الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جهاز التعليم الاسرائيلي في انهيار

ميخال شفارتس

2007 / 4 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


سياسة الخصخصة تصيب جهاز التعليم؛ القلق البالغ من انهيار الجهاز نابع من دوره المحوري في بناء الدولة والمجتمع اليهوديين؛ التحولات والفجوات الطبقية التي يشهدها جهاز التعليم في الوسط اليهودي نفسه، هي تعبير اضافي عن تفكك المجتمع الاسرائيلي.


نشرت مؤخرا معلومات تشير الى تدني مكانة المعلمين في اسرائيل (صحيفة هآرتس، 19/3)، وأثير مجددا النقاش حول تدهور بل انهيار جهاز التعليم في البلاد.

في السنوات العشر الاخيرة تآكلت اجور المعلمين بنسبة 18.4%، وهبطت بشكل ملموس بنسبة 12.3%. حسب معلومات نشرتها "نقابة المعلمين في اسرائيل" في تشرين ثان 2006، يقع اجر المعلم في أدنى سلم اجور الموظفين المهنيين في اسرائيل، مثل الممرضين والعاملين الاجتماعيين. وتقل اجورهم عن الناتج المحلي الاجمالي، عكس وضع المعلمين في بقية الدول المتطورة.

ويأتي هذا رغم ان المعلمين الاسرائيليين يعلمون ساعات اكثر من المعلمين في الدول المتطورة، باستثناء الولايات المتحدة، ويتعاملون مع عدد اكبر من الطلاب في الصفوف. وليس هذا فحسب، بل يندرج المعلمون الاسرائيليون (حسب مقاييس علمية) في المرتبة ال27 من اصل 28 دولة متطورة، آخرها ايسلاندا.

النتيجة الطبيعية هي هروب المعلمين اليهود بالذات من سلك التعليم، وابتعاد المتفوقين عن المهنة، حتى صار من يعمل بها يعتبر فاشلا. ويؤدي هذا الى فقدان المعلمين الاحترام والسلطة امام الطلاب وامام اولياء الامور. وقد شاع الاستهتار بالمعلمين وصار العنف لغة الحوار بينهم وبين الطلاب.



التعبئة الايديولوجية

القلق البالغ من انهيار جهاز التعليم نابع من دوره المحوري في بناء الدولة العصرية. في اسرائيل كان للتعليم دور مزدوج، بناء دولة وشعب ايضا وخلق انسجام ايديولوجي ووطني بين افراده.

مع تأسيس الدولة كان دور جهاز التعليم إدخال اللغة العبرية، التربية على القيم الصهيونية وبلورة وعي قومي موحد لكل المهاجرين من البلاد المختلفة. وكان احد الاهداف طمس شخصية اليهودي كضحية تسكن في الشتات، واختراع شخصية اسرائيلية جديدة، منتصبة القامة، قوية، شبه عسكرية وتقشفية، ومع ذلك عصرية وديموقراطية. وربّت المدارس اجيالا كاملة على خدمة بناء الدولة اليهودية، وحب "ارض اسرائيل"، وكره العرب او تجاهلهم، وكان التجنيد للجيش ذروة طموحات الشباب الاسرائيليين.

وكانت المدارس بوقا لسياسة الحكومة التي شجعت الاستيطان في النقب والجليل والسيطرة على الاراضي العربية، وكانت مثابة فترة تحضيرية للخدمة العسكرية. كان التعليم مجانيا، وكذلك الرحل التي كان دورها تعزيز العلاقة بين الطلاب و"ارض الوطن". الرواية في المدارس ركّزت على بطولة الجندي الاسرائيلي في حروبه مع العرب. وفي كل اسبوع تبرع الطلاب لصندوق اراضي اسرائيل لاجل "انقاذ" الاراضي. وقد فرض تعليم هذه الايديولوجية على المدارس العربية ايضا.

شبكة التعليم كانت مركزية تماما، دون أي استقلالية للمدارس او للمعلمين، وتتكلم بصوت حزب مباي الحاكم (حزب العمل لاحقا). دور المعلمين الاول كان التربية على القيم الصهيونية، وجاء التعليم والنجاح في الامتحانات في المكان الثاني. التعليم نفسه ركز على رزمة من المواضيع الالزامية، مثل التوراة و"الفلسفة اليهودية"، جغرافية اسرائيل، تاريخ الشعب اليهودي، اللغة العبرية والادب العبري، الزراعة، اللغة والادب الانجليزيين، الرياضيات، الفيزياء والكيمياء، وكان عدد المواضيع الاختيارية محدودا جدا.

في تلك الفترة كان القطاع العام (الحكومة والهستدروت) متحكما تماما بالاقتصاد ووسائل الاعلام. لانجاح المشروع الصهيوني ضمنت الحكومة مكانة المعلمين التي كانت قوية جدا، المعاشات كانت عالية نسبيا لمهن اخرى، وخريجو الجامعات انضموا لسلك التعليم واعتبروه مهنة ذات مستقبل. واثّر هذا على العلاقات بين الطلاب والمعلمين، فكان الطلاب يقومون للمعلم احتراما عندما يدخل الصف، ولم يجرؤ احد على مناقشته او معارضته.

الى جانب التعليم وفرت الدولة المساكن واماكن العمل للمواطنين اليهود لتشجيع الهجرة اليها، دون ان تقيم وزنا للاعتبارات الاقتصادية. بناء مدن تطوير في النقب والاستثمار في المصانع والمدارس والخدمات يتناقض مع أي منطق اقتصادي، ولكنه كان ضروريا لبناء الدولة اليهودية في النقب والجليل واستيعاب الهجرة. غير ان هذا المنطق لم يصمد بعد حرب ال1967.



لغة المال

بعد احتلال اسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، وخاصة بعد الاصلاحات الاقتصادية التي ادخلتها عام 1985، نما في اسرائيل قطاع خاص كبير ونشيط. وبدأت اسرائيل تندمج شيئا فشيئا بالاقتصاد العالمي والعولمة، وتبنت موقف السوق الحرة المتطرف الامريكي. وكان الضحية الاولى القطاع العام الذي بدأ يمر بعملية خصخصة. وكان الهدف تقليص ميزانيات الحكومة والخدمات الممنوحة للمواطنين في كل المجالات، وخاصة ميزانية وزارة التعليم الكبيرة التي لا تعتبر مربحة حسب منطق السوق.

وصارت تُسمع شكاوى ضد الموظفين الحكوميين والمعلمين، وصاروا يُوصفون بانهم طفيليين كسالى يعيشون على حساب المنتجين الحقيقيين، وهم ارباب العمل. ورافق الحملة تدهور في اجور المعلمين، وفصلهم بالجملة، وتم تقليص ساعات التعليم وميزانيات التطوير في المدارس.

كما تخلت وزارة المعارف عن الادارة المركزية والهيمنة على المضامين، وفتحت الباب واسعا امام خصخصة المدارس من خلال ما يسمى ب"الادارة الذاتية". وبدأت كل مدرسة شبه خاصة تموّل نفسها بالاضافة لتمويل الدولة، وتختار المعلمين والطلاب والمضامين المفضلة عليها. وصارت المواضيع التي تقود الى مهنة مربحة مطلوبة جدا، وتراجع الطلب على المواضيع الادبية المتعلقة بالمضامين الايديولوجية الصهيونية، لانها تفتقد اية قيمة اقتصادية.

وصار المنطق الاقتصادي، يحكم العلاقة مع الطلاب. فيتم الاستثمار بالطالب الناجح او الذكي، لكي يخدم الاقتصاد، اما الطالب المتوسط او الضعيف، فلا منطق اقتصادي في تربيته او تعليمه. وسيطرت على التعليم ايديولوجية التفوق والمنافسة، واصبح بضاعة تخدم حاجات السوق الرأسمالي.

المقياس الوحيد لنجاح المدرسة، صار نسبة الطلاب الذين يحصلون على شهادة الثانوية العامة (البجروت). اما قيم التضامن الاجتماعي والتسامح والتعاون فتقادم عليها الزمن، اذ انها لا تحسب بحساب الربح والخسارة. المدارس شبه الخاصة تعمل كجهاز تجاري اولا، وترى في التربية والتعليم مصدرا لجني الارباح. وكجزء من التحكم برواتب المعلمين وكسر امكانية تنظيمهم النقابي، تعمد المدارس الى تشغيلهم من خلال عقود شخصية وحتى من خلال مقاولين، وهو توجه آخذ بالاتساع. من الترتيب الجديد يستفيد المعلمون الاقوياء ذوي الالقاب الجامعية في المهن المطلوبة، في حين تتحول البقية الى قوة عمل رخيصة وسهلة الاستغلال. الخطورة الكبرى لهذه الظاهرة انها تقضي على نقابات المعلمين وتزيد من تدهور مكانتها.

اتساع الفجوات الطبقية بين الاغنياء والفقراء، انعكست على مستوى المدارس ايضا. الرحل المجانية من اجل "حب الوطن"، تحولت الى رحل استهلاكية في فنادق فاخرة للطلاب الاغنياء، في حين يضطر الطلاب الفقراء للاستغناء عن الرحل لعدم قدرتهم على الدفع. حتى وجبات الطعام في المدارس صارت تُعطى للطلاب مقابل مبلغ معين.

واذا كان جهاز التعليم منقسما الى عربي ويهودي، فقد اضيف اليه انقسام من نوع جديد، فصار هناك جهاز حكومي فقير وآخر خاص او شبه خاص غني، والهوة بينهما في اتساع متسارع. شبكة التعليم الحكومية العادية تمنح التعليم للفقراء، وتهدف لتربية "مواطنين مطيعين"، يكتفون بالعيش على هوامش المجتمع الغني المتطور؛ اما جهاز تعليم شبه الخاص والنخبوي فيحضر ابناء العائلات الغنية لاكتساب المهن المفيدة اقتصاديا والانضمام للطبقة العليا.

الجهاز الاول، الذي يستوعب 80% من الطلاب، يكتفي بميزانيات وزارة التعليم الآخذة بالتقلص سنويا؛ الجهاز الثاني يراعي فقط 20% من الطلاب، لكنه يتمتع بتمويل خاص من اهالي الطلاب ومن مستثمرين وشركات خاصة، بالاضافة للميزانيات الحكومية. في الاول يضطر المعلمون للاكتفاء بمعاشات زهيدة ومهينة، ويتقاضى المعلمون الجدد الحد الادنى للاجور، اما الجهاز الثاني فيشغل المعلمين حسب عقود خاصة ويسمح لنفسها ان يدفع لبعضهم اجورا اعلى.

اذا كان جهاز التعليم العربي يعاني في السابق من امتياز عنصري يتعلق بالمضامين والميزانيات في اختيار المعلمين حسب قرار المخابرات وليس حسب المؤهلات، فاليوم يعاني هذا الجهاز بالاضافة لكل ذلك من التمييز الطبقي ضد الطلاب الفقراء.

لا شك ان التحولات والفجوات الطبقية التي يشهدها جهاز التعليم في الوسط اليهودي نفسه، هي تعبير اضافي عن تفكك المجتمع الاسرائيلي وغياب التضامن الذي ميّز سنواته الاولى، واشارة الى تحول في هوية اسرائيل وثقافتها من دولة ايديولوجية صهيونية الى دولة رأسمالية.

اهتمام الدولة بالارباح والاقتصاد اولا، واهمال الفقراء اليهود انفسهم، يثير علامات سؤال مصيرية حول الحاجة والحجة لقيام دولة يهودية. لقد شهدنا نتائج هذا التفكك في حرب لبنان الاخيرة، والخلل في جيش الاحتياط، وتبين ان الفقير لا يستعجل للقتال لصالح دولة تهمّشه، في حين يهرب الغني من الخدمة العسكرية لان له الكثير يخسره.

هناك من يفهم خطورة الموضوع على مستقبل دولة اسرائيل، وقد خصصت صحيفة "هآرتس" في 23/3 افتتاحيتها لهذا الموضوع. لكن تصحيح التوجه سيتطلب التخلي عن سياسة السوق الحرة والعودة لسياسة الرفاه، الامر الذي يعني استثمار ميزانيات حكومية هائلة في وزارة التربية والتعليم لاعادة بناء جهاز التعليم العام، وشن حرب حقيقية ضد الفقر، وتطبيق سياسة متساوية تغلق الفجوات الطبقية الكبيرة في البلاد. ولكن هذا الامر غير وارد، لانه يتناقض مع نهج القيادات السياسية والاقتصادية في دولة اسرائيل في العشرين عاما الاخيرة. ويعني هذا اننا سنشهد المزيد من الانهيار في جهاز التعليم، ومزيدا من التفكك في المجتمع الاسرائيلي اليهودي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هكذا علقت قناة الجزيرة على قرار إغلاق مكتبها في إسرائيل


.. الجيش الإسرائيلي يسيطر على الجانب الفلسطيني من معبر رفح




.. -صيادو الرمال-.. مهنة محفوفة بالمخاطر في جمهورية أفريقيا الو


.. ما هي مراحل الاتفاق الذي وافقت عليه حماس؟ • فرانس 24




.. إطلاق صواريخ من جنوب لبنان على «موقع الرادار» الإسرائيلي| #ا