الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحكومة التي ننتظر

عبد الإله بوحمالة

2007 / 3 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


المواطن العادي، الذي تسميه الأدبيات السياسية رجل الشارع، لا يهمه كثيرا لون الحزب أو الأحزاب السياسية التي ستظفر بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات المقبلة حيث يكون من حقها، مبدئيا، تشكيل الحكومة. وعدم اهتمامه هذا نابع من أن التجارب السياسية في المغرب رسخت في ذهنه أن مسألة الألوان والإيديولوجيات والشعارات مسألة ثانوية إن لم نقل شكلية وهامشية. فالحكم، أو بالأحرى تسيير دواليب الحكومة، لا يعني بالضرورة تطبيق برنامج سياسي تسطره هذه الأخيرة بعد تشكلها وتعيينها من بنات أفكارها وقناعاتها السياسية والإيديولوجية لأسباب مختلفة:
ـ أولا: لأن إشكالية الأغلبية المكونة من تحالف تجميعي لعدة أحزاب متناقضة الرؤى تحول دون أي فرصة لصياغة برنامج على أساس مرجعي واحد متناسق ومنسجم وقابل للتنفيذ، إذ لابد من التوفيق والتوافق والإضافة والحذف وجبر الخواطر، ومعلوم أن البرامج التي تؤسس على كثير من المراجعات والتنازلات والأخذ والرد تفقد كل هوية لها إلا هوية الافتعال والتوليف والهجنة.
ـ ثانيا: وعلى فرض حصول حزب ما، أو تيار ما، على أغلبية مريحة فمشاريع البرامج السياسية عادة ما تكون متحمسة وهوجاء ومجنحة يسهل على أصحابها تنزيلها على الواقع من الأعلى أكثر من أن يتجشموا عناء صياغتها بناء على قراءة الواقع وفهمه وتحليله خاصة في بلدان العالم الثالث التي تقتبس النظريات والأطروحات كما هو الحال في المغرب.
ـ ثم ثالثا: وهذا هو الأهم، لأن طبيعة الممارسة السياسية استقرت على أن تجد الحكومات المتعاقبة أمامها نواة صلبة لبرنامج حكم جاهز ومسطر من قبل الدولة وفق أهداف مرحلية وأخرى استراتيجية بحيث لا يبقى عليها إلا أن تجتهد لتكيفه، إن استطاعت، مع خطابها ومقولاتها السياسية أو أن تتكيف هي نفسها معه بكل بساطة بلا مراجعة أو شروط.
وهكذا وإذا كان هذا هو الحال فإن المواطن العادي غير المؤدلج حينما سيدلي بصوته في سبتمبر المقبل فإنه في الحقيقة سيصوت على من يتوقع منه القدرة الحقيقية على المناورة من داخل تلك النواة الصلبة ليجعلها أكثر مرونة وقابلية للتوفيق العادل بين خريطة طريق الدولة وأولوياتها والتزاماتها وبين حاجيات أفراد الشعب على مختلف فئاتهم طبقاتهم، أي أنه سيزكي من تسعفهم كفاءتهم وحنكتهم السياسية في إضافة حاشية على النص الأصلي بالمطالب والانتظارات الاجتماعية للناس البسطاء من سكن وشغل وتطبيب وتعليم..
إن رجل الشارع، إذن، لا يهمه بالدرجة الأولى أن تناط مقاليد الحكومة لليمين أو اليسار أو الوسط ليمينية الأول أو يسارية الثاني أو وسطية الثالث، كما لا يهمه إن كانت خلفية الحكومة التي ستنتخب مستقبلا إسلامية أم غير إسلامية مجلببة أم بدون ملتحية أم لا، ما دامت هذه التصنيفات اللونية تسقط عند عتبة الحكومة بسبب إكراه التحالف أو بسبب المضمون النظري الذي تغرق فيه البرامج المفصلة على قياس الإيديولوجيا والمرجعية الحزبية الجامدة. إنه يصوت لمن يصلح الإدارة وينعش الاقتصاد ويحارب الفساد ويعاقب المفسدين.. من يبني ويجهز بالمال العام لا من يسرقه وينهبه ويحوله مشاريع وأرصدة عائلية في الخارج.. من يخفف عن كاهله من ثقل الغلاء الفاحش والضرائب والقروض المتراكمة لا من يجلس في المكاتب المكيفة ويسقط القوانين القراقوشية المجحفة بالمظلات.
فماذا يفيد رجل الشارع، وهو الأغلبية الساحقة والمسحوقة في المجتمع، من ليبرالية الليبراليين إذا لم تكن تبني للوطن اقتصادا ومشاريعا وصناعات ورواجا تجاريا نشيطا ينعكس مفعوله على لقمة العيش اليومية له ولأبنائه..
وماذا يفيده من اشتراكية الاشتراكيين إذا لم تكن تمد الجسور بين الطبقات وتسد الفجوة بينها وتحفظ مصالح الفئات الأقل حظا وتستثمر ثروات البلد لصالح أبناء البلد..
ماذا تفيده إسلامية الإسلاميين ما لم تتبلور خلفياتهم الروحانية إلى مشاريع أرضية أساسها الأرقام والإحصائيات والدراسات والتخطيطات لا الآيات المنزلة وأحاديث الوعظ والإرشاد والحلال والحرام..
إن الحكومة التي ننتظر هي حكومة الإصلاح الجذري والقطيعة مع الارتجال والترقيع والفساد قولا وفعلا؛ وهي أيضا الحكومة القادرة على فتح أوراش الاقتصاد الضخمة والمتوسطة والصغيرة في الآن ذاته.. الحكومة التي تعمل على استثباب الأمن ونشر العدل وتطبيق القانون وحقوق الإنسان وطرد شبح الخوف والقهر والظلم والاحساس العام بالغبن.. الحكومة التي يؤمن جميع أفرادها بحرية الرأي والتعبير والاعتقاد وبالثقافة والإبداع والبحث العلمي كمنطلق للتنمية والتطوير ويجسدون هذا الإيمان على أرض الواقع.
بتعبير مجازي، نحن ننتظر حكومة المشرط والجراحة والاستئصال والعلاج النهائي للمعضلات لا حكومة المسكنات ومستحضرات الماكياج والعمليات التجميلية المؤقتة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسؤول إسرائيلي: حماس -تعرقل- التوصل لاتفاق تهدئة في غزة


.. كيف يمكن تفسير إمكانية تخلي الدوحة عن قيادات حركة حماس في ال




.. حماس: الاحتلال يعرقل التوصل إلى اتفاق بإصراره على استمرار ال


.. النيجر تقترب عسكريا من روسيا وتطلب من القوات الأمريكية مغادر




.. الجزيرة ترصد آثار الدمار الذي خلفه قصف الاحتلال لمسجد نوح في