الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الماركسية أم الماركسية اللينينية ؟ الجزء الخامس عشر

امال الحسين
كاتب وباحث.

(Lahoucine Amal)

2007 / 3 / 31
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


لقد رأينا فيما سبق كيف أصبح الماخيين الروس يدافعون على الماخية دون وعي بأخطائها الفادحة معتبرين أنفسهم من الماركسيين في محاولة منهم لدحض آراء بليخانوف ، جاهلين أنهم في محاولة دحضهم لبليخانوف محاولة لدحض الماركسية باعتباره أقوى الماديين كما اعتبره لينين ، الذي يحاول بازاروف بكل وقاحة النيل من آرائه خاصة في قوله ب"إن الوعي هي الحالة الداخلية للمادة" ، و يقر بذلك أن الدماغ هو المسؤول عن التفكير الذي يتناقض مع أقوال إفيناريوس و ماخ حول علاقة الإنسان بالطبيعة ، ذلك ما لا يعجب بازاروف الذي يحارب مادية ماركس و إنجلس و فويرباخ حيث يلتقي مع أفيناريوس و ماخ اللذان ينكران أن التفكير وظيفة فيزيولوجية و لا تمثل الحالة المادية للدماغ ، و يقران أن التصورات ليست عملية فيزيولوجية لدماغ الإنسان و بمعنى آخر أن الأحاسيس لا نمثل العملية المادية للدماغ ، عكس أقوال إنجلس التي تقول بأن التفكير و الإدراك ما هي إلا نتاج للدماغ البشري ، و أننا ندرك العالم الخارجي بواسطة حواسنا و نحن ننتمي إلى هذا العالم الذي يعتبر العالم الواقعي الوحيد ، و أن التفكير و الإدراك نتاج للدماغ الذي يعتبره جهازا ماديا معتبرا الروح مستوى أعلى من نتاج المادة .
و يرفض أفيناريوس هذه الإستنتاجات المادية و يسمي تفكير الدماغ ب"فتشية العلوم الطبيعية" في تعارض تام مع العلوم الطبيعية كما هو الشأن بالنسبة لماخ و جميع الماخيين و أنصار الكمونية ، و هو يتهم المادية ب"أنها تتبنى وجهة نظر مادية عفوية غير واعية" مما جعله يعارض علم النفس الحديث الذي يقول عنه أنه "حقن" بشكل جائز الفكرة في الدماغ و ذلك بإدخال الأفكار في دماغنا و الأحاسيس فينا ، مما يجعل المذهب النقدي التجريبي الذي يرفض "حقن" الدماغ يتعارض مع العلوم الطبيعية ، و يقول عنه لينين أنه يحاول التظاهر بمحاربة المثالية في الوقت الذي يحول فيه العالم الخارجي إلى أحاسيس و تصورات عكس اعتبار الأنا و البيئة حقيقة واحدة دون إدخال العالم الخارجي في الدماغ ، و أفيناريوس يعمل على تشويش ذهن القراء باستعمال كلمات يسميها "جديدة" في نظرية "جديدة" دون أن يستطيع التخلص من مقدماته المثالية.
و يقول بوغدانوف عن مذهبه عن "الحقن" الذي اكتشفه أفيناريوس أن "الحقن" موجه ضد المثالية ، في الوقت الذي ينكر فيه الوظيفة المادية للدماغ و الجهاز العصبي المركزي لدى الإنسان تلك الوظيفة التي تقرها الفيزيولوجيا ، و بذلك تكون آراؤه متعارضة مع حقائق العلوم الطبيعية و في إقراره ذلك يكون ضد المادية و ليس ضد المثالية ، معتبرا أن ما أنجزه أفيناريوس في اكتشافه الجديد هو "إثنينية" الروح و الجسد التي تدحض المثالية في الوقت الذي يعتبر فيه أفيناريوس أن الأفكار و الأحاسيس ليست نتاج المادة و أساسية و ليست ثانوية ، و يقول عنه لينين أن كل ما فعل أفيناريوس بالإثنينية هو دحض وجود الموضوع بدون ذات ، وجود المادة بدون فكر ، وجود العالم الخارجي بصورة مستقلة عن الأحاسيس و ذلك بطريقة مثالية ، و يقول فوندت في لومه لأفيناريوس الذي يلوم المادية ، لكونها تقول بأن الدماغ ينتج التفكير و يملك الفكر الشيء الذي لا يمكن التحقق فيه في الواقع مما يجعله يقر بأن الإنسان يفكر بدون دماغ ، يقول عنه أن نظرية الحقن موصولة من الخارج ب"مذهب الحقن" بطريقة إصطناعية ، و يقول عنه إيفالد أن "مذهب الحقن" قد تم اختلاقه للمذهب النقدي التجريبي للتغاضي عن أخطائه ، و يقول عنه نورما سميت أنه ينكر كل ما نملك حول علاقة الفكر بالدماغ ، و يكون بيرسون واضحا في حكمه حين ينكر جميع الأغطية التي حاول أفيناريوس إستعمالها متمسكا بالمثالية الذاتية الخالصة ، و يقول عنه فوندت إن مذهبه "الجديد" عبارة عن سكولاستية خالصة ، و يقول عنه فيللي إن أفيناريوس يساوره حلم اكتشاف البيوميكاانيك إلا أن أسلوبه لا يرتكز إلى ما يمكن أن يصل به إلى فهم حياه الدماغ.
و يعتبر لينين أن المثالية الذاتية منطلق المذهب النقدي التجريبي من خلال مقولة أن العالم هو عبارة عن أحاسيس ، و لف هذه المقولة بمجموعة من الكلمات التي يستعملها أفيناريوس و ماخ ، من أجل التغطية على تناقضاتها مع العلوم الطبيعية ، و تؤدي آراء الماخية هذه إلى السير في منحى السوليبسيسم ، و يحاول الماخيين الروس تبرئة ماخ من المثالية و السوليبسيسم بالقول بأن إتهامات ماخ بذلك ما هو إلا "ذاتية متطرفة" كما يقول بوغدانوف ، مما يتناقض و أحكام كل الكتاب حول الفلسفة الماخية المثالية الذاتية ، الشيء الذي يدل على "ذاتية" عدم المعرفة لدى الماخيين الروس الذي يعتبرون أنفسهم ماركسيين كما يقول لينين ، حيث أن جميع الفلاسفة يتعاطفون مع المثالية دون لومها عكس الماركسيين ، و ما يقوم به الفلاسفة هو معارضة منهاج ماخ المثالي يمنهاج آخر مثالي .
لقد دأب الماخيون على محاولة تفسير العلاقة بين الطبيعة و الإنسان إلا أنهم في محاولاتهم لتطوير المذهب النقدي التجريبي ، يكرسون التناقض الذي يشوب آراءهم في محاولاتهم لإصلاح ما أفسدته منطلقاتهم المثالية المتناقضة مع العلوم الطبيعية ، و هم سائرون في تعميق تناقضاتهم عند الوصول إلى ما يسمى "إثنينية الروح و الجسد" و "مذهب الحقن" الذي حاولوا من خلاله القضاء على إثنينية الروح و الجسد ، و هنا تكمن أخطاؤهم إذ أن الأحادية المثالية تقول إن الروح ليست الوظيفة المادية للجسد بينما الأحادية المادية تقول بأن الروح هي الوظيفة المادية للجسد ، و هما أسلوبان متناقضان لا ثالث لهما كما يحاول الماخيون إيجاد ذلك للتمويه على آرائهم المثالية في محاربتهم للماركسية.
و تعتبر اكتشافات لينين رائدة في مجال الدياليكتيك على المستوى المعرفي باعتباره النظرية المعرفية الماركسية التي وضع أسسها ماركس و إنجلس ، خلال أزيد من نصف قرن من النضال ضد بقايا الأفكار المثالية الكانطية في محاكمتهما لهيكل و فويرباخ ، إلا أن جهودهما من أجل ترسيخ المذهب الماركسي لم تسلم من هجوم الماخيين الذي يريدون إعادة الفكر البشري إلى الخلف ، لتكريس مثالية بركلي التي قادها كل من ماخ و أفيناريوس ضد المادية الدياليكتيكية محاولين في بعثهم لفلسفة بركلي المثالية دحض المذهب الماركسي ، و حاول الماخيون الروس الهجوم على آراء بليخانوف باعتباره الماركسي الروسي الذي تشبث بالمذهب الماركسي ، و يشكل الدياليكتيك المعرفي النظرية الماركسية اللينينية التي اكتشفها لينين من خلال محاكمته لآراء الماخيين و المذهب النقدي التجريبي ، و الذي لعب دورا أساسيا في ترسيخ المذهب الماركسي من خلال صياغة النظرية الفلسفية المادية الدياليكتيكية على مستوى المعرقة التي ترتكز إلى جوهر النظرية الماركسية الخالصة على المستوى المعرفي ، و بذلك تكون الماركسية اللينينية هي جوهر النظرية الماركسية و سلاح المادية في صراعها مع المثالية الذاتية و السولينسيسم .
و استطاع المذهب الماركسي اللينيني دحض جميع المذاهب التي تصب جميعها في بحر المثالية الذاتية و السوليبسيسم ، و يقول لينين حول نظرية المعرفة : " في نظرية المعرفة ، كما في جميع ميادين العلم الأخرى ، تجب المحاكمة بطريقة دياليكتيكية ، و هذا يعني أنه يجب علينا لا أن نفترض معرفتنا ناجزة و ثابتة لا تتغير ، بل أن نحلل و نبحث بأي طريقة تظهر المعرقة من اللامعرفة ، بأي طريقة تصبح المعرفة غير الكاملة و غير الدقيقة أكمل و أدق ".
و قد عمل على وضع أسس المعرفة الماركسية اللينينية من خلال مقارنة المذهب النقدي التجريبي بالدياليكتيك الماركسي ، من أجل تبيان العرفانية الرجعية الملازمة لآراء النقاد التجريبيين ، الذين حاولوا إتخاذ المصطلحات المختلفة للتغطية على أسس مذهبهم المثالي في محاولة للتمييز على أخطاء المثالية و اللاعرفانية ، و هم في عملهم هذا عمل الماخيون على الجمع بين المذهب النقدي التجريبي و الماركسية من أجل ضرب أسس الماركسية ، و المذهب الماركسي اللينيني يوضح كيف أن الفلسفية المادية نقيض للمذهب النقدي التجريبي باستعمال الدياليكتيك على المستوى المعرفي ، و أوضح لينين مكانة هؤلاء النقاد التجريبيون باعتبارهم أساتذة في مدارس فلسفية صغيرة و أن المذهب النقدي التجريبي ما هو إلا مدرسة صغيرة من بين المدارس الصغيرة الأخرى في العصر الحديث ، و أوضح كيف أن أفيناريوس و ماخ كانت إنطلاقتهما من الفلسفة الكانطية محاولان الوصول إلى المادية لكنهما عصفت بهما آراؤهما المتضارب في منحى المثالية الذاتية و السوليبسيسم للوصول إلى الهيومية و البركلية ،
و في نقده للماخية يؤكد لينين على الصلة بينها و بين مدارس العلوم الطبيعية إذ نجد دائما أغلب الطبيعيين إلى جانب المادية و خاصة الفيزيائيين ، لكن فقط الأقلية منهم أنزلقت بهم أفكارهم حول النسبية إلى المثالية ، و ذلك ناتج عن جهلهم للدياليكتيك و انبهارهم أمام تقدم العلوم الطبيعية التي استطاعت دحض النظريات القديمة ، و تعتبر أزمة العلوم الفيزيائية في بداية القرن 20 أهم الأسباب التي جعلت الفيزيائيين يقعون في تناقضاتهم مع المادية ، كما أن الصراع بين المادية و المثالية منذ فلسفة سقراط و أفلاطون المثالية و فلسفة ديمقريدس و أبيقور المادية هو صراع حزبي ، و لا يجب إغفال الواجهة السياسية لهذا الصراع إذ أن الفلسفة المثالية يتم توظيفها من طرف الطبقات البورجوازية ضد البروليتاريا .
إن المذهب النقدي التجريبي يخدم الطبقة البورجوازية في نضالها ضد المادية و خاصة المادية التاريخية ، و استطاعت الماركسية اللينينية بلورة النظرية الدياليكتيكية الماركسة على جميع المستويات المعرفية ، بدحض المذهب النقدي التجريبي و تنوير الطريق للعلماء الطبيعيين التقدميين الذي أحرزوا نتاج هامة على مستوى الإكتشافات العلمية ، على المستوى الإقتصادي باكتشاف الأسس النظرية للرأسمال المالي في عصر الرأسمالية الإمبريالية ، و على مستوى السياسي من خلال الصراع الطبقي بوضع أسس الحزب الثوري و بلورة مفهوم الحركة الثورة بإنجاز الثورة الإشتراكية الروسية ، و بذلك تكون الماركسية اللينينية هي النظرية المادية الناجعة في عصر الرأسمالية الإمبريالية و لا غرابة أن نجد من يسمون أنفسهم بالماركسيين يتنكرون للماركسية اللينينية ، محاولين بث التشويش في أذهان القراء بأن الماركسية اللينينية قد سقطت بسقوط جدار برلين و أن عهد الصراع الطبقي و إنجاز الثورة قد ولى ، و في ادعاءاتهم هذه جهل بأن الماركسية اللينينية هي جوهر الدياليكتيك الماركسي على المستوى المغرقي قي جميع الميادين ، و مهمة دحض آرائهم التحريفية موكولة للماركسيين اللينينيين اليوم و سنعمل في مواضيع قادمة على دحض إدعاءاتهم .

تارودانت في : 29 مارس 2007








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا.. الناخبون يدلون بأصواتهم لاختيار الحكومة الجديدة و


.. هز عرش المحافظين.. معلومات عن زعيم حزب العمال كير ستارمر




.. الغارديان: حزب العمال أمام انتصار كاسح في وجه المحافظين


.. فرنسا.. بين قبضة اليمين المتطرف وتحالف -شبه مستحيل- للمعتدلي




.. فرنسا: هل تراجعت فرص اليمين المتطرف بالوصول إلى السلطة؟