الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف يتحقق الردع عند الغاء عقوبة الاعدام

عالية بايزيد اسماعيل

2007 / 4 / 3
الغاء عقوبة الاعدام



تتعالى الأصوات في الآونة الأخيرة مطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام من القوانين والدساتير العربية مجاراة لما هو مطبق حاليا في الدول الغربية المتحضرة متجاهلة وغافلة عن الفروق الشاسعة بين مجتمعاتهم المتحضرة التي تبنى على احترام القوانين وحقوق الآخرين ومجتمعاتنا التي أسهل ما يكون فيها هو خرق القوانين وتفضيل المصلحة الشخصية والأنانية على مصلحة و حقوق الآخرين , مجتمعاتهم المستقرة امنيا واجتماعيا واقتصاديا ومجتمعاتنا المضطربة امنيا واجتماعيا واقتصاديا حتى أصبحت وكرا وبؤرا لتجمع الإرهاب والعصابات المنظمة , مجتمعاتهم التي يحترم الصغير والكبير القوانين والأنظمة والتعليمات ويكفي أن تفرض عقوبة الغرامة المالية أو التوبيخ على احدهم حتى يشعر بأنه مذنب ويعمل جاهدا على مراقبة تصرفاته ومحاسبتها قبل أن يحاسبه الآخرون وبين ما يجري في العراق من فوضى واضطراب وغياب أجهزة الدولة التنفيذية والشرطة لترتكب أنواع الجرائم والانتهاكات ,.
إن تطبيق القانون هي حالة تنظيمية تساهم في تقدم المجتمع لتنظيم الحريات الطبيعية للإفراد والقانون هو مجموعة القواعد والسلوك التي تحكم العلاقات الإنسانية في المجتمع وان التعامل مع القانون هو جزء من التعامل اليومي فالالتزام بالدوام الرسمي هو قانون , واحترام حقوق الغير وممتلكاتهم هو قانون , والالتزام بالآداب والسلوك والأنظمة العامة هو قانون , فالقانون ملازم لحياتنا اليومية وهو رفيقنا في كل تصرفاتنا في الحياة فهو يرافق الإنسان منذ أن يكون جنينا حين يحفظ القانون حقوقه الشخصية والمالية ويستمر معه طيلة حياته وحتى بعد وفاته حين ينظم تركته وميراثه ,أما الجريمة فهي كظاهرة اجتماعية فهي موجودة في كل زمان ومكان لذلك وجدت العقوبات في القوانين والتي تتراوح ما بين الغرامة المالية مرورا بالعقوبات السالبة للحرية حتى تصل الى الإعدام وهدف العقوبة هو الجزاء والردع والإصلاح , فالجزاء هو ما يستحقه المجرم من جزاء جراء عمله , والإصلاح يعني إعادة تأهيل المجرم داخل السجون لما يؤهله للعودة الى الحياة الطبيعية , أما الردع فيعني أن تكون العقوبة عبرة لمن تسول نفسه بارتكاب أي فعل جرمي , والردع قد يكون معنويا أو أخلاقيا وهو الالتزام بالسلوك العام وبالقوانين والأنظمة بصورة طوعية وذاتية , وهذا النوع من الردع يسبق الردع القانوني وذلك تبعا لدرجة تطور المجتمع الحضاري , والعقوبة يجب أن تكون متناسبة مع الفعل المرتكب وإلا فإنها سوف لن تحقق العدالة فعقوبة السرقة لأول مرة وتحت إلحاح الحاجة لايمكن أن تتساوى مع عقوبة السرقة باستعمال السلاح وبتخطيط مدروس متعمد وإلا فان السارق لأول مرة وبالصدفة إذا ما شددت العقوبة عليه فانه سيتحول الى مجرم حقيقي لذلك كان لزاما الأخذ بنظر الاعتبار الجوانب النفسية والاجتماعية عند فرض أي عقوبة .
والجرائم أيضا تختلف من مجتمع لأخر فجرائم المجتمعات البسيطة تتصف بالعنف والقسوة واغلبها جرائم الاعتداء والضرب والقتل أما في المجتمعات المتقدمة والمتطورة فجرائمها تكون ذكية واغلبها تقع على الأموال كالسرقة والاحتيال والرشوة.
وقد ازدادت بعد سقوط النظام السابق وانتهاء العمليات الحربية والعسكرية على العراق جرائم السلب والنهب والسطو المسلح والاختطاف والقتل في كل مكان وبشكل ملفت للنظر بسبب غياب أجهزة الدولة والشرطة وضعف إدارات السجون وتعطل العمل بالقوانين وانتشار الفوضى والهياج العام في كل مكان وقد قام بهذه الجرائم إضافة الى المجرمين المحترفين أناس من غير المجرمين بسبب ضعف الوازع الديني والأخلاقي لديهم وبسبب الظروف الاقتصادية السيئة وانتشار الفقر والبطالة وقد كان لقرار سلطة الائتلاف بإيقاف العمل بعقوبة الإعدام الأثر الكبير في انتشار الجرائم وازديادها في المجتمع بسبب عدم وجود الرادع الكافي لمنع المجرمين المحترفين من ارتكاب الجرائم .
إن عقوبة الإعدام هي من العقوبات التي تتعارض مع فلسفة العقوبة التي غايتها الإصلاح والردع , وهي تفرض حين لايكون بالإمكان إصلاح وتأهيل المجرم للعودة الى الحياة الطبيعية بسبب بشاعة ما اقترفه من عمل إجرامي , فالإرهابي الذي يوقع بآلاف الضحايا والأبرياء بدم بارد , والخاطفين الذين يطلبون الفدية المالية مقابل إطلاق سراح مختطفيهم ثم يقتلونهم بعد حصولهم على الفدية , والعصابات التي تختطف النساء بالقوة وتغتصبهن ليقتلوهن بعد ذلك , وغير ذلك من الجرائم البشعة فاي عقوبة ممكن أن تطبق بحقهم إذا ما وقعوا في قبضة العدالة , وهل يرضى أهل الضحايا المغدورين بأقل ممن تطبيق عقوبة الإعدام بحقهم ؟ , حتى الشرائع الدينية على اختلافها شرعت نظام القصاص وفق قاعدة العين بالعين فالقاتل يجب أن يقتل جزاء ما ارتكبه , أما إذا غاب الرادع القانوني من القوانين فان ذلك يعني ارتكاب المزيد من الجرائم واستسهال ارتكاب القتل لأتفه الأسباب (لان من امن الجزاء أساء العمل ) وهذا ما هو حاصل فعلا الآن فالجرائم في ازدياد كما ونوعا من قتل وخطف وانتهاك للحرمات وأعمال العنف والإرهاب التي راح ضحيتها الأبرياء صغارا وكبارا لذلك فان إلغاء هذه العقوبة في الوقت الحاضر وفي ظل هذه الأجواء المتوترة امنيا وغير المستقرة يعني ارتكاب المزيد من الجرائم والمزيد من الفوضى والاضطراب وما يتبعها من أثار وجرائم جديدة كالأخذ بالثار طالما كان الجزاء غير كافي بحق القتلة والمجرمين مما يعني هذا أن سوف يستمر مسلسل الجرائم بحلقات متواصلة طالما إن الحرية الطبيعية والجشع ليس لهما حدود سوى قوة الفرد العقلانية في السيطرة على تصرفاته .
وان غياب الرادع في القانون يؤدي الى تأصل الطابع الإجرامي في النفوس لان الردع هو إجراء حازم يعمل على ضبط السلوك الإجرامي ويضمن الأمن العام وسلامة الممتلكات من الانتهاك , والردع المعنوي يسبق الردع القانوني بمعايير التقدم الحضاري المعاصر أما إذا انعدم الوازع الذاتي فان مسالة تعرض المنحرف الى الردع القانوني تصبح مسالة وقت وهذه هي إحدى قوانين العدالة وسننها .
إن إلغاء عقوبة الإعدام ورفعها من القوانين هو دليل على تقدم المجتمع الحضاري والمدني القائم على مبدأ احترام حقوق وحريات الإنسان وان مفتاح التقدم الاجتماعي يكمن في تضاؤل نسبة الإجرام وقلة عدد السجون وان تحقيق هذا المستوى من الطموح ليس عسيرا في مجتمعنا إذا ما عولجت الأسباب من جوهرها , أما إلغاء عقوبة الإعدام في ظل هكذا ظروف فهو قرار سابق لأوانه لأنه سوف لن يحقق الغاية المطلوبة في تحقيق الأمن والعدالة حتى تستقر الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية ,لان القانون لابد له من أن يساير ويتماشى مع الأوضاع السائدة ولابد من دراسة الموضوع من كل جوانبه القانونية والاجتماعية والتربوية والتريث قبل تعليق هذه العقوبة ورفعها وبالتالي خروج الأمور من السيطرة أكثر مما هي عليه ألان .
.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة المياه تهدد حياة اللاجئين السوريين في لبنان


.. حملة لمساعدة اللاجئين السودانيين في بنغازي




.. جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في ليبيا: هل -تخاذلت- الجن


.. كل يوم - أحمد الطاهري : موقف جوتيريش منذ بداية الأزمة يصنف ك




.. فشل حماية الأطفال على الإنترنت.. ميتا تخضع لتحقيقات أوروبية