الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مكر التاريخ أشد مِن مكر رايس

علي جرادات

2007 / 3 / 29
القضية الفلسطينية


على مدار عقدٍ، أي منذ مؤتمر مدريد 1991، وحتى مبادرة السلام العربية 2002، وقعت السياسة العربية الرسمية في فخِّ: "أن يخلع كل طرف عربي شوكه بيديه"، أي أن يتفاوض مع إسرائيل منفردا، وبصورة مباشرة تحت الرعاية الأمريكية، وذلك بعد انفضاض "سامر" مؤتمر مدريد الاحتفالي، ومِن خلال مشاركة شاهديْ الزور روسيا والامم المتحدة. وكان واضحاً أنه، وإن كانت كافة الأطراف العربية متضررة مِن تلك الصيغة الأمريكية للتفاوض، إلا أن الطرف الفلسطيني كان المتضرر الأكبر، وذلك لسببين أساسيين، فقد أعفت تلك الصيغة بقية الأطراف العربية عمليا مِن واجبها القومي تجاه القضية الفلسطينية كجوهر للصراع، وأعطت الإسرائيليين فرصة الإنفراد بالفلسطينيين خارج نطاق الشرعية الدولية، وإجبارهم على التفاوض على قرارات هذه الشرعية بدلا مِن إلزام إسرائيل بتنفيذها.
وبعد عقدٍ مِن التفاوض العبثي الذي لم يتمخض عن تقدم يذكر، اللهم عن معاهدة "سلام" أردنية مع إسرائيل، وما قيل عن وديعة لرابين حول الجولان، وتطبيق غير كامل ومرير للشق الانتقالي مِن اتفاق إعلان المباديء (أوسلو) بين منظمة التحرير وحكومة إسرائيل بقيادة حزب العمل؛ نقول بعد عقدٍ مِن التفاوض المضني وقلة الإنجاز، وبعد انسداد الأفق عملياً، وخاصة بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد 2000، وما أعقبها مِن انفجار ميداني (انتفاضة الأقصى)، أفاقت الأطراف العربية في قمة بيروت 2002، وقدمت مبادرتها للسلام، التي، وإن لم تُعد النظر في صيغة التفاوض المباشر المنفرد تحت الرعاية الأمريكية، إلا أنها اشترطت السلام والتطبيع الشامل مِن الدول العربية (خلا مصر والأردن) مع إسرائيل بإنهاء الاحتلال الذي وقع للأراضي العربية عام 1967، وقيام دولة فلسطينية مستقلة وإيجاد "حلٍ عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين الفلسطينيين وفقا للقرار الدولي 194".
عليه، فإن "المبادرة العربية"، وإن لم تعد الربط الكامل بين القضية الفلسطينية وبعدها القومي، لأنها لم تراجع صيغة "ليخلع كل طرف عربي شوكه بيديه"، إلا أنها أعادت هذا الربط جزئيا، حين حدَّت مِن التطبيع العربي الشامل مع إسرائيل التي سعت بمساعدة أمريكية لتحقيق هذا الإختراق الإستراتيجي لقاء القبول بتفاوض لم تقدّم خلاله، وعلى مدار عقدٍ أية تنازلات تذكر.
اليوم، وبعد مرور خمس سنوات على إطلاق "المبادرة العربية"، وبعد خمس سنوات مِن التجاهل الأمريكي لهذه المبادرة، وإطلاق اليد الإسرائيلية لتطبيق رؤيتها وفرضها مِن طرف واحد، تذكرت واشنطن ضرورة الاهتمام بالمبادرة العربية للسلام. واللافت أن هذا الإهتمام، ورغم أنه جاء على خلفية مصاعب السياسة الأمريكية في المنطقة والفشل العسكري للعدوان الإسرائيلي على لبنان؛ وبرغم أنه (الاهتمام الأمريكي بالمبادرة العربية) يأتي في إطار حاجة واشنطن للموقف العربي للتخلص مِن ورطاتها، وخاصة في العراق، ورغم صلته بمحاولة كسب الموقف العربي، لصالح مغامرات عسكرية أمريكية أخرى محتملة في المنطقة؛ نقول برغم هذه الخلفيات لتجديد الاهتمام الأمريكي بالمبادرة العربية، إلا أن واشنطن تحاول عبر هذا الاهتمام، أن تساعد الإسرائيليين مرة أخرى على فك الارتباط بين القضية الفلسطينية وبعدها القومي، بعد أن نجحت فيه في مؤتمر مدريد عام 1991، أي تحاول أن تقفز عن ما أعادته قمة بيروت 2002 ومبادرتها مِن ربط جزئي بين القضية الفلسطينية وبعدها القومي.
إذ صحيح أن وزيرة الخارجية الأمريكية رايس قالت (ونحن لا نصدقها) أن واشنطن لم تطلب إجراء تعديلات على المبادرة العربية، إلا أنها (رايس) وصفت هذه المبادرة ب"رؤية" عربية، وأضافت أن للآخرين (تقصد إسرائيل طبعاً) مواقفهم منها، ونظن أن الجميع سمع بهذه المواقف على لسان وزيرة الخارجية الإسرائيلية، حين طالبت علنا بشطب البند المتعلق باللاجئين، والتخلي عن إعتبار خطوط الرابع مِن حزيران حدودا للدولة الفلسطينية، واستبدال معادلة "السلام أولا" بمعادلة "التطبيع أولا".
وهنا بيت "قصيد رايس"، وعلى هذا "التطبيع أولا" تدور الدوائر والتوجهات الأمريكية مِن خلف الإهتمام بالمبادرة العربية، وهو ما تحاول رايس، وعبر الدهاء السياسي وصيغةٍ ماكرة لإحرازه للإسرائيليين، وإلا ما معنى، وكيف يمكن فهم الحديث عن إمكانية جمع إسرائيل مع الرباعية العربية، وبضمنها السعودية والإمارات التي لا معاهدات لها معها، فضلا عن الرباعية الدولية والفلسطينيين تحت مسمى مؤتمر دولي؟!!!
إن في هذه الاقتراحات الأمريكية مصيدة بفخين للمبادرة العربية، وذلك بهدف تجويفها، والعمل على تفريغها مِن محتواها، وإخضاعها للرؤية الإسرائيلية تحت يافطة "مكرمة" الاهتمام بها وقبولها، أما الفخ الأول، فيتمثل في محاولة جر الأطراف العربية التي لا تربطها علاقات بإسرائيل، وخاصة السعودية بما تمثل، إلى الجلوس (يعني التطبيع عمليا) مع الإسرائيليين تحت مسمى مؤتمر دولي، إنما قبل تلبية إشتراطات المبادرة العربية، وهو ما يساوي بداية الترجمة العملية للمطلب الإسرائيلي ب"التطبيع أولاً" بدلا مِن مطلب المبادرة العربية ب "بالانسحاب أولا" و""السلام ثانيا" و"التطبيع ثالثاً"، إنها محاولة أمريكية ماكرة لفك ما أعادته المبادرة العربية مِن ربط للقضية الفلسطينية ببعدها القومي. أما الفخ الثاني، فيتمثل في جر الأطراف العربية لقبول إخضاع مبادرتهم للتفاوض بإعتبارها "رؤية" عربية مقابل رؤية إسرائيلية غدت معروفة على أية حال، أو على الأقل أصبحت واضحة مثل عين الشمس بعد أكثر مِن عقدٍ ونصف مِن التفاوض العبثي المرير.
إن المسعى الأمريكي لإخضاع المبادرة العربية للتفاوض بإعتبارها رؤية عربية "لدى الآخرين مواقف تجاهها" كما قالت رايس، هي محاولة لا تختلف بشيء عن ما نجحت به واشنطن حين جرت الأطراف العربية، وعبر مؤتمر مدريد الاحتفالي عام 1991، للتفاوض على قرارات الشرعية الدولية بدلا مِن إلزام إسرائيل بتنفيذها. يومها أيضا قالت الإدارة الأمريكية بإعتبار هذه القرارات، وتحديدا 242 و338، أساساً للتفاوض. ومنهجية "أساساً" هذه التي يمكن أن تتجدد اليوم مع المبادرة العربية بعد تطبيقها على قرارات الشرعية الدولية عام 1991، هي منهجية، وإن كانت جد ماكرة لجسر الهوة بين الرؤى المتناقضة، وفتح باب التفاوض العبثي المحكوم بموازين القوى بينها، فإنها تغدو منهجية أكثر مِن ماكرة حين يكون التوافق عليها مع الإسرائيليين، وتصبح منهجية جد جد خطيرة على سياق التفاوض ومستقبله ونتائجه، وخاصة حين تكون رعاية التفاوض أمريكية، ولن تحصد والحالة هذه إلا "عينك وما تشوف" مِن طول حبال العنجهية الإسرائيلية وتسويفها ومماطلتها ومطالبها التعجيزية، كأن تضع شرط التنازل عن حق العودة لقاء قبول مواصلة التفاوض مثلاً.
بهذه المنهجية مِن الاهتمام الأمريكي بالمبادرة العربية، وفي حال قبلت الأطراف العربية الوقوع في أفخاخها، تكون السياسة العربية قد قررت عمليا إضاعة (ربما) عقد آخر مِن الزمن لصالح إطلاق اليد الإسرائيلية لتكريس المزيد، بل الكثير مِن حقائق رؤيتها على الأرض.
عليه، فإن الحركة ليست دائما بركة، بل تكون نقمة في أحيان كثيرة. وربما يكون هذا أنسب وصفٍ لحركة وزيرة الخارجية الأمريكية رايس التي تزور المنطقة للمرة الرابعة في غضون أربعة أشهر.
ولكن، ورغم أن رايس حقاً ماكرة مثل السياسة الأمريكية التي تتغذى منها وتغذيها، ورغم أن مكر رايس يرمي إلى إعطاء إسرائيل فرصة زمنية أخرى لتطبيق رؤية الحفاظ على "مقدس" "يهودية دولتها" عبر مواصلة سياسة "إدارة الأزمة" بالتفاوض العبثي، إلا أن هذا المكر في حال نجاحه في تقويض فكرة قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، سيضع "مقدس" "يهودية دولة إسرائيل" عملياً أمام مكر التاريخ الذي سيقود إلى واحد مِن إحتمالين لا ثالث لهما، إما استمرار سياسة الصراع والحروب والتطهير العرقي إلى ما لا نهاية، أو إلى حتمية قيام دولة فلسطين الديموقراطية العلمانية لكل مواطنيها بصرف النظر عن الدين أو المعتقد. وهنا ينتصب ويجوز سؤال: ترى أيهما أشدّ، مكرُ رايس وواشنطن وتل أبيب أم مكرُ التاريخ؟!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طبيب يدعو لإنقاذ فلسطين بحفل التخرج في كندا


.. اللواء الركن محمد الصمادي: في الطائرة الرئاسية يتم اختيار ال




.. صور مباشرة من المسيرة التركية فوق موقع سقوط مروحية #الرئيس_ا


.. لمحة عن حياة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي




.. بالخريطة.. تعرف على طبيعة المنطقة الجغرافية التي سقطت فيها ط