الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طلاق

سعيدة لاشكر

2007 / 4 / 3
الادب والفن


عاشت حياتها هانئة بما تجود به عليها الحياة, لم تكن قط تفكر لماذا لم أكن كذا ولماذا لم أحصل على كذا, كانت قانعة, راضية بنصيبها القليل, أملها الوحيد في الحياة الهدوء وطموحها الهدوء وأمنيتها أن تعيش في هدوء.

عندما انقطعت عن التعليم في سن مبكرة لم تحاول التمرد أو حتى اقناع دويها بل استمرت في حياتها وكأن شيئا لم يكن, ثم عندما تزوجت زيجة تقليدية مدبرة لم تقف وقفة مع نفسها ولم تقل لماذا أنا؟ بل استمرت في الحياة ثم بعدها أنجبت, أصبحت ربة بيت وأغرقت نفسها في الواجبات والأعمال المنزلية, وعندما أصبح ما تقوم به اليوم تعيده في الغد بكل حدافيره ويتكرر يوميا ملل في ملل لم تتدمر ولم تحاول التغيير من عاداتها وأعمالها المعتادة.

وهكذا انغمست في الحياة فأغرقتها من رأسها حتى أخمص قدميها بأفراحها وأحزانها, ولم تكن المصائب توثر فيها رغم تواليها بل حين تراها تظن أنها لا تهتم ولاتلقي بالا لشيء, كانت صلبة وتميل أكثر في وصفها بالامبالاة, هي من أولئك الأشخاص الغامضين, لن تعرف أبدا فيما تفكر وما يجول في خاطرها لن تعرف ما بداخلها وحتى لو أنها تتمزق من الداخل فلن تبدي شيئا وبالتالي لن تلاحظ معاناتها لأن ملامحها جامدة دائما.

فواصلت حياتها وقنعت بها الى أن جاء يوم تعقدت فيه الأمور مع زوجها وحصلت على الطلاق, فأصبحت أمام المجتمع امرأة مطلقة ولم يكتفي القدر الذي أمنت به كثيرا وقنعت بأسواره الحديدية المحيطة بها بل أكثر من ذلك حرمت من أطفالها فلذات أكبادها ومنحت الوصاية للوالد.

فباتت وكأنها الكأس التي امتلأت وفاضت عن آخرها, حاولت أن تعيش وكأن شيئا لم يكن كما هي سياستها في الحياة, أن ترمي همومها وراء ظهرها تجعلها من الماضي وتبدأ من جديد, لكنها لم تستطيع, ولن تستطيع أن تسير للأمام دون أن تتلفت للخلف حيت العائلة, الأطفال, الهدوء, دون أن تتلفت للانسانة البسيطة الطامحة للهدوء, تلك الانسانة التي خلفتها وراءها وأجبرها المجتمع والحياة أن تتوه عنها وسط زحام المشاكل والهموم, لم تستطع أن تنتظرها لأن ركب الحياة لا يتوقف فسارت دونها , لم يمهلها المجتمع أن تلملم أشلاءها المبعثرة فتخلت عنها.

سرقت منها الحياة, سرقت منها راحة البال, وأصبحت انسانة أخرى غريبة عنها, غريبة عن نفسها غريبة عن ذاتها, غريبة في منزلها وغريبة في مجتمعها. لم تنفعها طيبتها في الحياة لم تنفعها لامبالاتها لم تنفعها سعة خاطرها ورضاها بكل ما تجود به عليها الحياة دون نقاش, والآن تلوم نفسها على شيء واحد, تلومه لأنها لم تدافع عن حياتها لم تختر ما تريده وتتمرد على مالا تريده, تلومه لأنها تركت نفسها تهوي في فجوة عميقة ليس لها قاع أي أنها لن تستطيع العودة كما كانت ولن تستطيع أن ترتطم بالأرض فتصرخ وترتاح.

كل هذا سبب لها شرخ كبير في حياتها, جرح عميق نزف كثيرا ولن يجعله شيء يتوقف عن النزيف ويندمل الا الأيام, كثرة الأيام وطول الأيام. لكن رغم هذا ستستمر في حياتها لكن ليس كأن شيئا لم يكن بل لأنها مجبرة على أن تستمر, ولن يكون الآن أملها وطموحها الهدوء لا, بل ستطالب بالكتير كل ما حرمت منه ستجاهد وتناضل لتحصل عليه وستعتبر كل هذا الألم والحزن والنزيف والعذاب مجرد تجربة تستفيد فيها من أخطائها بحيت لا تكررها في المستقبل. أما سياستها الجديدة فهي ما لا يقتلها يقويها, وعسى أن لا يكون الأوان قد فاتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي