الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صراعات النخب السياسية والعسكرية في الجزائر:الحزب، الجيش، الدولة 17

رياض الصيداوي

2007 / 4 / 2
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


لنطبق هذا النموذج النظري على الأحداث التي تعصف بالجزائر.

1_ الوضعية الثورية

هل توجد في الجزائر "وضعية ثورية" ؟ للإجابة على هذا السؤال وجب تطبيق العوامل الثلاثة على ما يحدث في هذا البلد.

أ- بروز معارضة ثورية

إن أول عامل في حدوث وضعية ثورية يتمثل في بروز قوة معارضة أو تحالف قوى معارضة تعمل من أجل سيطرة كلية أو جزئية على جهاز الدولة. لقد برز هذا العامل جليا منذ أحداث أكتوبر/تشرين الأول 1988 في الجزائر. تشكلت قوة معارضة ضخمة وتجمعت في وقت قصير في إطار تنظيم جماهيري أطلق على نفسه اسم "الجبهة الإسلامية للإنقاذ". طالبت هذه القوة المعارضة علانية بجهاز الدولة حتى تؤسس "حكمها الإسلامي" سواء كان ذلك عن طريق صناديق الاقتراع أو عن طريق العنف المسلح . حدث اتفاق في كل من الحالتين على غاية الاستيلاء على الدولة.
يجب دراسة المكونات الاجتماعية لهذا التنظيم. فهو يبدو للوهلة الأولى خليطا غير متجانس من فئات اجتماعية وثقافية متنوعة. يمكننا تصنيفهم إلى:
- الشباب المهمش اجتماعيا: وهو عادة ما يكون عاطلا عن العمل، عاجزا عن الزواج وتكوين أسر...هذه الفئة تمد الجبهة الإسلامية للإنقاذ بأكثر عناصرها تتطرفا. وهي التي شكلت النواة الصلبة للجماعة الإسلامية المسلحة. إنها الأكثر استعدادا للقتل، للذبح والانتقام حتى من المجتمع الذي سبق أن لفضها وهمشها. إن ظاهرة اغتصاب الفتيات بعد خطفهن في الأدغال تعبر بعمق عن هذا الحرمان والكبت الاجتماعي والجنسي. إنها فرق صدام خطيرة مستعدة للموت، فهي في نهاية المطاف لا تملك ما تخسره ومستعدة دائما لإيصال العنف إلى أقصى مدى. من هنا يمكن أن نفهم مثلا ظاهرة جمال زيتوني الذي احتل موقع أمير الجماعة الإسلامية المسلحة رغم صغر سنه وعدم فقهه الديني. لقد أتى من وسط الشباب المهمش الذي كان يعبر عن حرمانه في أشكال عنف أخرى غير العنف السياسي...حتى جاءت تجربة "الإنقاذ" فاندمج فيها كثير من هؤلاء الشباب.

- المثقفين والجامعيين: يمكن للجبهة الإسلامية للإنقاذ أن تفتخر بكم هائل من مناضليها الحائزين على درجة الدكتوراه أو الجامعيين بصفة عامة. إن قضية هذه الفئة الاجتماعية المهنية في الجزائر وغيرها من البلدان العربية تكمن في أنها مهمشة بشكل غريب، خاصة حينما تختار معارضة النظام أو الاستقلال عنه. يصل الأمر دائما إلى مستوى أن أجر أستاذ جامعي في كثير من البلدان العربية يقل بكثير عن أجر راقصة مبتدئة! الأول أمضى سنوات عمره في تحصيل العلم والبحث في المكتبات والمختبرات، والثانية، رغم أنها أمية أو شبه أمية، وجدت نفسها أفضل اجتماعيا (ماليا). وزادت الرأسمالية العشوائية من تفاقم هذه الظاهرة لصالح الطبقات الطفيلية الجديدة في حين تم تفقير الكوادر والنخب المثقفة. كما أن عددا كبيرا من هؤلاء الجامعيين مزاح من فرص صناعة القرار رغم تفوقه العلمي. فالقرار يحتكره الجيل القديم مستندا إلى الشرعية التاريخية وليس إلى الكفاءة العلمية . بحث هؤلاء الجامعيين عن حل لوضعهم المهني المادي في حركة الاحتجاج التي شكلتها الجبهة الإسلامية للإنقاذ.
نرصد أيضا أن أغلبية هؤلاء الجامعيين هم من التقنيين والمهندسين وليسو من خريجي كليات الحقوق أو الآداب أو العلوم الإنسانية أو الاجتماعية. هذه الظاهرة تستحق بعض الدرس والحفر المعرفيين. تتأكد نفس الظاهرة بوضوح من خلال انتخابات المجالس العلمية في الجامعات العربية. إذ كثيرا ما نرصد أن قائمات الإسلاميين تفوز فوزا ساحقا في الكليات العلمية والتقنية في حين تواجه صعوبات في الفوز حينما يتعلق الأمر بكليات الآداب والعلوم الإنسانية .
حاول المفكر المغربي، الدكتور محمد عابد الجابري، تحليل هذه الظاهرة، فوضع موضع اتهام النظام التعليمي في الجزائر أو في غيره من الوطن العربي. شرح "أن طبيعة التعليم المهيمن اليوم في الوطن العربي هو إما تعليم تقني مقطوع كلية عن أي تفكير في المعنى لهذه التكنولوجيا، لأنه يصنع أناس بشكل آلي ودغمائي. أو هو تعليم يركز على الأساطير ويلبد الأذهان. إن هذين النوعين من التعليم يشتركان في جذع واحد وهو غياب التساؤل النقدي: إن سؤال ماذا أو كيف لم يطرحا أبدا" . يتهم الجابري "العقل التكنولوجي" بأنه عقل "مستعد دائما لتلقي "العقائد" بنفس السهولة التي يتلقى بها القوانين العلمية. لذلك ليس من المدهش أن نرصد أن معاهد وكليات العلوم تمثل معقلا من المعاقل الهامة التي يقع فيها استقطاب النشطين الإسلاميين" .

- التجار: ويمكن حصرهم أساسا في متوسطي وصغار التجار الذين يعانون من احتكار مطلق لبعض العسكريين والسياسيين والتجار الكبار الجزائريين لعمليات التصدير والتوريد. فهم يعانون يوميا من متابعة الشرطة البلدية لهم ولأنشطتهم. كما يخضعون لاستغلال كبار الموردين الذين يستولون على النصيب الأكبر من الربح. وجدت هذه الفئة الاجتماعية في الجبهة الإسلامية للإنقاذ أملا ومتنفسا لها تكسر به الاحتكار ومن ثمة تحقق أرباح أكثر يعتبرونها مشروعة. لقد سبق لدراسات كثيرة في العلوم السياسية أن تناولت دور التجار في تمويل ودعم الحركات الإسلامية وبينت إلى أي حد يساعدون في إنجاح التعبئة أو الثورة كما حدث في إيران .
- الفقهاء و"الشيوخ": وهم على عكس ما يعتقده البعض، عددهم قليل داخل الجبهة الإسلامية للإنقاذ. اتجه أغلبهم إما إلى حركة "حمس" بقيادة محفوظ نحناح أو حتى إلى الالتحاق بأجهزة السلطة. من المؤكد أن عدد الفقهاء والشيوخ الذين التزموا أو ظلوا ملتزمين بمشروع الجبهة السياسي نادر. فالجبهة الإسلامية للإنقاذ وتفرعاتها العسكرية ليست في الواقع تجمعا لعلماء الدين والمتبحرين في علوم الفقه. فكم هو عدد المقاتلين وأمراء الجماعات الإسلامية أو الجيش الإسلامي للإنقاذ الذين درسوا مثلا فكر ابن تيمية أو الغزالي أو السيد قطب أو أبو الأعلى المودودي ولا نقل المعتزلة والمدارس العقلانية في الإسلام...إنها جبهة "شعبوية" عبرت عن احتجاج اجتماعي على حد تعبير عالم الاجتماع التونسي عبد الباقي الهرماسي، أكثر منها مشروع دولة يتضمن برنامج اقتصاد وسياسة واضحين.
يجب ملاحظة أن الطبيعة الشعبوية للجبهة الإسلامية للإنقاذ لم تكن عائقا أمام انتشارها، بل على العكس ساعدتها في اختراق كل شرائح المجتمع الجزائري وتمكنت من حشد أنصار كثيرين.

ب- التزام جانب هام من المواطنين مع المعارضة

إن العامل الثاني الذي يؤكد وجود "وضعية ثورية" في الجزائر هو التزام جانب هام من المواطنين بمطالب قوى المعارضة. يجب الاعتراف أن الجبهة الإسلامية للإنقاذ نجحت في الفترة الزمنية الممتدة منذ تأسيسها إلى سنة 1992، (سنة حظرها السياسي) في جذب تعاطف كبير تجاهها خاصة من قبل الفئات الاجتماعية والمهنية التي سبق وأن تناولناها بالتحليل. لكن هذا التعاطف تناقص بسرعة وضعف كثيرا اليوم. يفسر هذا التناقص كالتالي: إن فئة كبيرة من المواطنين قد تتعاطف أو حتى تلتزم مع المعارضة الجذرية وتقف معها في كل امتحانات الانتخابات لكن بشرط وهو أن لا تدفع ثمنا باهضا لهذا الالتزام. فهي إذا ما شعرت بأن مصالحها المباشرة مهددة مادية كانت أو أمنية تنقلب على مواقفها السابقة، تتخلى عن الذي التزمت معه حينما كان ينتصر، بقطع النظر عن عقائدها الفكرية وقناعاتها السياسية، وتتحالف مع الأقوى. ولم يكن مفاجئا انحياز بعض قيادات الجبهة الإسلامية للإنقاذ أو مناضليها القاعديين إلى النظام ومؤسسته العسكرية حينما أصبح الصراع السياسي يتطلب دفع الثمن. إن الفئات الاجتماعية المرشحة أكثر من غيرها للانقلاب على مواقفها السابقة والانضمام إلى النظام أو إلى الحركات الإسلامية الأخرى المتحالفة معه مثل "حمس" تتمثل في التجار وأرباب الأسر والفقهاء...
يجب التنبيه إلى أن خسارة الجبهة الإسلامية للإنقاذ لفئات كثيرة من أنصارها لا يعني إضمحلالها الكلي. فهي مازالت تحافظ على أنصار ملتزمين بأهدافها وفروا لها دعما "لوجيستيكيا" هائلا في المدن والأرياف والقرى الجزائرية وكذلك في الخارج. إن ما يؤكد هذا الحكم هو عجز الجيش الجزائري وقوى الدرك والشرطة على إنهاء الظاهرة الإسلامية المسلحة رغم مضي سبع سنوات من القتال. فمنذ بداية مكافحة النظام عسكريا للإسلام المسلح، وعد قائد هيئة أركان الجيش الجزائري اللواء محمد العماري بإنهاء الإرهاب في مدة شهرين، ثم سنة...وهو نفس الوعد الذي قطعه رئيس الحكومة السابق أحمد أويحي أكثر من مرة ولم يتحقق إلى حد اليوم . إن طول أمد الصراع، وكأن لا نهاية له في الأفق، وامتداده الممل عبر الزمن يعبر عن وجود دعم فعلي ومستمر لفئة من الشعب الجزائري للحركة الإسلامية المسلحة.
كما نضيف إلى دعم أنصار الجبهة دعما آخر غير مباشر هو دعم القوى السياسية الجزائرية الأخرى التى تحالفت حينا أو تقاربت أو تعاطفت أحيانا أخرى مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ. تحالفت الجبهة أو نسقت مع قوى تختلف معها جذريا في الأفكار ولكن التقت معها في المواقف. نذكر دعم حسين آيت أحمد، زعيم جبهة القوى الاشتراكية، أو أحمد بن بلا كشخصية لها ثقل سياسي تاريخي، أو التيار العربي الإسلامي داخل جبهة التحرير الوطني، أو حتى التروتسكية لويزا حنون زعيمة حزب العمال، إضافة إلى عبد الله جاب الله حينما كان يقود حركة النهضة، أو وهو يقود حزبه الجديد حركة الإصلاح الوطني. إنها، إجمالا، القوى التي وقعت على عقد "سانت إيجيديو" في روما من أجل وضع حد للعنف السياسي في الجزائر.
نرصد في المقابل أن هذا الدعم الداخلي أو الخارجي على حد السواء بدأ يتقلص تدريجيا وينحسر شيئا فشيئا مع مرور الزمن. فالجماهير الإسلامية التي انتخبت لصالح الجبهة الإسلامية للإنقاذ نجدها منذ سنة 1995 تتجه نحو حركة "حمس" وزعيمها محفوظ نحناح الذي لا يخفي عداوته لها. لتحليل وفهم ظاهرة تحول أنصار الجبهة الإسلامية للإنقاذ لا بد من دراسة السلوك الانتخابي الجزائري منذ أول انتخابات تعددية إلى آخر انتخابات رئاسية التي فاز فيها السيد عبد العزيز بوتفليقة. ومن ثمة نقسم هذه الانتخابات إلى مرحلتين. نسمي الرحلة الأولى مرحلة النجاحات الكبرى والثانية مرحلة استعادة النظام للمبادرة السياسية.

أولا: مرحلة النجاحات الكبرى

نجحت الجبهة الإسلامية في أول انتخابات تعددية شهدتها الجزائر نجاحا ساحقا بين إلى أي مدى تمكنت من تعبئة الموارد، حشد الطاقات وإحداث مفاجأة عامة. لقد تمكنت من الفوز في 850 بلدية على عدد جملي بلغ 1500 ، فكانت النتيجة ما يعادل 54%، في حين أن جبهة التحرير الوطني الحاكم في ذلك الوقت لم تحصل إلا على 28% من الأصوات وامتنع 35% من مجموع الناخبين على المشاركة. يلخص هذا النجاح في الجدول التالي:

جدول رقم (13) نتائج انتخابات 1990 البلدية والولائية
الأحزاب عدد الأصوات النسبة المئوية المعبر عنهم
الجبهة الإسلامية للإنقاذ 4.331.472 33.73 54.25
جبهة التحرير الوطني 2.245.798 17.49 28.13
جبهة القوى الاشتراكية - - -
المستقلون 931.272 7.25 11.6
التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية 166.104 1.29 2.8
أحزاب أخرى بما فيها حماس 136.110 2.41 3.88
أحزاب صغيرة - - -

يمكن تفسير هذا الفوز الكبير للجبهة الإسلامية للإنقاذ بوجود عدد كبير من المواطنين قرروا الاحتجاج على النظام القديم وسحب ثقتهم منه وفي نفس الوقت تشجيع الآتي الجديد وإعطائه فرصة للتغيير.

ثانيا: نجاح تعبئة 26 ديسمبر/كانون الأول 1991

رغم هذه الظروف الصعبة التى مست القيادة العليا للجبهة الإسلامية للإنقاذ وكثيرا من إطاراتها، فإن أحد تياراتها، الأكثر اعتدالا، أي الجزأرة بقيادة عبد القادر حشاني، فرض المشاركة في الانتخابات التشريعية التى جرت في 26 ديسمبر/كانون الأول 1991. فاجاءت نتيجة الانتخابات الجميع بما فيها النخبة الحاكمة التى كانت تنتظر فوز جبهة التحرير الوطني، أو حتى القيادة الإسلامية الجديدة التى لم تنوقع فوزا ساحقا مماثلا. فهي حصلت، منذ الدور الأول، على 231 مقعدا من أصل 430، في حين لم تحصل جبهة التحرير الوطني إلا على 15، وحصلت جبهة القوى الاشتراكية على 25 . وهو ما يبينه الجدول التالي تفصيلا:


جدول رقم (14) نتائج الانتخابات التشريعية لسنة 1991
الأحزاب عدد الأصوات النسبة المئوية المعبر عنهم
الجبهة الإسلامية للإنقاذ 3.260.222 24.59 47.27
جبهة التحرير الوطني 1.612.947 12.17 23.38
جبهة القوى الاشتراكية 510.661 3.85 7.40
المستقلون 309.264 2.33 4.43
التجمع من أجل ث. ود. 200.267 1.51 2.9
آخرون 1.004.358 7.58 14.56
حماس 386.761 2.78 5.35
أحزاب صغيرة 635.761 4.80 9.21

يفسر لهواري عدي، عالم الاجتماع الجزائري، هذه النتائج بشكل مختلف. فهو يعتقد أن الديموقراطية في حد ذاتها لم تكن تطلعا شعبيا لدى الجزائريين، بما أن أغلب الناخبين اختاروا الجبهة الإسلامية للإنقاذ في حين أن هذه الأخيرة لم تخف أبدا تقييمها للنظام الديموقراطي كنظام كافر . وفي المقابل، يعتبر أن الشعبية الساحقة التى يحظى بها الإسلام السياسي هي نتيجة لوعده "بتوزيع العائدات النفطية، أي العودة إلى الشعبوية الاقتصادية التى مارستها جبهة التحرير الوطني في سنوات الستين والسبعين" . ثم يبرر فوز الإسلاميين في أول انتخابات تعددية بأن "الشارع دخل محطما، مكسرا في شكل من الأشكال للحقل السياسي حتى يصبح بدوره فاعلا يعلن أن الدولة ليست مسألة خاصة ولكنها قضية عامة. ومن وجهة النظر هذه، تصبح ظاهرة الاحتجاج الإسلامي ظاهرة حداثة، ذلك أن الجماهير لا تصبح فاعلا سياسيا إلا في مجتمع الحداثة" .
نتج عن انتصار الجيش مبكرا في معركة المدن انحسار المد الانتخابي الإسلامي.
المرحلة الثانية: استعادة النظام للمبادرة السياسية
اعتقد النظام الجزائري أنه تمكن تدريجيا من استعادة الجمهور الناخب لصالح سياسته بعد حله للجبهة الإسلامية للإنقاذ وتشتيت صفوفها، اعتقالا، أو قتلا، أو تشريدا في الخارج. ويعتمد في رأيه هذا على نتائج الانتخابات الرئاسية لسنة 1995 التى جاءت تفاصيلها كالآتي:


جدول رقم (15) نتائج الانتخابات الرئاسية لسنة 1995
عدد الأصوات النسبة المئوية
المسجلين 15.261.731
المقترعين 11.500.209 75.35
الغائبين 3.761.522 24.65
المعبر عنهم 11.152.507 73.07
الملغاة 347.722 2.28
اليمين زروال 6.834.822 61.29
محفوظ نحناح 2.907.356 26.06
سعيد سعدي 996.835 8.94
نورالدين بوكروح 413.032 3.70

كيف يمكننا تحليل هذه النتائج؟ نرصد تحولان كبيران. الأول يتمثل في فوز اليمين زروال والثاني يتجسد في عدد الأصوات التى حصل عليها محفوظ نحناح.
نلاحظ أن الجماهير الغفيرة التي انتخبت للجبهة الإسلامية للإنقاذ تتجه اليوم إلى محفوظ نحناح زعيم حركة "حمس".
إن نسبة 61 بالمائة التى حصل عليها زروال تفسر على أساس توجه عدد كبير من الناخبين للبحث عن الاستقرار وتجنب المغامرة فاختاروا مرشح الجيش. فهي تقبل الآن بسيطرة الجيش من أجل الحفاظ على الأمن ووضع حد للصراع الذي أصبح غير محتمل للجميع. وبالنسبة لأنصار الجبهة الإسلامية للإنقاذ، تبدد أمامهم حلم الانتصار وإقامة "الدولة الإسلامية.
أين ذهبت أصوات الملايين الخمسة التى اقترعت لفائدة الجبهة الإسلامية للإنقاذ؟ من الواضح أن الجزء الكبير منها اتجه صوب محفوظ نحناح الذي يعد أكثر المستفيدين من هذه الانتخابات. وهو ما يفسر انتقال ناخبيه من697 386 إلى حوالي ثلاثة ملايين (907356 2) (من 2,87% إلى 26,06% من عدد الأصوات). أكدت هذه النتيجة فرضية وجود تيار إسلامي قوي في الجزائر غير خاضع بالضرورة لأي حزب إسلامي ولا يتعامل مع التنظيمات لكنه يتعاطف ويدلي بأصواته لأكثر المشاريع إسلامية تتقدم في منافسة الانتخابات. يتأكد هذا الاستنتاج بالحجج التالية:
أولا: دعت الجبهة الإسلامية للإنقاذ إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية، وهو ما لم يحدث، فكانت المشاركة كثيفة وتوجهت الأصوات الإسلامية إلى نحناح.
ثانيا: يعد محفوظ نحناح أكبر أعداء الجبهة الإسلامية للإنقاذ، فهو لم يشاركها في عقد روما، وشجع السلطة على اضطهادها وقدم نفسه بديلا عنها...ورغم ذلك فاز بأصوات أنصارها.
ثالثا: بينت هذه الانتخابات أن الجبهة الإسلامية للإنقاذ لم تكن في واقع الأمر خمسة ملايين مناضلا ملتزما ببرنامجها، وإنما كانت تنظيما نخبويا كغيره من التنظيمات، لكنه نجح في تعبئة قاعدة عريضة من المتعاطفين مع الفكرة الإسلامية في شكل عام. هذه الملايين الخمسة لم تكن مستعدة أن تدفع ضريبة الالتزام والنضال وما يتبع ذلك من اضطهاد وخسارة مادية ومعنوية. لقد اختار بعضها أسهل الطرق وهي الانتصار إلى مشروع إسلامي آخر، أو حتى الانضمام إلى النظام نفسه الذى أغرى كثير من قيادات الجبهة الإسلامية للإنقاذ وانضموا إليه. يمكننا ذكر أمثال كل من عبد الباقي زبدة، السيد قشي، الهاشمي سحنوني ومحمد الفقيه.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة بعد الحرب.. قوات عربية أم دولية؟ | المسائية


.. سلطات كاليدونيا الجديدة تقرّ بتحسّن الوضع الأمني.. ولكن؟




.. الجيش الإسرائيلي ماض في حربه.. وموت يومي يدفعه الفلسطينيون ف


.. ما هو الاكسوزوم، وكيف يستعمل في علاج الأمراض ومحاربة الشيخوخ




.. جنوب أفريقيا ترافع أمام محكمة العدل الدولية لوقف الهجوم الإس