الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أولمرت وثرثرة السلام

برهوم جرايسي

2007 / 3 / 30
القضية الفلسطينية


يُكثر رئيس الحكومة الإسرائيلية، في الآونة الأخيرة، في الحديث عن "المبادرة العربية" للسلام، بلهجة وكأن المنطقة على أبواب مرحلة جديدة من الانفراج، ودفع العملية السياسية، وانشغلت الحلبة السياسية والإعلامية في إسرائيل في تلك التصريحات، وراحت تبحث في أدق تفاصيل المبادرة، وكالعادة فإن إسرائيل فاوضت نفسها كثيرا في هذا المجال، ثم عادت إلى نقطة البداية.
لم تكن حاجة إلى مجهر والى تحليل لتصريحات أولمرت، فهي واضحة، خاصة إذا تعاملنا مع جميع تصريحات أولمرت في هذه المرحلة كوحدة واحدة، وليس مجزأة، كما يريد صاحبها.
بداية فإن أولمرت يقول "إن في المبادرة العربية جوانب ايجابية"، رغم أن المبادرة ليست طويلة أو معقدة بل هي واضحة، ولكن التوضيح جاء مباشرة من وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني، التي دعت الدول العربية، أكثر من مرّة، إلى إقامة علاقات دبلوماسية وتطبيع مع إسرائيل، "ولا حاجة لانتظار انسحاب إسرائيل إلى حدود 1967"، وإسرائيل ليست معنية سوى ببند التطبيع، من كل المبادرة.
ولهذا فإن أولمرت يُجهض المبادرة العربية بنفس اللحظة التي يرحب "ببعض جوانبها"، لأن أولمرت أعاد إلى القاموس السياسي الإسرائيلي سياسة اللاءات، التي انتهجتها إسرائيل على مدى عشرات السنوات، حين كانت تقول: "لا لمفاوضة الشعب الفلسطيني ولا لمنظمة التحرير الفلسطينية، ولا للدولة الفلسطينية".
أما اليوم فإن أولمرت وضع ثلاثة لاءات تلائم المرحلة وهي: "لا للانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967، ولا للانسحاب من القدس، ولا لعودة اللاجئين الفلسطينيين"، ولم يكتف أولمرت بهذا الإعلان بل أضاف "لا" رابعة، وهي: "لا للتفاوض حول الحل الدائم مع الفلسطينيين".
ولا يتوقف الأمر عند التصريحات، بل إن أولمرت يتحرك بهذه المواقف على الساحة الدولية، وبالأساس أمام الإدارة الأمريكية، التي لا تحتاج الكثير لإقناعها، وخير ما يثبت هذا هو تصريحات وزيرة الخارجية كونداليسا رايس، في المؤتمر الصحفي الذي عقدته في القدس المحتلة، مع ختام زيارتها إلى إسرائيل، صباح يوم الثلاثاء الماضي.
فكل مضمون خطاب رايس أمام جمهرة وسائل الإعلام كان تكرارا لمواقف أولمرت، فهي أعلنت أن المباحثات الدورية التي ستجري بين أولمرت والرئيس الفلسطيني محمود عباس، أبو مازن، لن تتطرق إلى الحل الدائم، وإنما فقط حول القضايا اليومية للفلسطينيين وما يرتبط بهذا، مع تركيز خاص على ما تدعي إسرائيل أنه يجري في قطاع غزة، من "تهريب أسلحة" واطلاق قذائف باتجاه مواقع إسرائيلية، كذلك فإن رايس أكدت تمسكها بخطة خارطة الطريق بمراحلها، رغم رفض القيادة الفلسطينية لهذه المراحل.
وراحت رايس إلى أكثر من ذلك، فهي تطالب الدولية العربية بإثبات "نواياهم" تجاه إسرائيل، وأن يثبتوا قبولهم بإسرائيل كدولة في المنطقة، دون أي تطرق إلى ما تفعله إسرائيل على الأرض، وهو أمر واضح للعيان.
إن واجب إثبات النوايا يجب أن يكون على إسرائيل، التي نقضت جميع الاتفاقيات مع الفلسطينيين، وتطالب حكومتهم بالاعتراف بها، وهي تفرض أمرا واقعا على الأرض في الضفة الغربية المحتلة، من جانب واحد، دون صدور أي موقف دولي معارض، وبشكل خاص الاستمرار ببناء جدار الفصل العنصري على أراضي الضفة الغربية، وفي قلب القدس الشرقية المحتلة، إلى جانب توسيع وتكثيف المستوطنات.
ورغم كل ما سبق، وهو الأساس، ومن باب الجدل، فلو افترضنا أن أولمرت جاد في ما يقول، مثل: "أن السلام يتطلب منا تقديم تنازلات مؤلمة"، والمؤلم لإسرائيل هو إخلاء خيمة مستوطنين، فهل هو قادر على قيادة إسرائيل لعملية سياسية واسعة النطاق، قد تتغير فيها الحدود، ولو كما تريد إسرائيل وتخطط له.
والجواب قطعا لا، لأن وضع أولمرت في الحلبة السياسية الإسرائيلية هو في حضيض لم يشهده أي رئيس حكومة في تاريخ إسرائيل كله، فشعبيته تصل إلى 2%، وفي أحسن أحوالها 7%، وهذا ما تكرره استطلاعات الرأي التي تظهر أسبوعيا في إسرائيل، أضف إلى هذا مسلسل الفضائح المالية والأخلاقية الذي يعصف بحكومته، والحلقة الأخيرة وليس الآخرة، فضيحة وزير المالية، أبراهام هيرشزون، اقرب المقربين من أولمرت، الذي يواجه شبهة اختلاس الملايين من جمعيات كان يقيمها ويديرها، وتدور في فلك الوكالة الصهيونية.
وليس هذا فقط، فإن أولمرت على عتبة مرحلة عاصفة وصاخبة، فهو في انتظار تقرير لجنة الفحص الرسمية في مجريات الحرب على لبنان، "لجنة فينوغراد"، في النصف الثاني من شهر نيسان (أبريل) القادم، الذي قد يحمل استنتاجات ضد أولمرت تزيد من الضغط عليه، وهناك احتمال ان تضطره تلك التوصيات لتقديم الاستقالة، كذلك فإن هناك عدة ملفات حول شبهات بالفساد ليس واضحا حتى الآن كيف ستنتهي، وما إذا ستطلب الشرطة والنيابة تقديم لائحة أو لوائح اتهام ضده.
في ظل كل هذا فإن أولمرت يسعى إلى إخراج نفسه من الدوامة السياسية والإعلامية الخانقة، ويتصرف بسرعة فائقة لإنقاذ نفسه، فتارة يبادر بنفسه إلى كشف جزء من شهادته أمام لجنة الفحص الرسمية، ويلقي خطابا للتباكي على شعبيته المنهارة، ثم يرسل نائبه شمعون بيرس، ليقول أن أولمرت "من أفضل رؤساء حكومات إسرائيل"، ولكن بعد أيام قليلة يتضح من شهادة بيرس أمام لجنة الفحص، أنه وجه اتهامات مبطنة ضد أولمرت والحكومة الإسرائيلية بشأن الحرب على لبنان.
ولا تخرج تصريحات أولمرت بشأن "إعجابه" بالمبادرة العربية، عن هذا السياق، فهو بحاجة إلى بث أوهام في الشارع الإسرائيلي وكأن هناك تحركا سياسيا ما، ولكن الحلبة الإسرائيلية تدرك الحقيقة، وتعرف ان كل هذا ليس أكثر من ثرثرة يحتاجها أولمرت من أجل العلاقات العامة.
ورغم كل هذا فإن ما يجري في الأسابيع الأخيرة، على الساحتين العربية والدولية، فيه الكثير من الإيجابية على المستوى الاستراتيجي للقضية الفلسطينية، والصراع بشكل عام، فالوضع الداخلي في إسرائيل لا يمكنه الاستمرار طويلا بهذه الحالة، ورفع شأن المبادرة العربية، وطرحها من جديد على أجندة الأسرة الدولية، يساهم بشكل كبير في محاصرة إسرائيل سياسيا.، لربما ليس فقط خارجيا، وإنما داخليا أيضا، وإن كان بشكل محدود جدا.
باتت إسرائيل تدرك أن حصارها على الشعب الفلسطيني المدعوم دوليا، لا يمكنه الاستمرار طويلا، وهي تعترف ان هذا الحصار بدأ يشهد تصدعات في الساحة الدولية مع قيام حكومة الوحدة الفلسطينية، وهذا أمر يقلقها، وهي أيضا قلقة من شبه الإجماع الدولي حول المبادرة العربية، ولكن ما يساعدها في صد الضغوط الدولية، هي سياسة الإدارة الأمريكية التي تثبت يوميا أن ليس لديها ما تقدمه سوى الخطاب الإسرائيلي المتزمت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البقاع شرق لبنان: منطقة استراتيجية بالنسبة لحزب الله


.. بعد مقتل حسن نصر الله.. هل كسرت إسرائيل حزب الله؟




.. تباين| مواقف هاريس وترمب من العمل في ماكدونالدز


.. عواصف وفيضانات غمرت مناطق متعددة في ولاية فلوريدا جراء ضرب إ




.. أمين عام المجلس الإسلامي العربي يتهم إيران بتسليم إحداثيات -