الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإبداع .. تعيش إنت !!

أحمد شهاب
باحث كويتي في شؤون التنمية السياسية .

(Ahmad Shehab)

2003 / 8 / 16
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


    أدعي أن الدين في جوهره هو " فن صياغة الحياة " وأبني هذا الإدعاء على جملة من الحقائق أهمها أن الدعوة الإسلامية التي بشر بها خاتم الأنبياء قلبت منظومة الحياة السائدة ، وطرقت أبوابا لم تكن مطروقة سابقا ، وحفزت الأفراد على إتخاذ مواقعهم في الساحة بجدارة . كما تضمنت مجموعة هائلة من مفاهيم حضارية خلخلت من المفاهيم التي كانت السائدة ، وأحدثت دويا هائلا في الجزيرة العربية بداية والعالم تاليا ، والمطلع على النصوص الدينية يُلاحظ هذا المقدار من الإهتمام بتواصل عملية التغيير ، والتحرك نحو الأفضل .

 

    إن كان ما قلناه صحيحا فهو يشير بصورة واضحة إلى الخلل الكبير الذي اعترى منظومة المفاهيم في مجتمعاتنا الإسلامية ، من ركون إلى التقليد ومحاربة رياح التجديد ومقاومة حركة التطوير ، فالسلطة تعتقد أن التطوير سيكون على حسابها ، إذ ربما يستدعي إزاحة السلطة التقليدية كمقتضى من مقتضيات التطور ، والقوى الإجتماعية والسياسية في بداية انطلاقتها تتبنى مفاهيم التغيير مقابل السلطة ، وتُشجع كل المساعي الباعثة على التغيير ثُم لا تلبث بعد سنوات أن تتجمد في أطر تقليدية ، وتقاوم محاولات التجديد ، وتقلل من قيمة الإختلاف ، وتُعلي من قيمة التوافق  بالرأي ولو باستخدام القوة أو عبر استبعاد المختلفين وبمبررات " وحدوية " أو " شرعية " أو " حركية " .

 

    فمجتمعاتنا لاتزال بعيدة عن تقاليد إحترام " التفكير المختلف " رغم انه أساس نمو الذهنية الإبداعية ، فثمة رغبة جامحة تتلبس الجميع في تسيير حركة المجتمع على رتم واحد ، بالصورة التي يكرر فيها أحدنا الآخر ، في التفكير  وأسلوب الحركة ، وطريقة الحزن والفرح .

 

    يكفي مثلا أن تتجرأ كصاحب رأي على عرض فكرة جديدة وغير متفق عليها ، حتى تتناولك السهام من كل حدب وجهة ، فرأي واحد مختلف كفيل بأن يفقدك الكثير من العلاقات الأخوية والإحترام المفترض بين أهل العلم ، ربما من باب " تأديبك " !! وهو ما يدفع بالفرد إلى تلمس المزاج الإجتماعي العام قبل أن يدلي بدلوه في أي موضوع محل إثارة وحوار ، وربما يضطر لاحقا للحديث بأكثر من لسان حسب مناخ اللقاء .

 

    هذا المناخ الذي يجعل من " الإبداع " في مجتمعاتنا  .. " تعيش إنت " !! ويبني مجموعة من المتماثلين الذين ليست لهم قيمة فعلية " كمجموع " في السلم الحضاري ، إن " صياغة الحياة "  مسألة جوهرية في المجتمعات الإنسانية بصورة عامة والإسلامية بصورة خاصة ، ورغم ذلك فإن طريق " الإبداع " و " التَّميز " لا يزال يحتوي على نتوءات عقلية وذهنية ، فمنذ النشوء وحتى النهاية يدور الفرد في مجتمعاتنا بدائرة تدلل على أننا انتصرنا للتقليد السلبي ومنهجية التبعية .

 

    المجتمعات الغربية ( على سبيل المثال ) حسمت الأمر مبكرا لصالح إكتشاف ورعاية الموهوبين والموهوبات ، وقبل أيام عرضت قناة فضائية برنامجا تم الحديث خلاله عن عروض تنافسية عالية المستوى قدمتها كل من الولايات المتحدة و كندا لطفل لبناني الأصل - كندي الجنسية -  يبلغ الخامسة من العمر ، للتكفل برعاية موهبته الفذة ، وهذا الطفل نبغ مبكرا ، وتحدث ثلاث لغات أساسية ، الفرنسية والإنجليزية والعربية ، وأتقن الرياضيات ، وبرع في إستخدام الأطلس ، ويردد أسماء الله الحسنى كاملة في أقل من 90 ثانية ، وبينما قدمت كندا عرضا بإستمرار احتضانه وتوفير كافة سبل إستمرار واستثمار نبوغه ، عرضت الولايات المتحدة على الطفل منحه الجنسية الأمريكية و استقباله في إحدى مدارس الموهوبين التي سارعت بتقديم عروضها المغرية ، وعرضت على أهله إقامة دائمة وفرص لحياة أفضل .

 

    صحيح أن الإبداع عمل ذاتي بالدرجة الأولى ، ولكنه أيضا إجتماعي بدرجة كبيرة ، وضمن الترتيب العام يمكن تقديم الدور الإجتماعي على الفردي على إعتبار أن المناخ العام هو الحاضن الأساسي للمبدع ، فالأسرة تلعب بالإضافة إلى المدرسة والمجتمع بكل قواه وفعالياته دورا أساسيا في خلق ملكة الإبداع عند الفرد ، والخطوة الأولى في هذا الإتجاه هو تحديد مواهب الطفل منذ بدايات نشوءه الأولى ، وميوله ، وملكاته المختلفة ، والعمل على دعمها وتطويرها ودفع الطفل إلى الأمام بما يؤهله للإبداع والتفكير بطريقة جذابة ومبتكره .

   

 * كاتب كويتي

[email protected]

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن


.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة




.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله