الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كامو في كومبا

رحيم العراقي

2007 / 4 / 2
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


مؤلف كتاب : كامو في كومبا هو الناقد الأميركي دافيد كارول المختص بشؤون الأدب الفرنسي. وهو هنا يقدم لقراء اللغة الانجليزية صورة معينة عن فكر ألبير كامو ونضاله السياسي أثناء الحرب العالمية الثانية، أو قل بدءا من أواخرها وحتى نهاياتها أو ما بعدها بقليل.
والواقع أن ألبير كامو لم يكن فقط روائيا أو فيلسوفا وإنما كان أيضا كاتبا سياسيا منخرطا في هموم عصره وقضاياه مثل صديقه اللدود جان بول سارتر.
بمعنى آخر فإن كامو كان صحافيا أيضا ويكتب عن الأحداث الجارية من يوم ليوم كما يفعل بقية الصحافيين. وكلمة «كومبا» باللغة الفرنسية تعني الكفاح. والواقع أن مؤسسيها كانوا يقصدون بها مكافحة المحتل الألماني. وقد كتب فيها ألبير كامو مقالات سرية في البداية ودون توقيع لأن الألمان كانوا يلاحقون كتّابها.
ومن بين المقالات الشهيرة التي كتبها آنذاك: رسالة إلى صديق ألماني. وفيها يستعرض أفكاره حول الصراع التاريخي بين الفرنسيين والألمان ويأسف لأن الأمور وصلت إلى مثل هذا الحد من العداء بين الشعبين.
ثم يردف المؤلف قائلاً: في عام 1944 وبواسطة ناقد يدعى «باسكال بيا» انخرط ألبير كامو في المقاومة السرية تحت اسم مستعار. وفي ذات الوقت راح يكتب مقالات لجريدة المقاومة التي تدعى «كفاح» أو «كومبا» كما قلنا.
ومن بين المقالات الهامة التي كتبها آنذاك نذكر مقالة بعنوان: لمواجهة الحرب الكلية لا حل إلا بالمقاومة الكلية. وهذا يعني أن ألبير كامو كان من مؤيدي النضال الكامل ضد الاحتلال النازي على عكس بعض الكتاب الآخرين الذين تعاونوا معه أو سكتوا عليه.
ثم كتب صاحب «الغريب» و«الطاعون» و«أسطورة سيزيف» مقالة أخرى بعنوان: على مدار ثلاث ساعات راحوا يطلقون النار على الفرنسيين.
وهي مقالة حماسية ملتهبة تتحدث عن معاقبة الألمان لأهالي قرية فرنسية عن طريق تصفية ستة وثمانين رجلا منها أمام سكان القرية كلها. والسبب هو أنهم اتهموهم بمحاولة تفجير قطار كان يحمل معدات وجنودا من ألمانيا. وبالتالي فقد أهانوا الشعب الفرنسي بالفعل.
في ذلك الوقت تعرف ألبير كامو لأول مرة على جان بول سارتر، ولويس أراغون وزوجته إليزا، والشاعر فرانسيس بونج وبعض الآخرين الذين سيكون لهم شأن في الأدب الفرنسي لاحقاً.
والواقع أن الألمان سارعوا إلى اعتقال عشرات الشخصيات الفرنسية في الأسابيع القليلة التي سبقت تحرير باريس على يد الجنرال ديغول. ومن بين المستهدفين بالاعتقال كان ألبير كامو. ولكن بعض الأصدقاء نبهوه إلى خطورة الوضع في الوقت المناسب فهرب إلى مكان آخر واختفى ولم يعد يرجع إلى بيته كل مساء كما هي العادة.
لقد هرب على الدراجة مع صديقه ميشيل غاليمار الذي سيموت معه عام 1960 في حادث السيارة الشهير على طريق ليون ـ باريس. ومعلوم أن كامو اشتغل عند دار نشر غاليمار كقارئ أو مراجع للمخطوطات من أجل كسب عيشه، وهذا بالإضافة إلى عمله الصحافي. ومنذ ذلك الوقت توثقت علاقاته مع ميشيل غاليمار وعائلته الغنية
وبعد تحرير باريس وعودة الأمور إلى طبيعتها واصل ألبير كامو عمله الصحافي على رأس هذه الجريدة الكفاحية ولكن هذه المرة بشكل علني وبدون حاجة إلى الاختفاء أو تغيير الاسم والهوية. وباعتراف الجميع فإن جريدته كانت من أحسن الجرائد الفرنسية في ذلك الوقت إن لم تكن أحسنها.
وقد زادت شهرتها إلى درجة أن كبار كتّاب فرنسا راحوا يتوافدون عليه في مقر الجريدة للقائه وتقديم مقالاتهم له. نذكر من بينهم سارتر، سيمون دوبوفوار، اندريه مالرو، ميشيل ليريس، اندريه جيد، برنانوس، باتاي، الخ.
ثم يردف المؤلف قائلاً: وقد كتب ألبير كامو افتتاحية مهمة يقول فيها: الآن، وبعد أن أصبحنا أحرارا ونمتلك كل وسائل العمل الصحافي فإن مسؤوليتنا تجاه بلادنا أصبحت ضخمة. ينبغي أن تعكس هذه الجريدة هموم فرنسا وصوتها الشعبي والإنساني العميق. وإذا ما استطعنا أن نجعل من هذه الجريدة صوت الحقيقة والحيوية بدلا من صوت الحقد والانتقام فإننا نكون قد أدينا واجبنا.
إذا ما استطعنا أن نجعل منها صوت الحقيقة الموضوعية لا البلاغيات الإنشائية الفضفاضة فإننا نكون قد أدينا واجبنا تجاه فرنسا والنزعة الإنسانية العميقة.
ثم كتب ألبير كامو بعدئذ مقالة افتتاحية بعنوان: الصحافة النقدية، وفيها يلوم الصحافة لأنها تتسرع في نقل الأخبار دون أي نقد أو تمحيص دقيق. كل همها يكمن في سبق غيرها إلى نقل المعلومة الجديدة أو الخبر الطارئ. أما هو فيعتقد أن المهمة الأساسية الملقاة على عاتق الصحيفة الناجحة والمسؤولة هي: قول الحقيقة أولا وقبل كل شيء.
ينبغي أن نقول الحقيقة إلى البشر لكي يعرفوا وضعهم جيدا ويتصرفوا على هذا الأساس.
ثم يردف المؤلف قائلا: والواقع أن قول الحقيقة كان دائما هاجسه العميق. وقد اعترفت بذلك سيمون دو بوفوار في كتابه «قوة الأشياء مرتين». قالت: كان ألبير كامو يلح دائما على موضوع واحد يهمه ويشغل باله على ما يبدو.
وكان يقول باستمرار: ينبغي أن نكتب الحقيقة يوما ما، وهذا يعني أنه كان كاتباً أصيلاً وحقيقياً.
وفي أحد الأيام كان سهرانا مع سارتر وبعض الأصدقاء وبعد أن شربوا النبيذ كثيراً صرخ قائلاً: آه، ليتنا نستطيع أن نقول الحقيقة! وكثيراً ما كان يوبخ الصحافيين الذين لا ينقدون أنفسهم من وقت لآخر ولا يحترمون الحقيقة في كتاباتهم. وإنما كل همهم أن يرضوا هذه الجهة أو تلك، هذه الشخصية النافذة أو تلك: ففي رأيه أنه ينبغي أن نرضي الحقيقة أولا وقبل كل شيء.
وكان يدعو الجميع، بمن فيهم نفسه، إلى ممارسة النقد الذاتي من وقت لآخر. فالإنسان لا يتقدم إلى الأمام إلا عن طريق هذا النقد الضروري لكيلا يتكلس فكره أو يتحجر
ثم يردف المؤلف قائلا: كان ألبير كامو هو الدينامو المحرك للجريدة. كان يشع على جميع الصحافيين بأنواره، وتألقه، وقوة شخصيته، وعبقريته.
وكان فرحا بالحياة ومبتسماً لأن النازية سقطت وفرنسا تحررت. وفجأة يحصل حدث رهيب أدى إلى سقوطه في نوع من التشاؤم الأسود. فبعد أن استخدمت أميركا القنبلة الذرية لأول مرة في هيروشيما وقتلت مئات الآلاف من الضحايا كتب يقول:
إن الحضارة الميكانيكية أو التكنولوجية توصلت أخيرا إلى أعلى درجات الوحشية والهمجية. وفي المستقبل القريب علينا أن نختار بين الانتحار الجماعي للبشرية أو الاستخدام الذكي والعقلاني للتكنولوجيا المتطورة.
وطيلة حياته اللاحقة راح ألبير كامو يدعو إلى السلام بين الأمم لأنه البديل الوحيد عن البربرية والفناء الكامل للبشرية.
ثم استقال ألبير كامو من اللجنة الوطنية للكتاب الفرنسيين أي ما ندعوه الآن باتحاد الكتاب. والسبب هو أنه لم يكن راضيا عن الجو السائد بعد التحرير. فالكثيرون أرادوا الانتقام من خصومهم عن طريق اتهامهم بالتعامل مع الألمان سابقاً.
وكانت هذه التهمة خطيرة في فرنسا آنذاك وتؤدي إلى إيقاع الأذى بصاحبها. وفي إحدى المرات ذهب كامو إلى المحكمة لحضور محاكمة أحد العملاء السابقين.
ولكنه لم يستطع أن يكمل الجلسة على الرغم من اقتناعه بوجاهة التهمة. لماذا؟لأنه لم يستطع رؤية الألم الرهيب على وجه المتهم. وكتب يقول: في أعماق كل متهم أو كل مذنب يوجد شيء من البراءة. إني ضد الحكم بالإعدام.
فالبعض تعاونوا مع المحتل غصبا عنهم ولا ينبغي أن نعاقبهم بالقتل. ثم إني غير قادر على الحقد على أعدائي! فهم بشر في نهاية المطاف. ولهم أهل وأقرباء يحبونهم ولا أريد أن أكون مسؤولا عن إدانتهم. هذا فوق طاقتي، لا أريد أن أفجع أحدا بابنه أو أبيه أو قريبه الحميم في كل الأحوال.
وأثبت ألبير كامو بذلك أنه إنسان مليء أو مفعم بالنزعة الإنسانية العميقة. وربما لهذا السبب لم يعش طويلا. فقد مات بحادث سيارة بعد أن نال جائزة نوبل للآداب وعمره لا يتجاوز السابعة والأربعين عاما. لقد مات في عز الشباب والعطاء والإبداع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أكسيوس: الولايات المتحدة علّقت شحنة ذخيرة موجهة لإسرائيل


.. مواجهات بين قوات الاحتلال وشبان فلسطينيين أثناء اقتحامهم بيت




.. مراسل الجزيرة: قوات الاحتلال تقوم بتجريف البنية التحتية في م


.. إدارة جامعة تورنتو الكندية تبلغ المعتصمين بأن المخيم بحرم ال




.. بطول 140.53 مترًا.. خبازون فرنسيون يعدّون أطول رغيف خبز في ا