الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصحراء الغربية بين الحكم الذاتي و الانتفاضة .. دراسة تكشف الصحراوي ‏محصور بين النار ‏والبحر

السالك مفتاح

2007 / 4 / 2
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


‏ في أواخر فبراير 2007، أحيا الوطنيون في الصحراء الغربية الذكرى الواحدة و ‏الثلاثين لدولتهم، ‏الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، و لم تجر الاحتفالات ‏الرسمية في العيون العاصمة المعلنة ‏للصحراء الغربية، و إنما في بلدة التفاريتي ‏قرب الحدود مع الجزائر وذلك يرجع إلى أن معظم أراضي ‏الصحراء الغربية واقعة ‏تحت الإدارة و الاحتلال العسكري المغربي، الذي يطالب بملكية تلك الأرض القاحلة. ‏‏فحركة الاستقلال للصحراء الغربية بقيادة جبهة البوليساريو و الجمهورية العربية ‏الصحراوية الديمقراطية ‏تتواجد بشكل كبير في المنفى، شأنها في ذلك شأن نصف ‏السكان الأصليين تقريبا، حيث يعيش حوالي ‏‏100.000 صحراوي في مخيمات ‏للاجئين جنوبي غرب الجزائر قرب مدينة تيندوف منذ أعلنت جبهة ‏البوليساريو ‏جمهورية مستقلة في سنة 1976 . جيل بأسره وصل الشيخوخة في المخيمات دون ‏أن يعرف ‏شيئا غير حياة اللجوء في عزلة تامة عن وطنه الأم. أما النصف الآخر من ‏السكان، أي الصحراويون الذين ‏يعيشون تحت الاحتلال المغربي، فقد تحولوا إلى ‏أقلية في وطنهم و أصبحوا يعيشون على الهامش بعد ثلاثة ‏عقود من "المغربة".‏
‏ و رغم هذه الحقائق، أو ربما بسببها، يبقى الشعور بالوطنية الصحراوية فكرة قوية ‏لدى الكثير من ‏الصحراويين، و يبقى الدور القيادي للبوليساريو بدون منازع. فعلى ‏العكس من العديد من الحركات التحررية ‏الإفريقية و الشرق أوسطية لم تنقسم ‏البوليساريو أبدا إلى فصائل ولم تلجأ أبدا إلى القوة المفرطة للحفاظ على ‏الانسجام، ‏ولم تظهر إشارات الانقسام الداخلي إلا في الأعوام الأخيرة ويعود ذلك بشكل كبير ‏إلى الإنترنت. ‏ومع ذلك فالانتقاد الداخلي يتمحور حول التكتيك وأسلوب قيادة نخبة ‏البوليساريو أكثر منه حول البوليساريو ‏نفسها.‏
‏ إن النجاح الكبير الذي حققه مؤسسو البوليساريو يتمثل في كونهم أنشئوا حركة ‏سياسية تعتمد الآن على ‏نفسها في البقاء، والأهم من ذلك أنها ذاتية الدوافع. ولكن ذلك ‏يعتبر جزءا من المشكل فبعد أن ربت الشباب ‏الصحراوي على شعار " كل الوطن أو ‏الشهادة" تجد نخبة البوليساريو نفسها أسيرة خطابها التحريضي. لقد ‏بات من غير ‏الممكن منطقيا و لا عمليا أن تساوم جبهة البوليساريو على هدفها الجوهري المتمثل ‏في ‏الاستقلال. فإذا قامت البوليساريو بهذا العمل فهذا سيعني أنها لم تعد هي ‏البوليساريو، و في تلك الحالة لن يعد ‏مناصروها- الوطنيون الصحراويون- في حاجة ‏إليها.‏
‏ ‏المنطق الجيوسياسي البارد، يختزل الكاتب تعامل الامم المتحدة ومن ورائها الدول الفاعلة في مجلس الامن بالقضية الصحراوية بالقول : " و مع ذلك فالمساومة على ذلك الهدف هو تماما ما سيفرضه مجلس الأمن على ‏البوليساريو، عاجلا أو آجلا.‏
علنيا يساند مجلس الأمن حق تقرير المصير للصحراء الغربية و هو الحق الذي ‏دعمه المجتمع الدولي لأول ‏مرة في سنة 1965 عندما كانت الأرض الصحراوية ‏ملكية استعمارية إسبانية. و منذ 1991 حافظت الأمم ‏المتحدة على بعثة في الصحراء ‏الغربية لغرض تنظيم استفتاء على الاستقلال. فالصحراء الغربية، التي ‏تعترف الأمم ‏المتحدة بكونها إقليم واقع تحت إدارة أجنبية ( و آخر مستعمرة في إفريقيا ) لها حق ‏ثابت في ‏تقرير المصير وفق الشرعية الدولية. و رغم ذلك، فقد أعلن المغرب و ‏بشكل صريح أنه لن يضع مطلبه ‏بالسيادة محل اختبار نهائي عن طريق التصويت ‏على تقرير المصير. فالمغرب لا ينوي النظر إلا في اتفاق ‏حول الوضع النهائي ‏متفاوض بشأنه و يحتوي على بعض إجراءات الحكم الذاتي للصحراء الغربية، أما ‏تقرير ‏المصير فلا وجود له على طاولة المفاوضات.‏
‏ في 31 أكتوبر 2006 مرر مجلس الأمن القرار 1720 و الذي " يعيد التأكيد على ‏التزام مجلس الأمن ‏بمساعدة الطرفين على التوصل إلى حل سياسي عادل، دائم و ‏مقبول من الطرفين و يفضي إلى تقرير ‏المصير لشعب الصحراء الغربية". و بعبارة ‏أخرى و رغم الإشارة إلى "تقرير المصير"، لن يفرض شيء ‏على المغرب. فمجلس ‏الأمن، و بتوجيه من الحلفاء الرئيسيين للمغرب، الولايات المتحدة و فرنسا، يريد ‏اتفاقا ‏بين البوليساريو و المغرب، "يرضي الطرفين" و يتم التفاوض حوله و تطبيقه ‏بشكل إرادي، فهو من جهة ‏ينادي بتصويت على الاستقلال و من جهة أخرى يقول ‏للبوليساريو أنه لن يفرض هذا الاقتراع، و هذا يعني ‏أن شروط مجلس الأمن لتحقيق ‏السلام في الصحراء الغربية تقضي بالتضحية بتقرير المصير.‏
‏ إن الإيمان بهذا المنطق – بالإضافة إلى التشجيع اللبق من طرف واشنطن و باريس ‏ـ هو الذي دفع ‏المغرب إلى الترويج للحكم الذاتي "لأقاليمه الجنوبية" كحل بديل ‏للاستفتاء. منذ نهاية 2006 أجرى الملك ‏محمد السادس حوارا داخليا حول مفهوم ‏الحكم الذاتي، و أعيد المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية ‏إلى الوجود، ‏كإشارة إلى ما يشبه التشاور مع الصحراويين. و في فبراير أطلع المغرب شفهيا ‏مسؤولين من ‏فرنسا، الولايات المتحدة، إسبانيا و بريطانيا على مشروعه للحكم ‏الذاتي، كما سيقدم اقتراحا مكتوبا، و الذي ‏أستغرق إعداده ما يقارب العامين، إلى ‏مجلس الأمن في شهر أبريل. و إذا كانت هناك أية عجلة في ‏التصرفات المغربية، ‏فليس السبب بقاء المستقبل السياسي للصحراء الغربية غير محسوم، و لكن السبب ‏يرجع ‏إلى أن الملك محمد السادس يأمل أن يبارك مجلس الأمن الحكم الذاتي قبل أن ‏يغادر أكبر المحسنين إليه، ‏الرئيسين جورج بوش و جاك شيراك، السلطة. و في ‏الواقع فإن تشجيع أولياء أمره لم يعد لبقا، فشيراك قد ‏وصف المشروع المغربي ‏‏"بالبناء" في حين لقبه نائب وزير الخارجية الأمريكي نيكولاس بيرنز "بالواعد".‏
‏ و رغم أن البوليساريو تشعر بضغط دولي عليها لتساوم، و لكنها تشعر بضغط أكبر ‏للمقاومة. فنفس المنطق ‏البارد الذي يمنح المغرب الارتياح، يولد الإحساس بخيبة ‏الأمل لدى الوطنيين الصحراويين. و اللاجئون على ‏وجه الخصوص، لديهم وعي تام ‏بأن قضيتهم توجد في مأزق.‏
‏ وكانت التوترات قد بدأت بالغليان في المناطق المحتلة من الصحراء الغربية و ‏اندلعت مظاهرات غير ‏مسبوقة في ماي 2005. وبخلاف المظاهرات السابقة ‏المعبرة عن التذمر بين صفوف الصحراويين، فهذه ‏المظاهرات تطالب بشكل صريح ‏بالاستقلال بدلا من الزيادة في الحقوق و الوظائف. و منذ ذلك الحين ‏تمخضت ‏التحشدات عن صدامات يومية أقل حجما بين الشبان الصحراويين و قوات الأمن ‏المغربية. و لا ‏يبدو مسار هذه القلاقل، و التي تعرف لدى الصحراويين بالانتفاضة، ‏واضحا و ذلك راجع جزئيا إلى التعتيم ‏الإعلامي شبه التام الذي يفرضه المغرب. و ‏لكن الصحراويين تم دفعهم إلى النظر في إجراءات أكثر تشددا. ‏و إلى حد الآن ‏يصغي الشباب إلى النداءات بعدم العنف الصادرة عن الناشطين الأكبر سنا. و لكن و ‏إذا ما ‏صعد المغرب من قمعه فقد لا يكون في مقدور البوليساريو ـ أو في نيتهاـ منع ‏عناصر من جيشها المتموقع ‏على طول خط هدنة 1991، من استدراج القوات ‏المغربية إلى إطلاق النار. ‏
‏ جبهة البوليساريو واقعة بين قوتي ضغط متنافرتين، الحكم الذاتي و الانتفاضة، و ‏كيفية تعامل الحركة معهما ‏في الأشهر القادمة سيحدد مستقبل الصحراء الغربية.‏
‏ تأسست البوليساريو، الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء و وادي الذهب، في ‏ماي 1973 حين قامت ‏مجموعة من البدو الصحراويين بمهاجمة حامية استعمارية ‏إسبانية في ما كان يعرف آنذاك بالصحراء ‏الإسبانية، و البوليساريو تمخضت عن ‏حركة سابقة لتحرير الصحراء الغربية، حركة التحرير، و التي قمعتها ‏إسبانيا في ‏‏1970. و قد استفادت حركة التحرير كثيرا من تجربة المقاومة الصحراوية ـ ‏الموريتانية ـ ‏الجزائرية ـ المغربية و التي لم تعمر طويلا، 1957ـ1958 ، و التي تم ‏كسر شوكتها بتعاون إسباني ‏فرنسي. تلك الانتفاضة جاءت فقط 25 عاما بعد أن ‏أعلنت إسبانيا أنه لم تعد هناك مقاومة مسلحة لملكيتها ‏للإقليم. فمنذ تأسيسها لأول ‏مستعمرة في سنة 1884 و إلى ذلك الحين 1934، واجهت إسبانيا مقاومة ‏متقطعة. ‏
‏ لقد كان أكبر انتصار للبوليساريو في حربها ضد إسبانيا ( 1973ـ1975) هو الدعم ‏الشعبي الذي ‏استطاعت أن تحصل عليه، فقد قالت بعثة أممية زارت الإقليم في سنة ‏‏1975في تقريرها أنه لم تكن أية ‏حركة، بما في ذلك الحركات التي تدعمها إسبانيا و ‏المغرب، تبدو للعيان أكثر شعبية من البوليساريو. كما ‏تلقت حركة تحرير الصحراء ‏الغربية دفعا آخرا كبيرا في 16أكتوبر 1976 حين رفضت محكمة العدل ‏الدولية ‏مطالب المغرب و موريتانيا بالصحراء الغربية إذ نادت محكمة لاهاي بتنظيم استفتاء ‏لتقرير المصير.‏
‏ ‏ ‏ و رغم أن تقرير المصير لم يحدث بعد، إلا أن البوليساريو أعلنت جمهوريتها في ‏‏27فبراير1976في منطقة ‏بئر لحلو النائية. و في نفس الوقت كان المسؤولون ‏الأسبان يسلمون السلطة على الإقليم إلى المغرب و ‏موريتانيا على إثر معاهدة سرية ‏عقدت في 14 نوفمبر 1975. لقد أقنع الغزو المغربي الموريتاني الكثير من ‏‏الصحراويين بالهروب من الإقليم ليجدوا طريقهم لاحقا إلى الجزائر، أين بقوا إلى ‏اليوم. و رغم أن موريتانيا ‏أسقطت مطالبها لاحقا، فقد خاض المغرب و البوليساريو ‏حربا لمدة 15 عاما جرت فيها المواجهة بين الجيش ‏المغربي المسلح من الغرب و ‏الممول من السعودية و معرفة مقاتلي البوليساريو ـ السكان الأصليين ـ ‏للأرض ‏بالإضافة إلى التسليح الجزائري و الليبي الخفيف. و بعد أن عرفت الحرب ركودا في ‏منتصف ‏الثمانينات، توقفت في عام 1991 عندما توصلت الأمم المتحدة إلى وقف ‏لإطلاق النار.‏
‏ وافق المغرب على وقف إطلاق النار لأنه كان يعول على رعاية مصالحه في ‏مجلس الأمن من طرف ‏الولايات المتحدة و فرنسا، و لبت البوليساريو نداء الأمين ‏العام للسلام لأنها وعدت باستفتاء حول الاستقلال و ‏الذي حرمت منه لزمن طويل.‏
‏مسلسل سلام متراجع، يلاحظ الكاتب البريطاني في هذه الدراسة ويعود بملف القضية الى المربع الاول : "‏ إذ بدا أن مسلسل السلام في الصحراء الغربية يسير بخطى متثاقلة، فذلك لأنه في ‏الواقع كان يسير إلى ‏الوراء. منذ 1981 و إلى غاية 1999 كانت المفاوضات ‏مسبوقة بتعهد من الملك الحسن الثاني بالسماح ‏بأجراء واحترام استفتاء حول ‏الاستقلال. و تحت شروط مخطط السلام الأممي الذي مهد لوقف إطلاق النار، ‏‏حاولت المينورسو عبثا من 1991 و إلى 1999 تطبيق الاستفتاء . و بدا أنه منح فرصة جديدة ‏للاانبعاث سنة 1997 عندما عين الأمين العام الجديد ‏كوفي عنان وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس ‏بيكر كمبعوث شخصي له إلى ‏الصحراء الغربية. ‏
‏ و لكن الاستفتاء و دعم المغرب له ماتا فعليا بموت الملك الحسن الثاني سنة 1999 ‏‏. أول الخطوات الكبرى ‏التي قام بها الملك محمد السادس هي إقالة وزير الداخلية ‏إدريس البصري المشرف(...) ‏هذا التصرف الجسور و الذي استقطب بال الملاحظين داخل وخارج المنطقة كان ‏الغرض ‏منه إعلان القطيعة مع الماضي المظلم للمملكة، لكن أيضا كان إزاحة لأكبر ‏مناصري الاستفتاء في ‏الصحراء الغربية من النظام القديم.‏
‏ لقد كان جزء من مهمة البصري في عهد الملك الحسن الثاني،بالاضافة للامن ، ‏ترتيب الانتخابات. فإذا كان بإمكانه الحصول على أصوات 90 ‏‏% من المغاربة لصالح الدستور، سيتمكن ‏بالتأكيد من إغواء 120.000 صحراوي ‏لاختيار الانضمام إلى المغرب. و لكن بحلول منتصف سنة 1999 ‏بات من الواضح ‏أن تكتيك البصري ـ ملأ اللوائح الانتخابية بالمغاربة على أنهم صحراويين ـ قد باء ‏‏بالفشل. ‏
‏ في الوقت الذي كان يغادر فيه البصري، كان مجلس الأمن يتلقى درسا قاسيا في ‏تيمور الشرقية، فبينما كان ‏المينورسو يعلن عن لوائح التصويت في الصحراء ‏الغربية، تحول إستفتاء تقرير المصير في تيمور الشرقية ‏وبسرعة إلى حمام دم. فقد ‏تعرض التيموريين مرة أخرى إلى التهديد من طرف الجيش الاندونيسي بعد أن ‏‏رفضوا عرض إندونيسيا للحكم الذاتي وتمسكوا بقوة بخيار الاستقلال وبسبب ‏الضغوط القوية للتدخل، إضطر ‏مجلس الأمن إلى إستخدام القوة لحماية تيمور ‏الشرقية. وفي الصحراء الغربية كانت الأمم المتحدة تميل إلى ‏حدوث سيناريو مماثل. ‏‏وعليه لم يكن مفاجئا تناول كوفي عنان في أول تقرير له في فبراير 2000 حول ‏الصحراء الغربية، ‏لمجموعة من النقاط تعارض الاستمرار في العمل بمخطط ‏التسوية لسنة 1991، واحدة من هذه النقاط كانت ‏‏" أنه لا يمكن تحديد وبدقة وقتا ‏لهذا الاستفتاء " لان الأطراف لم تتفق بعد على من يحق له التصويت، وأكثر ‏أهمية ‏من ذلك، يشير الأمين العام إلى " وحتى لو نظم الاستفتاء فرضا...و كانت النتيجة ‏غير مقبولة ولا ‏معترف بها من قبل أحد الأطراف، يجب الإشارة إلى عدم وجود آلية ‏تسمح باستخدام القوة لمعالجة ذلك". ‏وبكلمات أخرى، فالمغرب قد يخسر الاستفتاء ‏ويرفض مغادرة الإقليم، وسيكون مجلس الأمن غير مهيأ ‏للتدخل، بحسب اعتقاد الكاتب في ظل عدم ادراج القضية ضمن البند السابع .‏
في أواخر سنة 2000 قال المغرب أنه ينوي منح بعض صلاحيات التسيير المحدودة ‏للقادة المحليين في ‏‏" أقاليمه الصحراوية"، وكان بيكر قد إقترح، كبداية ‏لمبادرته، أربع سنوات من الحكم الذاتي المميز للصحراء ‏الغربية متبوعا باستفتاء ‏نهائي للحل. وكان المغرب مسرورا بالمقترح، لان كلمة " الاستقلال " كانت غائبة ‏‏بشكل واضح من النص وكان آلاف المغاربة ممن إستوطنوا في الصحراء الغربية ‏عندما كان البصري مكلفا ‏بالموضوع مسموح لهم بالتصويت في الاستفتاء. ولنفس ‏الأسباب كان رفض البوليساريو سريعا وقاطعا.‏
وقام مجلس الأمن بتمديد مهمة جيمس بيكر من أجل محاولة أن توصل دبلوماسيته ‏إلى نتيجة، وعليه وفي ‏القرار 1429 الصادر في يوليو 2002 أوضحوا رؤيتهم ‏للحل في " تأمين حل عادل ودائم ومقبول لدى كل ‏الأطراف ويؤدي إلى حق تقرير ‏المصير لشعب الصحراء الغربية"، وفي لغة واضحة جدا يدعو مجلس الأمن ‏إلى ‏إستفتاء يتضمن خيار الاستقلال. وفي هذا الإطار قدم بيكر مخططه " مخطط السلام ‏لتقرير مصير شعب ‏الصحراء الغربية " في مطلع سنة 2003.‏
التسوية الأخيرة:‏
أثناء عملية السلام، قدمت البوليساريو تنازلات عديدة من أجل التسوية ولكن بعين ‏مفتوحة على هدفها ‏الاستراتيجي المتمثل في الاستقلال عبر تقرير المصير، وترمي ‏تنازلات البوليساريو التكتيكية إلى هدفين: أولا ‏إحراج المغرب وثانيا تقديم جميل إلى ‏مجلس الأمن.‏
وبعد فترة طويلة من نكران أنها يمكن أن تقدم تنازلا قيما، قامت البوليساريو وعلى ‏نحو مفاجئ بقبول " ما لا ‏يقبل " وهو أكثر ما يمكن أن يعكر على المغرب ويسعد ‏مجلس الأمن، ومن الأمثلة البينة هنا رفض ‏البوليساريو القاطع من سنة 1988 حتى ‏‏1993 لقبول أي مصوتين في إستفتاء مستقبلي غير مسجلين في ‏الإحصاء الاسباني ‏لسنة 1974 ( تم الرجوع لهذا الموضوع سنة 1994 )، رفض البوليساريو قبول ‏مصوتين ‏من مجموعات قبلية معينة ليس لديها نفوذ في الصحراء الغربية ( تم ‏الرجوع لهذا الموضوع في خطة بيكر ‏ضمن اتفاقيات هيوستن يناير 1997 )، ‏ورفض البوليساريو لقبول مجموعة صغيرة من المصوتين تم تسجيلها ‏بتسهيلات من ‏المغرب ( تمت مراجعة ذلك في 1999 ). وفي كل هذه الحالات أخذت تكتيكات ‏البوليساريو ‏القصر على حين غرة، جاعلة المغرب يبدو الطرف المعرقل في عملية ‏تحديد هوية المصوتين. ومن عام ‏‏2000 حتى العام 2002 واصلت البوليساريو ‏مناورتها بتقديم تنازلات دراماتيكية لبعث الحياة في مخطط ‏التسوية لسنة 1991، إلا ‏أن بيكر حينها كان خارج اللعبة.‏
وكانت اللعبة الجديدة، مخطط بيكر 2003، إنطلاقة جوهرية من حيث ما كانت ‏البوليساريو تتمسك به في ‏السابق، وكان المخطط يتبع نفس صيغة الأربع سنوات من ‏الحكم الذاتي مثل ما ورد في مقترح 2001 عدا ‏أن الاستفتاء النهائي يتضمن ‏بوضوح خيار الاستقلال، ولكنه أيضا يتضمن المستوطنين المغاربة مانحا ‏المغرب ‏هامشا من التفوق الرقمي في التصويت. ورغم أن النقاد يصفون المخطط بأنه هبة ‏واضحة للمغرب ‏إلا أن مؤيديه في الأمم المتحدة يحاجون بأن البوليساريو سيكون ‏لديها أربع سنوات من الحكم الذاتي لتتمكن ‏من إقناع المستوطنين المغاربة بالانضمام ‏إليها في التصويت لصالح الاستقلال.‏
وفي الوقت الراهن قبلت البوليساريو بالمقترح ورفضه المغرب، ورغم أن بيكر قدم ‏العديد من المقترحات إلا ‏أن الملك محمد السادس كان في موقف يصعب فيه منح أي ‏إستفتاء على الاستقلال... حتى تحت الشروط ‏السخية التي يوفرها مخطط 2003. لقد ‏كان المغرب مشغولا بتأثيرات التفجيرات الانتحارية ماي 2003 في ‏الدار البيضاء، ‏فالصورة التي قدمها عن نفسه... جزيرة سلام في بحر من الإرهاب... قد تلاشت في ‏ظلمة ‏ليلة واحدة، وتم تأجيل الانتخابات، وأجبر الحزب الإسلامي الأهم على تقليص ‏أنشطته ونفذت قوات الأمن ‏المغربية إجراءات صارمة ضد النشطاء الإسلاميين ‏ووضعت الآلاف منهم قيد الحجز.‏
كان بيكر يرغب في الحصول على تبني قوي لمخططه غير أنه تحصل على أقل من ‏ذلك بكثير، وحسب ‏العديد من الملاحظين كان غريبا من إدارة بوش أن تبذل القليل ‏من الجهد لمساندة بيكر في الصحراء الغربية. ‏ولكن في عهد 11 سبتمبر، تضع ‏واشنطن العديد من الاعتبارات تحد من آثار وأفكار ويلسون المتعلقة بتقرير ‏المصير. ‏لقد قويت الروابط الثنائية بين المغرب والولايات المتحدة بشكل كبير بانضمام ‏المغرب إلى الحرب ‏العالمية على الإرهاب، وفي نفس الشهر الذي غادر فيه بيكر ‏ملف الصحراء الغربية، يونيو 2004، كافأت ‏الولايات المتحدة المغرب باعتباره " ‏الحليف الأول من خارج حلف الناتو" وعقدت معه كذلك اتفاقية للتجارة ‏الحرة. ‏وتعرف منظمة هيومن رايتس ووتش وحقوقيون مغاربة المغرب بأنه أحد معاقل ‏‏CIA‏ " المواقع ‏السوداء" أين يتم التنسيق لتحديد " أهداف عالية القيمة " في الحرب ‏على الإرهاب، كما يشير الدبلوماسيون ‏المغاربة الآن إلى أن العلاقات المغربية مع ‏واشنطن لم تشهد هذا المستوى من التحسن من قبل.ولتقييم مكانة ‏الصحراء الغربية ‏في العلاقات المغربية مع واشنطن يقول ناقد رسمي من الاتحاد الأوروبي لـ ‏‏Middle ‎East Report‏ : " لا يمكنك أن توجه النقد إلى بلد يمارس التعذيب من ‏أجلك، أليس كذلك؟ ".‏
بالنسبة للبوليساريو، كان قبول مخطط بيكر آخر تنازل في استراتيجيتها العامة من ‏اجل الاستقلال عبر تقرير ‏المصير، ففي حقيقة الأمر كانت التنازلات قيمة: فالمغرب ‏كان سيحظى بالتحكم في التصويت النهائي، ‏وسترغم البوليساريو على العودة إلى ‏العيون تحت العلم المغربي. ومن وجهة نظر البوليساريو يصعب تصور ‏أي تكتيك ‏آخر " يفضي إلى تقرير المصير"، كما تنص على ذلك العبارة التي إستخدمها مجلس ‏الأمن، ويحظى ‏بقبول المغرب، وإذا كان المغرب يعارض تقرير المصير " من حيث ‏المبدأ " فلا داعي أن تتظاهر البوليساريو ‏بأن المفاوضات ستكون مثمرة.‏ ‏وبعد سنوات من التنازلات التكتيكية تلقى التيار الوطني الصحراوي درسا مريرا من ‏سياسات القوى العظمى: ‏‏( لا يهم كم من التنازلات يقدمها الطرف الضعيف ما دام ‏الطرف القوي يطالب بالمزيد). ويشعر اللاجئون ‏الصحراويون بأن ذلك هو الحقيقة، ‏كما يشعر به التيار الوطني الصحراوي داخل الصحراء الغربية.‏
الانتفاضة إلى أين..!؟ يتساءل الكاتب جاكوب موندي ويجيب :‏" إن المواجهة الروتينية التي يقوم بها المغرب للمظاهرات البسيطة في العيون يدل ‏على إندلاع الانتفاضة ‏الصحراوية في ماي 2005، وتأتي الأسباب الواضحة للحركة ‏الاستقلالية اللاعنفية من العيش ثلاثين عاما ‏كشعب مشتت، يعاني من الاضطهاد ‏العنيف ويتم تجاهله من طرف المنتظم الدولي، وفوق كل ذلك، التهميش ‏السياسي ‏والاجتماعي..." مغربة " الصحراء الغربية. لقد كانت مظاهرات ماي 2005 مفاجأة ‏ليس فقط لأغلب ‏ملاحظي النزاع بل للعديد من الوطنيين الصحراويين أيضا. ( ‏فالمغرب يضيق على الأخبار الواردة من ‏‏" أقاليمه الصحراوية "، فمنذ أكتوبر ‏‏2006، تعرض صحفيين إسكندنافيين للترحيل بينما كانا يحاولان تغطية ‏المظاهرات ‏وتعرض ثالث للحجز من طرف الشرطة بسبب " العمل بدون ترخيص" )، وتفجرت ‏الطاقة ‏المكبوتة لدى الساكنة الصحراوية لتخلق أجيالا جديدة من الراديكاليين، ‏وأصبحت ألوان الأحمر والأخضر ‏والأبيض والأسود التي ترمز إلى البوليساريو، ‏والتي كان نادرا ظهورها في الصحراء الغربية التي يديرها ‏المغرب، رمزا للمقاومة ‏الصحراوية، سواء تم رشها من العلب المضغوطة على جدران المدارس...على شكل ‏‏علم البوليساريو...أو تم غرسها في شعور الفتيات.‏
‏ " إن الانتفاضة لم ترقى إلى الأساليب العسكرية، ولم تحصد ما يكفي من الأسباب ‏التي تدفع إلى إعادة التفكير ‏في سياسة تجاهها سواء في القصر المغربي أو في مجلس ‏الأمن،رغم ان التعسف لعب دورا كبيرا ‏فالعديد من النشطاء الصحراويين ‏الفاعلين، كبارا وصغارا يقبعون في الزنازن المغربية، يقتربون من الموت ‏في أحيان ‏كثيرة إثر الاضرابات عن الطعام. ولكن رجال الأمن المغاربة يحرصون على إبقاء ‏أخبار ‏الصحراء الغربية خارج التناول الإعلامي الدولي بمقاطعة التجمعات ‏والفعاليات المتعددة المشاركين، ويلجأون ‏إلى ردات فعل عنيفة محددة الأهداف، ‏وهذه السياسات الإجرائية غير المباحة موجهة إلى نشطاء معروفين ‏وكذلك ‏أصدقاءهم وعائلاتهم. ويوجد العديد من الأمثلة على الموقع الالكتروني للجمعية ‏الصحراوية لضحايا ‏الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان المرتكبة من طرف الدولة ‏المغربية، أمثلة وثائقية تبين بوضوح القمع ‏البوليسي و" إعترافات " تم إنتزاعها ‏تحت التعذيب،في شهادة على أن المدن الصحراوية طالها مد ‏الانتفاضة، يبرز الكاتب .‏
لقد تمسك كل من مجلس الأمن والأمانة العامة للأمم المتحدة بالحفاظ على بقاء ‏المينورسو في الصحراء ‏الغربية على أساس " البقاء للحفاظ على صيرورة وقف ‏إطلاق النار " رغم أن المغرب يرفض مهمة البعثة ‏من حيث الجوهر، ( ولكنها في ‏النهاية تظل بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية ). إن المشكل ‏في مثل ‏هذه المقاربة...حفظ السلام دون صنعه...هي أنها تساعد وتحرض على فرض حالة ‏بموجب الحرب ‏السياسية، وإذا ترسخت مثل تلك الحالة فإن الأمم المتحدة قد تواجه ‏نزاعا إفريقيا مسلحا آخر لا يرغب أي ‏كان في التعامل معه."‏
الصحراويون في مخيمات اللجوء وشوارع العيون غالبا ما يستخدمون المثل القائل: ‏‏" محصور بين النار ‏والبحر " كتعبير عن اليأس وفقدان الأمل من وضعيتهم، وهم ‏على حق من واجهات عديدة، فلديهم خيارين فقط ‏‏_ الاستسلام أو العودة إلى الحرب ‏‏_ ويبدو هذين الخيارين متساويين، إلا أنه وبالنسبة للكثير منهم فخيار ‏مقارعة النار ‏بالنار يبدو هو الأكثر نبلا، يختم الكاتب البريطاني ، جاكوب موندي مقاله المنشور بمجلة ‎، middle East Report On line ‏‏‎

‏‏ والكاتب يحمل درجة دكتور فلسفة معتمد في معهد الدراسات العربية الإسلامية، ‏جامعة إكستر البريطانية، ومؤلف مساعد مع ستيفن زيونس _ لكتاب سيصدر قريبا ‏عنوانه: الصحراء الغربية: الحرب، الوطنية ونزاع لم ‏يحل. وسيصدر الكتاب عن ‏دار الصحافة بجامعة سيراكوس البريطانية.‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق لإقامة الدولة 


.. -الصدع- داخل حلف الناتو.. أي هزات ارتدادية على الحرب الأوكرا




.. لأول مرة منذ اندلاع الحرب.. الاحتلال الإسرائيلي يفتح معبر إي


.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مناطق عدة في الضفة الغربية




.. مراسل الجزيرة: صدور أموار بفض مخيم الاعتصام في حرم جامعة كال