الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جارات فضوليات !

ابراهيم جابر ابراهيم

2007 / 5 / 5
الادب والفن


لي صديق كلما زرته وضغطت على جرس الباب كنت اسمع ضجيجاً خلف باب الشقة المقابلة ؛ وحين سألته مرة عن ذلك ضحك طويلاً وقال : جارتنا تجيء راكضة لتنظر من العين السحرية لتعرف من زوارنا ، وتتناوب على " العين المتلصصة " مع اولادها وبناتها !
لم أفاجأ ، لنا جارة كذلك .. قلت له ، ولي عمّة كلما زارتنا تستدرج أطفالي في السؤال عن راتبي ، وان كنت قد أخذت قرضا اضافيا ، وكم بقي من أقساط السيارة ، وهل زوجتي حامل ؟ وإن كانت الاجابة بـ " لا " فما هو المانع .. و " عسى ما شرّ ؟ " !!
ثمة عائلات كاملة تقتات كل ليلة على اخبار الجيران : ماذا طبخوا ؟ أين خرجوا ؟ لماذا تشاجروا ؟ ويتراهن الأولاد إن كانت ثلاجتهم " شارب " أم " دايو " !
ويحسم الأب الجدل بأن يكلف " البنت الوسطى " بأن تستطلع نوع الثلاجة غداً !!
بعض الناس تحسهم يقرفصون على كتفك للتأكد من المتحدث على الطرف الآخر ، ويفتعلون التجهم إن تجهمت أو يجاملونك بضحكة إن ضحكت ... ثم لا يملكون انفسهم فيسألون بتردد : ( خير .. مين كان معك ؟ ) !
واذا أجبتهم فهم يتشجعون للسؤال التالي ، كأنما صاروا طرفاً في المكالمة : ( آه .. عن جد ؟.. شو كان بدّو ؟ ) !
الناس كلها تتذمر من هذا الفضول ، ولكنها تمارسه بتلذذ ، فالمريض الذي يقرر له الطبيب أن ينام في المستشفى ؛ وبمجرد أن يدخل الغرفة ، وقبل أن يحضروا له باكيت الفاين وزجاجة الماء ،وقبل أن يتمدد على سريره ، يتوجه بالسؤال للمريض الذي بجانبه : ( سلامات .. انشالله بسيطة ؟ شو اللي صاير معك ؟ ) !
والمرأة الفضولية تحرص أن تعرف علامات أولاد الجيران قبل علامات ابنها ، والسائق الذي يقف لك يسألك مباشرة عن السائق الذي اعتذر لك : ( ماله .. ليش ما أخذك ؟ ) !
أما الجارة الجديدة فلا تنتظر حتى تنزل أثاثك كاملاً للبيت الجديد ، وتتسلل من بين العمال لتسأل زوجتك وعيناها تتفقدان غرفة النوم قبل تركيبها : ( عدم المؤاخذه .. شكلو اكبر منك .. قصدي ابو .. البركه ابو ايش اسمه ؟ .. شكلو اكبر منك ؟ ) !!
والذين يستخدمون الباصات لتنقلاتهم يستطيعون أن يقصّوا عليك أطرف القصص عن فضول الركاب ، ومحاولات تدخلهم في خصوصيات بعض ... في كل صغيرة وكبيرة !
فاذا أخرجت من جيبك معاملة رسمية سيتطوع الجالس بجانبك لقراءتها ؛ وقد تفاجأ به ينبهك الى ان الموظف نسي أن يختمها لك ، ويضيف : " انزل هلا قبل ما تبعد .. وارجعله خلّه يختمها " !
اذا كنت ضجراً فسينصحك بالاسترخاء واذا كنت مسترخيا فسيتهمك بأنك بلا هموم واذا كنت مهموماً فأنت من وجهة نظره نكد ولا تستجيب لـ "مشروع صداقته " !!
وقد تسمع ضحكاً قادماُ من كرسيٍ خلفك فتكتشف أن راكباً وراءك يشاركك الفرجة على البوم الصور الذي بين يديك !
وإن تحدثت هاتفياً وانفعلت فجارك في المقعد سيتدخل بقوله ان " الأمور مش مستاهلة " وان كنت بصدد شراء شيء فسيقترح عليك أن تغير " الماركه " لأنه جرّبها ولم تعمر طويلاً !
أما في معرض للملابس ؛ مكتظ بالقطع والمقاسات والألوان ، فجرّب أن تنظر خلفك ... مباشرة ستجد متسوقاً ينتظر أن تعيد القطعة التي بيدك ليلتقطها ، وهو مستعد أن ينتظر لربع ساعة أحياناً متشاغلاً بأنه يتحدث على الموبايل ... لكنه في الحقيقة تجاهل كل محتويات المعرض ويريد أن يعاين القطعة التي لفتت انتباهك !
في ( المول ) تقف امام رف المعلبات ، ثمة عشرة انواع من ( التونة ) : تونة مغربية واخرى اسبانية وثالثة تونسية ، بعضها بالزيت واخرى بالزيت النباتي وثالثة بالماء المملح ، واحدة خشنة واخرى ناعمة وواحدة بالبهارات وواحدة بالمخللات ... لكن امرأة فضولية تقف بفضول غريب تنتظر أن تختطف العلبة التي بيدك لتعرف ما الذي كنت واقفاً تقرأه على العلبة !
... ... ...
في المرة الأخيرة ... حين زرت صاحبي حرصت أن تكون في فمي قطعة علكة كبيرة ، وقبل أن أقرع الجرس كنت وضعتها على " العين الفضولية " لباب الشقة المقابلة !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان التونسي حكيم بالكحلة: تقديم الأدوار الكوميدية صعب


.. الفنان التونسي حكيم بالكحلة يوضح كيف تعلم اللهجة السعودية بس




.. الفنان التونسي حكيم بالكحلة: تغيير مصيري من الهندسة المعماري


.. الفنان التونسي حكيم بالكحلة: والدي لم يدعم قراري بترك الهندس




.. صباح العربية | رهف ناصر تتحدى الحرب بالموسيقى وتغني للأمل