الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموقف يتطلب أن يفهم حكام إسرائيل أن المبادرة السعودية أو المبادرة العربية، هي فرصة ليس من العقل تفويتها

عصام مخول

2007 / 4 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


تطبيع اسرائيل يجب ان يسبق التطبيع معها!

* في العرف الاسرائيلي، بدلا من أن يقرر الحل النهائي ما يجري في المرحة الانتقالية، أصبح ما يحدث في المرحلة الانتقالية على الأرض من استيطان ووقائع ميدانية هو الذي يقرر شكل الحل النهائي *

تبدو إسرائيل الرسمية، كالمضروب على رأسه، وهي تتلوّى إزاء اضطرارها للتعامل الجدّي في هذه المرة مع مبادرة السلام العربية، التي ولدت مبادرة سعودية تعتمد من أولها إلى آخرها على قرارات الشرعية الدولية، وتحولت من مشروع سعودي إلى مشروع عربي شامل منذ إن تبنّتها القمة العربية المنعقدة في بيروت في نيسان من العام 2002 الى أن أعادت إقرارها قمة الرياض.
إن الحرج الإسرائيلي في التعامل مع الوضع الناشئ، نابع عن وقوف إسرائيل أمام تحدٍّ سياسي حقيقي، واضطرارها أخيرا إلى إعطاء أجوبة ملموسة، بعيدا عن المناورات و"قتل الوقت"، التي تميز المدرسة السياسية الحاكمة في إسرائيل، منذ اغتيال اسحق رابين. وهي مدرسة جعلت من وهم الحراك، بديلا عن الحراك السياسي الحقيقي، وجعلت من المبادرات الأمريكية الفارغة والمُهينة للشعوب، المستهترة بالعقل وبالمنطق، مبررا لتعميق العدوان الإسرائيلي المتواصل على الشعب الفلسطيني، والانفلات على شعوب المنطقة بشكل غير مسبوق. إن جيلا كاملا من السياسيين في إسرائيل قد تطبّع بسياسة الهروب من الحل، ومن الحراك السياسي الحقيقي، والاكتفاء بما يشبه الحراك والتفاوض، لمجرد إحراج الطرف الآخر، فلسطينيا وعربيا، وبهدف إثبات "عدم وجود شريك فلسطيني" تبريرا لسياسات وحلول عدوانية أحادية الجانب، وتحويل أية مفاوضات إلى تكتيك فارغ، يتجاوب مع حاجة في نفس يعقوب الجالس عادة في البيت الأبيض.
وكان البروفيسور شلومو افينيري قد ذهب بعيدا في ذلك، في مقالة (في الجيروزاليم بوست بتاريخ 14/3/07) تحت عنوان: "العنصر الغائب في المبادرة السعودية"، حيث قال: "ليس من الممكن طرح مبادرة سلام من دون أن تنطلق من مبدأ إجراء مفاوضات" وما يطلبه البروفيسور أفينيري في مقالته، هو التخلي عن طرح الحزمة المتكاملة التي تتضمنها المبادرة العربية (السعودية) وفي إطارها الاعتراف العربي بإسرائيل والتطبيع معها، مقابل الانسحاب من المناطق الفلسطينية، وإقامة دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران 1967، وحل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين الفلسطينيين وفق قرارات الأمم المتحدة، وبدلا من ذلك التأكيد على "مبدأ التفاوض". وهو يعني تفاوضا تقوم به السعودية وأخواتها نيابة عن الفلسطينيين، الذين ترفض إسرائيل التفاوض معهم. إن افينيري الذي شغل في الماضي منصب مدير عام وزارة الخارجية، بدلا من أن يتمسك بهذا العرض العربي السخي والوحيد القادر على تشكيل مخرج من المأزق الدموي الذي يغرق الشعبين، يطالب بان يتم استبدال الحل بـ"المفاوضات على الحل"، وذلك بهدف الهروب من طريقه وليس من اجل التوصل اليه. ان شلومو أفينيري يعرف بالتجربة أكثر من غيره، كيف برعت المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة تاريخيا في تحويل كل مفاوضات إلى تكتيك، سقفه إثبات غياب شريك للحل أو غياب مبرر للتقدم فيه. حتى في اتفاقات أوسلو، كان التعنت الإسرائيلي على فرض آلية "المرحلة الانتقالية"، من دون تحديد الهدف النهائي للحل، سببا حاسما في تفجير هذه الاتفاقات، وبدلا من أن يقرر الحل النهائي ما يجري في المرحة الانتقالية، أصبح ما يحدث في المرحلة الانتقالية على الأرض من استيطان ووقائع ميدانية هو الذي يقرر شكل الحل النهائي.





*حكومة الوحدة الفلسطينية وعصبية الرد الاسرائيلي!*
ومما زاد حدة "اللخمة" الرسمية الإسرائيلية، نجاح الجهود التي بُذلت لوقف الاقتتال الداخلي الفلسطيني، والتوصل إلى اتفاق مكة، وتشكيل حكومة الوحدة الفلسطينية، التي تشارك فيها الغالبية الساحقة من القوى السياسية الفاعلة على الساحة الفلسطينية، ولا تقتصر على القطبين المركزيين "فتح" و"حماس"، وهي حكومة قامت على أساس برنامج سياسي يفتح الأفق أمام فرصة سياسية محرجة لسياسات الولايات المتحدة وإسرائيل، اللتين تفضلان المواجهة مع حكومة رفض فلسطينية، تخلق الظروف المواتية لـ"حكومة الأزمة الإسرائيلية" لمواصلة التلهي بالحلول أحادية الجانب، وتغييب الطرف الفلسطيني وتحميله هو المسؤولية عن هذا التغييب، بحجة انه يرفض الانصياع لشروط الرباعية (بديلا عن الشرعية الدولية) التي تتمسك إسرائيل بحذافيرها، ليس لدفع التحرك السياسي وإنما لتصبح هي مبرر الرفض الإسرائيلي للحل السياسي.
إن عصبية الرد الإسرائيلي والأمريكي على تشكيل حكومة الوحدة الفلسطينية، وعلى وقف التدهور نحو حرب أهلية فلسطينية، تفضح النوايا الحقيقية لكليهما وتثير الشبهات حول حقيقة ما يبدو وكأنه اختلاف في الموقفين الأمريكي والإسرائيلي من مسألة التحرك السياسي من خلال المبادرة العربية، ويخلع القناع عن إستراتيجيتهما القائمة على تمزيق الشعب الفلسطيني، توطئة لتمزيق حقوقه الوطنية، والتخلص منها نهائيا.
وفي الوقت الذي ترافق فيه تشكيل الحكومة الفلسطينية مع التفاف شعبي فلسطيني واسع من حولها، ومن حول الأمل بخلق أفق سياسي يدغدغ آمال شعوب العالم، فان الحالة الإسرائيلية تتميز بانفضاض واسع عن حكومة اولمرت المأزومة، سياسيا وأخلاقيا، وبتململ اّخذ في الاتساع من موقف الرفض العدواني البائس في التعامل مع الحكومة الفلسطينية وما توحي به من فرصة للخروج من المأزق ألاحتلالي المزمن..





*هل تبني ادارة بوش لتحالف بين اسرائيل و"محور المعتدلين " في وجه افتعال"خطر شيعي" موهوم؟!!*
إن إسرائيل التي بدت فجأة معنية بالمبادرة العربية، سعودية الأصل، ترفض هذه المبادرة في الحقيقة، وتصريحات رئيس الحكومة اولمرت المتكررة، حول العناصر الايجابية في هذه المبادرة، التي أطلقها في أعقاب لقاءاته في عمّان مع الأمير السعودي بندر بن سلطان، تعني رفض إسرائيل المطلق، للعناصر التي تعتبرها "غير ايجابية" في المبادرة، مثل الإشارة إلى قرارات الأمم المتحدة بخصوص الحل العادل لقضية اللاجئين والانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران1967 ومسالة القدس الشرقية المحتلة.
إن قيام وزيرة الخارجية الإسرائيلية ليفني بمطالبة قمة الرياض بتعديل المبادرة العربية، وملاءمتها لمقاسات الإجماع القومي الصهيوني في إسرائيل، وعدم تورع الوزيرة عن دعوة الدول العربية، إلى إثبات صدق نواياها، من خلال القيام بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل مسبقا ومن دون علاقة بقبول إسرائيل بالمبادرة العربية، يعبر عن قصور حكام إسرائيل عن فهم طبيعة المرحلة، وعن فهم عمق الأزمة التي تعيشها إستراتيجيتها في المنطقة وتبعيتها المنفلتة للإستراتيجية الأمريكية المتعثرة.
ان اصطدام سياسات العدوان الامبريالية في المنطقة، أمريكية وإسرائيلية، بالحائط ووصولها إلى الباب الموصد، في العراق وفي الاراضي الفلسطينية المحتلة، يتطلب من قيادة تتحلى بالحد الأدنى من المسؤولية الانتقال إلى مرحلة جديدة من التعاطي مع الفرص واستغلالها لخلق بديل للواقع الاحتلالي المتواصل منذ أربعين عاما، والذي بات يخنق الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي ويهدد المنطقة كلها.. إن الأمر الأساسي الذي يعجز حكام إسرائيل عن فهمه، هو أن فرص الحل السياسي، ليست فرصا للفلسطينيين وحدهم، وإنما هي فرص للإسرائيليين أيضا، وان الحل السياسي ليس عقابا لإسرائيل بل هو مصلحة عليا لشعبها أيضا. إن المؤسسة الإسرائيلية السياسية والعسكرية الحاكمة تخون المصالح الحياتية لشعبها هي، ما لم تنجح في التخلص من نهج التلهي بإستراتيجية إضاعة الوقت، والبحث عن الفرج في التهرب من مستحقات الحل السياسي، ونشر الوهم بأن الوقت واليأس كفيلان بإقناع الشعب الفلسطيني بالتنازل عن حقوقه وثوابته الوطنية، باسم "الواقعية" الخانعة وباسم "الاعتدال" وباسم افتعال الخوف من "الخطر الشيعي" في المنطقة.
إن الموقف يتطلب أن يفهم حكام إسرائيل أن المبادرة السعودية أو المبادرة العربية، هي فرصة ليس من العقل تفويتها، وأنها حزمة واحدة متوازنة ومتكاملة، وان محاولات ابتزاز القمة العربية، للتنازل عن حق العودة أو عن حدود الرابع من حزيران 1967، هي محاولات لتفجير المبادرة ورد اليد العربية الممدودة للحل السياسي، إن حدود الرابع من حزيران لا تشكل لب الصراع، ولا تجيب على جميع القضايا المرتبطة بالصراع، ولكنها فرصة الحل والتسوية. ومن الحكمة قبولها وعدم الاعتماد على المكبس الأمريكي الضاغط على صدر الشعب الفلسطيني والشعب العراقي والمنطقة كلها، إن أحدا لا يستطيع أن يفرض على اللاجئين الفلسطينيين التنازل عن حقوقهم أو أن يقوم بذلك نيابة عنهم، أو أن يفرض على الشعوب المقهورة آن تتوقف عن النضال وعن المقاومة.
إن الامتحان الكبير الذي تواجهه القمة العربية ليس محصورا في مجريات القمة نفسها ولا في رفض الضغوط الأمريكية أو الإسرائيلية لإجراء تغيير على بنود المبادرة العربية، فان أحدا لا يملك الحق في التنازل عن أي من الحقوق الوطنية الفلسطينية. لكن الامتحان هو في عدم السقوط في إغراء إدارة القضية الفلسطينية نيابة عن منظمة التحرير الفلسطينية وقيادة الشعب الفلسطيني. إن من واجب القمة العربية أن تسند الحل العادل للقضية الفلسطينية وان تسند الثوابت الوطنية الفلسطينية واستقلالية القرار الفلسطيني. وان تطالب الولايات المتحدة وإسرائيل بالتخلي عن مواقفها العدائية الوقحة، الرافضة للتعامل مع حكومة فلسطينية شرعية. إن أحدا لا يحق له الاستحواذ على القرار الفلسطيني لا في إطار القمة ولا بعدها.
إن التماهي الأمريكي مع الاشتراطات والعوائق التي تضعها إسرائيل أمام الفرص التي انتزعها الفلسطينيون، وأعاد طرحها العرب، تنزع عن الولايات المتحدة صفة الوسيط. فقيام كوندوليزا رايس باجترار الاشتراطات الفاضحة التي أطلقها رئيس الحكومة الإسرائيلية المأزوم أولمرت، ومطالبتها الدول العربية بـ"طمأنة" إسرائيل وتطبيع العلاقات معها، تجعل من التحرك النشط الذي تقوم به رايس في المنطقة ولقائها مع وزراء خارجية الرباعية العربية، مصر والسعودية والأردن ودولة الإمارات، قبل قمة الرياض، ليس غير ابتزاز مهين للقمة العربية، وتوطئة لاستعمال وهم الحراك في القضية الفلسطينية والمبادرة العربية عكازا لائتلاف جديد وصفه الخبير في السياسة الخارجية الأمريكية د. جويل ميجدال (البوست- 26.3.07) بأنه ائتلاف إسرائيل و"محور المعتدلين السنة" في مواجهة مع "خطر شيعي" موهوم، تحت الرعاية الأمريكية. إن الجواب على السياسات الالتفافية الأمريكية أولا، والإسرائيلية ثانيا في هذا السياق يجب أن يكون قاطعا. إن تطبيع إسرائيل، وإنهاء سياسة الاحتلال والعدوان والاستيطان والحرب التي تمارسها، والاعتراف بالحقوق القومية المشروعة للشعب الفلسطيني وقرارات الشرعية الدولية، يجب إن يسبق التطبيع معها، وان على إسرائيل إن تدفع مستحقات هذا التطبيع بعملة الحقوق الفلسطينية الصعبة.
إن الأزمة الشاملة المتفاقمة التي تعيشها الإستراتيجية الإسرائيلية، تجعل من العبث أن تواصل هذه المؤسسة المهلهلة سياسة التهرب من الحل السياسي من جهة، وإلقاء الاملاءات على الشعب الفلسطيني وعلى العالم العربي من جهة أخرى. فإسرائيل التي تعيش أزمة حكم خطيرة لا تزال تتعامل على أنها سيدة الموقف.. وهي تعتمد في ذلك على موقف أمريكي متركز في إثارة الغبار من دون تحرك سياسي حقيقي أو حل عادل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بهدف التستر على التورط الأمريكي العميق في وحل العراق وعلى أزمة الإدارة الأمريكية الخانقة. فإدارة الرئيس بوش التي خرجت لاحتلال العراق من اجل إن تسيطر مباشرة وبدون الاعتماد على عكاكيزها، على بلاد النفط، باتت بحاجة إلى عكاكيزها التقليدية لتخفيف وطأة وحل العراق. وهو ما يهيئ الظروف من اجل رفض الضغوط الابتزازية التي تمارسها الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل على قمة الرياض. إن الامتحان الحقيقي "للقمة" هو مدى جرأتها على توظيف التورط الأمريكي في العراق والوضع المأزوم في إسرائيل من أجل استعادة المبادرة السياسية ورفض الابتزاز، وإعادة الاعتبار لقضية الشعب الفلسطيني- لب الصراع في الشرق الأوسط، ودعم استقلالية القرار الفلسطيني وإحقاق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وإخلاء السبيل للسلام العادل ليس في إطار خدمة الإستراتيجية الأمريكية العدوانية وإنما في إطار مواجهتها.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علي... ابن لمغربي حارب مع الجيش الفرنسي وبقي في فيتنام


.. مجلة لكسبريس : -الجيش الفرنسي و سيناريوهات الحرب المحتملة-




.. قتيل في غارات إسرائيلية استهدفت بلدة في قضاء صيدا جنوبي لبنا


.. سرايا القدس قصفنا بقذائف الهاون جنود وآليات الاحتلال المتوغل




.. حركة حماس ترد على تصريحات عباس بشأن -توفير الذرائع لإسرائيل-