الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ابتزاز أميركي جديد للعالم الثالث: إما أغذية معدلة وراثيا وإما المجاعة!

باتر محمد علي وردم

2003 / 8 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


كاتب أردني

 

وافقت ست دول إفريقية من أصل سبعة تعاني من المجاعة حاليا على تلقى "مساعدات" غذائية أميركية هي عبارة عن "أغذية معدلة وراثيا" أنتجتها الشركات الأميركية ولم تجد لها سوقا في أي مكان في العالم بسبب تخوف الدول من الأضرار الصحية الممكنة لههذ المنتجات. الأميركيون استغلوا حالة المجاعة التي تعاني منها إفريقيا وأجبروا هذه الدول على أن تكون المساعدات الغذائية لها مقتصرة على مواد معدلة وراثيا أميركية الصنع، وذلك في مخطط مبرمج للقضاء على القطاع الزراعي لا في إفريقيا وحدها بل في كل العالم.

وحدها زامبيا هي التي رفضت هذه المنتجات، وذلك بعد نقاش طويل ومستفيض شاركت به التجمعات السياسية والاقتصادية في البلاد واتفقت على رفض الهدية الأميركية المسمومة حفاظا على صحة مواطنيها والقطاع الزراعي المحلي وقد تدفع الثمن غاليا مقابل هذا الموقف الشجاع.

الخطر الشديد في المنتجات المعدلة وراثيا هي أن مجموعة قليلة جدا من الشركات ذات التقنية العالية في الهندسة الوراثية والتي توجد عادة في الولايات المتحدة وأستراليا هي التي تحتكر إنتاج هذه المنتجات. والمنتجات المعدلة وراثيا هي عبارة عن محاصيل معينة مثل القمح والبطاطا والبندورة والذرة وغيرها يتم تغيير تركيبتها الوراثة وذلك عن طريق إدخال جينات لها خصائص معينة مثل مقاومة الآفات أو تسريع النمو أو تحمل الملوحة والحرارة أو وجود تركيز عالي من الفيتامينات. ظاهريا يبدو الأمر أشبه بنجاح علمي يستحق التقدير ولكن هذه الأغذية عندما يتم تعديلها وراثيا فإنه قد تطرأ عليها تغيرات في المواصفات وقد تؤدي إلى أضرار صحية على المستهلكين، وهذا لن يثبت إلا من خلال استهلاك هذه الأغذية بكميات كبيرة لفترات طويلة نسبيا ومراقبة تأثيرها التراكمي.

الخطر الثاني الذي تمثله هذه الأغذية كما ذكرنا أن طريقة إنتاجها لا تقدر عليها إلا شركات غربية محدودة، وتحاول هذه الشركات حاليا طرح منتجاتها في أسواق العالم الثالث بكميات كبيرة وأسعار زهيدة من خلال المساعدات الغذائية للدول التي تعاني من المجاعة أو من خلال قوانين تحرير التجارة. وهذا يعني القضاء التدريجي على المقومات الزراعية للدول النامية وتفوق المنتجات المعدلة الغربية على المنتجات الزراعية المحلية. وتدريجيا يتم تدمير القطاع الزراعي المحلي وتصبح البلايين من الأفواه الجائعة في العالم الثالث مثل فئران التجارب في بادئ الأمر ويتم دراسة تأثير المنتجات عليها، ثم تصبح معتمدة على بضع شركات أميركية في مواردها الغذائية وبالتالي تحدث حالة الاحتكار الغذائي وتحقيق الأرباح الهائلة للشركات الغربية مقابل انهيار تام للقطاع الزراعي التقليدي في العالم.

هذه هي اللعبة التجارية الغذائية الأميركية التي لا تستحي الإدارة الحالية من دعمها سياسيا، فالمشاركة الأميركية في مؤتمر الغذاء الذي عقدته الفاو في روما مؤخرا اقتصر على طرح نظريات "الثورة الغذائية الجديدة" وتسويق المنتجات الأميركية المعدلة في العالم الثالث كحل لمشكلة الجوع وعدم الالتزام بتقديم اي دعم أو مساعدة للقطاعات الزراعية النامية، مقابل الدعم الهائل الذي تقدمه الولايات المتحدة وأوروبا للقطاع الزراعي فيها بشكل يتناقض تماما مع قوانين تحرير التجارة التي تطبق على الدول النامية فقط.

إنها سياسة أميركية خبيثة أخرى، تعمل لصالح شركاتها وتتسبب في تدمير المقومات الزراعية للدول النامية وتركها نهبا لأطماع الشركات الأميركية، ولهذا تبقى قضية المنتجات المعدلة وراثيا من أخطر قضايا الأمن الغذائي والتنمية في القرن الحادي والعشرين ولهذا تسير الحشود من المتظاهرين في العالم ضد السياسات الأميركية والشركات الأميركية دفاعا عن سكان العالم الثالث وحقوقهم في الاحتفاظ بتقاليدهم الزراعية الأصيلة وعدم ترك مجموعة من الشركات تسيطر على إنتاج الغذاء العالمي.


 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المكسيك: 100 مليون ناخب يختارون أول رئيسة في تاريخ البلاد


.. فاجأت العروس ونقر أحدها ضيفًا.. طيور بطريق تقتحم حفل زفاف أم




.. إليكم ما نعلمه عن ردود حماس وإسرائيل على الاتفاق المطروح لوق


.. عقبات قد تعترض مسار المقترح الذي أعلن عنه بايدن لوقف الحرب ف




.. حملات الدفاع عن ترامب تتزايد بعد إدانته في قضية شراء الصمت