الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انحطاط كريستوفر هتشنز

صبحي حديدي

2007 / 4 / 3
الارهاب, الحرب والسلام


مقالاته الأحدث تقتفي الموضوعات التالية: مراجعة إيجابية، ومتعاطفة على نحو مفاجىء، لكتاب رديء بعنوان "المعرفة الخطرة" يكرّسه روبرت إروين للنيل من كتاب "الإستشراق"، 1978، ومن إدوارد سعيد شخصياً؛ ومراجعة لا تقلّ إيجابية وتعاطفاً، لكتاب أقلّ رداءة وسطحية، هو "كافرة" للصومالية ـ الهولندية إيان هرسي علي، تكشف فيه عن شخصية أكثر أصولية في التعريض الأعمى بالإسلام من أيّ أصولي يلهج بالدفاع الأعمى عن الإسلام؛ وأخيراً، مقالة بعنوان "الحرب داخل الإسلام: المخاطر المتزايدة للخصام الشيعي ـ السنّي"، يؤكد فيها أنّ المعركة بين المذهبين آتية لا ريب فيها، وفي عدادها حرب باتت وشيكة "بين الطائفة العلوية التي تحكم سورية، والإخوان المسلمين السنّة"!
هذه المعرفة، وهي الخطرة بالفعل، لا تصدر عن مستشرق متعصّب متحزّب، أو ضحيّة زائفة محترفة، أو معلّق جاهل أحمق، بل ينتجها بهمّة عالية رجل كان ذات يوم عقلاً لامعاً دائم التغريد خارج السرب، وناقداً ثقافياً دائب الإنشقاق عن المألوف، ومعلّقاً سياسياً منحازاً إلى القضايا الخاسرة، أي الكاتب البريطاني كريستوفر هتشنز. ولم يكن غريباً أنّ منحنى الإنحدار بدأ مع تأييده لقرار الرئيس الأمريكي جورج بوش غزو العراق. وبعد قرابة عقدين من الكتابة المتواصلة في مجلة The Nation، أعرق دوريات اليسار الأمريكي والمنبر البارز الذي احتضن كبرى قضايا الإنشقاق الفكرية والسياسية في الولايات المتحدة، أعلن هتشنز أنه سيتوقف عن الكتابة في المجلة، وذلك على خلفية تأييده لحروب بوش «ضدّ الإرهاب» و«تغيير النظام» في أفغانستان والعراق، وبالنظر إلى معارضة هيئة تحرير المجلّة ومعظم كتّابها لهذه الحروب.
آنذاك، في زاويته المعتادة، كتب هتشنز مقال الوداع الذي حمل عنوان «المراسلة الختامية»، استعرض فيه جرائم نظام صدّام حسين، والمغامرتَين العسكريتَين الفاشلتَين في إيران والكويت، بـ «ضوء أخضر من واشنطن في الحالتين»، حسب يقينه، ولقاء محمد عطا (قائد مجموعة تفجيرات 11/9) بالدبلوماسي العراقي محمد العاني في براغ، وذلك بهدف التخطيط لتفجير إذاعة «العراق الحرّ»، وعلاقة المجموعة الكردية الأصولية «أنصار الإسلام» بكلّ من أسامة بن لادن وصدّام حسين. أسباب كهذه تشكّل "تهديداً قذراً" في نظره، وتبرّر بالتالي تأييد الحرب، رغم أنه لا يأمل خيراً من بوش في «معركة المجتمع المدني» التي «تستعر في العالم الإسلامي من أندونيسيا إلى نيجيريا»، لأنّ «الحمقى وحدهم هم الذين يأمنون تسليمه هذه المهمة».
وفي السياق ذاته أعرب هتشنز عن استنكاره الشديد لأنّ الإدارة الأمريكية لم توجّه حتى الآن أيّ نداء إلى شعب العراق، تفصح فيه عن أغراضها ومبادئها في الحرب القادمة، كما استنكر غياب أيّ تحضيرات لمحاكمة صدّام حسين كمجرم حرب. والفقرة الختامية في المقال الوداعي سارت كما يلي: «حين بدأتُ العمل في مجلة The Nation، قبل أكثر من عقدين، وصف [ناشر المطبوعة] فكتور نافاسكي المجلة بأنها حقل نقاش بين الليبراليين والراديكاليين، وكان هذا أمراً طيباً في تقديري. لكنني، في الأسابيع القليلة الماضية، أدركت أنّ المجلة نفسها تأخذ مواقف منحازة في هذا النقاش، وباتت صوتاً وقاعة صدى لأولئك الذين يؤمنون بصدق أنّ جون أشكروفت يشكّل تهديداً أخطر من أسامة بن لادن".
الحكاية، مع ذلك، كانت أعمق بكثير من مجرّد اختلاف مع هيئة التحرير المجلة، أو مع معظم كتّابها، أو حتى مع تسعة أعشار معارضي حروب بوش في أمريكا وأوروبا وأربع رياح الأرض. ففي نقاش عاصف مع طارق علي، الكاتب البريطاني الذي شارك هتشنز في العديد من معارك الإنشقاق السياسية والفكرية، اعاد الأخير هزّة 11/9 إلى فتوى الإمام الخميني ضدّ سلمان رشدي و«الآيات الشيطانية»! وأمّا «الحرب على الإرهاب» فإنها تستمدّ شرعيتها من كون «الأصولية الإسلامية فاشية متخفية خلف قناع الإسلام». وهي حرب دينية، أو بالأحرى "مناهضة للكهنوت"، وذلك رغم أنّ الذي يقودها رجل مسيحي هو جورج بوش. والذين يعارضون هذه الحرب هم من النوع الذي إذا عثر على أفعى خبيثة في سرير طفله، فإنّ أوّل ما يفعله هو الإتصال بجمعية الرفق بالحيوان.
ورغم أنّ عراق اليوم أبعد ما يكون عن الديمقراطية التي حلم بها وحثّ عليها، وأكذوبة أسلحة الدمار الشامل كشفت سوأة مؤسسات القرار العليا وكبرى وسائل الإعلام في أمريكا وبريطانيا بصفة خاصة، فإنّ هتشنز لم يتوقف عن محو العديد من مواقف الحقّ التي اتخذها على امتداد مسارات حياته. آدم شاتز، أحد أفضل الكتّاب اليساريين اليهود في أمريكا، يسجّل أنّ مواقف هتشنز المؤيدة لحروب أمريكا قادته إلى «مواقف غريبة» في قضايا أخرى، كأنّ يكفّ عن الاعتراض على استخدام وزير الدفاع الأمريكي السابق، دونالد رمسفيلد، عبارة «ما يُسمّى الأراضي المحتلة» في وصف الضفة والقطاع؛ وأن لا يجد مشكلة في الإنذار الذي وجهه بوش إلى الفلسطينيين: إمّا التصويت ضدّ عرفات، أو العيش إلى الأبد في ظلّ الإحتلال؛ ثمّ الذهاب أبعد وامتداح خيارات بوش في السياسة الخارجية.
أليس بسبب هذا الانحطاط المضطرد أنه اعتبر إعدام صدّام عملاً "مثيراً للاشمئزاز" و"جديراً بحديقة حيوان"، وكأنه كان ينتظر من حكومة نوري المالكي إعداماً على الطريقة الأمريكية... المتحضّرة!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اتفاقية الدفاع المشترك.. واشنطن تشترط على السعودية التطبيع م


.. تصعيد كبير بين حزب الله وإسرائيل بعد قصف متبادل | #غرفة_الأخ




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - الحكومة الإسرائيلية تغلق مكتب الجز


.. وقفة داعمة لغزة في محافظة بنزرت التونسية




.. مسيرات في شوارع مونتريال تؤيد داعمي غزة في أمريكا