائن ومن زمن لزمن ..
المسرح هو تلك الخيمة التي لاتظلل من مطر البهجة ، ولاتحمي من التمثل لقرابين الرؤيا .. هو حالة من خفة التلبس ، وانشداه التكوير نحو أفق الفضح والعلانية الموغلة في إبراز فوضى الخاص للعام والداخل للخارج ..
هو حالة من تقوس الجرح على مداه لرشق صديده في وجوه الحضور رغبة في الكشف وأملا في التشافي ، هو مباغتة الدهشة لحالات الإظلام والتستر ، هو ابتهاج الظل بالظل خارج سديم العتمة ، وافتراس الضوء لعذراء الحلكة وبث مسامير التلعثم في خفاياها لتدرك حرفة الصدق ، وانبعاث السلام والخيط والأبيض ..
وكلما تمادى الكائن في اللهاث تجريبا وتجريحا ، وكلما أوغل في الضوء خارج تميمة التقليد ، كان النفاد والنفاذ في بؤرة التغاير والجمال كسهم لايدرك متى يستقر وأين ؟
كلما تغيرت لغة الصوت والصورة ، وكلما تداعت الكائنات في فوضى التجاذب والتباعد ، وكلما أوغل الاختلاف في الرؤى في التخلق والتشيؤ والتجسد مسرحا جديدا ، كان الجمال المسرحي أبهى ، والقدرة على لملمة الكائن المتشرذم بين يديه أحلى وأحلى ..
وكلما تماهت اللغات والأصوات والكائنات في المسرح ، وكلما كان نكأ الجرح أشد إيلاما ، وأكثر إيغالا كانت التوغل والاشتداد باتجاه المسرح الحقيقي أشد وأجلى ..
وكلما كان عمق الكائن " كاتبا" و"مخرجا" و"ممثلا" و"مشاهدا" يشتد ويرتفع باتجاه الحرقة والصمت وفيوض الرؤى المتناسلة كالخراب والفوضى والدم .. كان المسرح المسرح ..حالة الخروج على مجريات الكينونة لخلقها بشكل أكثر فصاحة ورؤى ، وعلى مجريات الكائن لصقله بشكل أكثر حداثة ومغايرة ، وعلى سيرورة الحياة لجعلها أكثر بياضا ورفعة وإنسانية.. ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب