الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نجيد إطلاق المبادرات ونفشل في مواصلتها

إكرام يوسف

2007 / 4 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


اتحاد المغرب العربي..ينضم إلى طابور المتعثرين
احتفلت دول المغرب العربي مؤخرا بالذكرى الثامنة عشر لتأسيس الاتحاد المغاربي. الذي بشر مؤسسوه عند توقيع البيان الختامي بالأحرف الأولى في 17 يناير1989 بمدينة طنجة المغربية، بأنه سيؤدي إلى إذابة الحواجز بين سكان دول شمال إفريقيا، و اعتبر البيان "أن مغربا عربيا موحدا يشكل مرحلة أساسية في طريق الوحدة العربية". و لكن يبدو أن طريق الوحدة العربية هذا الذي لم تظهر له بشائر بعد، مازالت لعنة ـ ما ـ تلاحقه، وتلقي بالعثرات في طريق تحقق المحاولات الأولية لإنجازه. فعلى النقيض تماماً من الطموحات التي زكاها خيال الزعماء المغاربيين وهم يوقعون على المعاهدة التأسيسية لاتحادهم، لم تحصد الشعوب المغاربية فائدة اقتصادية تذكر من هذا الاتحاد حتى الآن . وتؤكد تقديرات أن الاقتصادات المغاربية تخسر سنويا عشرة مليارات دولار بسبب عدم انصهارها في كيان اقتصادي واحد. أضف إلى ذلك تدنى حجم التبادل التجاري بين دول المغرب العربي إذ تبلغ نسبة التجارة البينية المغاربية ثلاثة في المائة فقط، بينما يهيمن الاتحاد الأوربي على سبعين في المائة من إجمالي تجارة هذه البلدان.
ولاشك أن جميع العوامل الموضوعية كانت كفيلة بإنجاح مشروع الاتحاد المغاربي، فمن الناحية الجغرافية، تغطي دول المغرب العربي مساحة شاسعة تبلغ نحو ستة ملايين كيلو متر مربع، تتميز بالتجانس التضاريسي وانعدام وجود الفواصل الجغرافيةـ وهو ما يضمن سهولة نقل السلع وتنقل الأشخاص، كما يجعل من إنشاء شبكة من طرق النقل والسكك الحديدية أمرا ميسورا يزيد من هذه السهولة. ولاشك أن هذا العامل الجغرافي، حقق انسجاما تاريخيا ووحدة في التجارب التاريخية كان لها أبلغ الأثر على في تحقيق التقارب الثقافي والديني والتكامل الفكري والحضاري بين الشعوب القاطنة في هذه المساحة المتصلة.
وعلى الصعيد الاقتصادي، تتمتع بلدان المغرب العربي بمميزات كان ـ ومازال ـ من الممكن أن تمثل أساسا قويا للتكامل فيما بينها؛ فهذه المنطقة تضم سوقا ضخمة مكونة من 85 مليون نسمة، واحتياطيات نفطية تصل إلى 54 مليار برميل، واحتياطيات غاز تبلغ 11تريليون متر مكعب، فضلا عن ثروات معدنية وزراعية وقوى عاملة وصلت بحجم الناتج المحلي الإجمالي المغاربي إلى مائتين وتسعة عشر مليار دولار. فضلا عن أنا الحاجةللهذا التكامل واضحة لدى بلدان المغرب. فنقص عدد السكان في ليبيا يمكن تعويضه عن طريق استقدام العمالة من دول المغرب الأخرى. وبينما تمتلك كل من تونس والمغرب فرصا سياحية كبيرة لا تمتلك مثلها بقية دول الاتحاد؛ فإن البلدين يعانيان من ارتفاع أسعار البترول الذي تسبب لكل منهما في استفحال الأزمات المالية؛ وهو أمر كان من الممكن تلافيه بالتكامل مع ليبيا والجزائر بما تمتلكان من ثروة بترولية هائلة.
وهذه كلها بعض من العوامل الموضوعية الجديرة بأن تكفل نجاح مشروع وحدوي قوي لصالح شعوب هذه البلدان،كان يمكن أن يكون بالفعل مثلا يحتذى للمنطقة العربية كلها. لولا أن هذا المشروع أصابته نفس اللعنة التي تطارد كل مشروع للتكامل العربي؛ وهي لعنة ضعف المشاركة الشعبية في اتخذا قرارات الوحدة والتحضير لها، فضلا عن الخلافات السياسية بين القيادات الحاكمة لهذه البلدات التي تم الزج بالشعوب فيها دون مبرر؛ فبدلا من أن تعكف هذه القيادات على بحث سبل معالجة الخلافات العرقية بين العرب والأمازيغ التي تطل برأسها بين الحين والآخر فتعرقل عجلة التنمية والتطور، انزلقت هذه القياداتـ وجرت شعوبها معها إلى خلافات أيديولوجية زادت من عوامل الانقسام، وأحيانا التناحر، بين قيادات تمسكت بقيم مرحلة التحرر الوطني في كل من الجزائر وليبيا وظلت ـ إلى حين ـ تعاني من مغبات الوقوف في وجه الأطماع الاستعمارية، وأخرى ـ المغرب وتونس ـ اختارت طريق الليبرالية بما يعنيه من صداقة مع الدول الرأسمالية الغربية. أضف إلى ذلك، ما بات واضحا لكل ذي عينين من أجندة استعمارية جاهزة سلفا لبذر بذور الفتنة واستثمارها، واستثمار علاقات الصداقة بما يضمن استمرار الولاء، والضغط دون رحمة على كل من يظهر أدنى قدر من التململ وعدم الانصياع؛الأمر الذي زاد من هوة الخلافات. ومع ضعف المشاركة الشعبية ـ أو غيابها ـ لم يكن من المنطقي أن تحقق مشروعات التحالف الجنينية (بين تونس و الجزائر 1973وبين تونس- وليبيا 1974) نجاحا يذكر.
وكان للخلافات السياسية على مستوى القيادات أثرها الحاسم في تحويل مشروع الاتحاد المغاربي إلى جسد بلا روح؛ خاصة وأن الآلية المؤسسية التي يعمل بها الاتحاد تحتم إجماع كل القادة على قراراته بصورة جعلت مؤسسات الاتحاد مكبلة بقيود لا نهاية لها. ولا شك أن مثل هذا الإجماع لم يكن من السهل تحقيقه مع خلافات سياسية تاريخية وصلت إلى حافة المناوشات العسكرية بداية من حرب الرمال بين الجزائر والمغرب سنة 1963 ووصولا إلى ما نشهده من تطورات أزمة الصحراء المغربية؛ وما شهدته الحدود بين تونس وليبيا من مناوشات في السابق. ثم الخلاف الأخير الذي نجم عن قرار الحكومة الليبية تقييد الدخول إلى حدودها من بقية بلدان المغرب العربي باستثناء تونس. وهي كلها خلافات تتمركز في مستوى القيادات السياسية؛ بينما تجد الشعوب نفسها في موقف المتفرج على مواقف لم يشارك في صنعها رغم أنه هو وحده من يدفع فاتورتها ويتحمل تبعاتها.
ولاشك أن ما تملكه شعوب المغرب العربي مجتمعة من إمكانيات بشرية ومالية ووفرة في الطاقة كان من الممكن أن يحقق لشعوب هذه البلدان قفزة حضارية هائلة تكفل لها العيش الكريم الآمن، على نحو أفضل من تصديها، كل على حادة لضغوطات الداخل بما يعانيه من عجز في بعض القطاعات كان يمكن تعويضها من دول الجوار ومن التبعية للخارج الذي يفرض شروطه السالبة للإرادة السياسية. وقد جربت هذه البلدان بالفعل آلام الحلول المنفردة. فلجأت كل من تونس والمغرب ـ وهما عضوان في المنظمة العالمية للتجارة و من أوائل الدول التي وقّعت على اتفاقيات التجارة الحرة مع الاتحاد الأوربي ـ إلى الاستثمار الأجنبي المباشر في القطاعات التصديرية و السياحية، بعدما فشل أسلوب التدخل الحكومي لضخ الأموال اللازمة لبناء القاعدة الاقتصادية المحلية؛ بينما كان من الممكن ـ في ظل تكامل مغاربي ـ أن تسهم الاستثمارات الجزائرية والليبية بما تملكه الأخيرتان من قدرات مالية توفرها عوائد البترول في سد هذا العجز دون وقوع تونس والمغرب تحت رحمة رؤوس الأموال الأجنبية بما تحمله معها من شروط سياسية تخدم أجندة القوى الكبرى. كما أن طريق النمو الذاتي الفردي اعتمادا على عائدات النفط والغاز الضخمة لم يصمد طويلا أمام الضغوطات الخارجية في ظل هيمنة القوى الكبرى. كما أن هناك خللا هيكليا في البنية الاقتصادية للبلدان المغاربية ألا وهو اعتماد اقتصادياتها على المواد الخام الأولية؛ الأمر الذي يمكن معالجته أيضا بتفعيل آليات التكامل بين دول الجوار التي يملك بعضها رؤوس الأموال اللازمة للتصنيع ويملك بعضها الآخر الأيدي العاملة. ولعل مما ساهم في ضعف التكامل الاقتصادي بين بلدان المغرب العربي أن وثائق قيام الاتحاد نصت على ضرورة تحقيق التكامل الاقتصادي بعبارات فضفاضة، لم تذكر على نحو محدد آليات تحقيق هذا التكامل؛ مثل قيام منطقة جمركية مشتركة، أو مناطق تجارة حرة أو إقامة هيئات تصنيع مشتركة، أو مد شبكة طرق بين هذه البلدان أو تحقيق وحدة نقدية، وما إلى ذلك من سبل مادية لتحقيق هذا التكامل.
ولا شك أن تجارب شعوب العالم أثبتت أهمية قيام تكتلات إقليمية قوية، بعدما ثبت فشل تجارب التنمية الذاتية الانعزالية في عصر يعج بالأطماع الاستعمارية. وفي حالتنا هذه، تبرز ضرورة معالجة أسباب القصور التي أدت إلى تعثر مشروع الاتحاد المغاربي، ومثله بقية مشروعات التكامل العربية المتعثرة عبر تفعيل آليات المشاركة الشعبية ، وبحث سبل إقامة تكامل اقتصادي متين يضمن الحياة الكريمة لهذه الشعوب، ويحمي إرادتها السياسية ويصون استقلالها الوطني، وهو أمر غير مستحيل ـ إن صحت النية وقوي العزم ـ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كا?س العالم للرياضات الا?لكترونية مع تركي وعلاء ???? | 1v1 ب


.. فـرنـسـا: أي اسـتـراتـيـجـيـة أمـام الـتـجـمـع الـوطـنـي؟ •




.. إصابة عشرات الركاب بطائرة تعرضت لمطبات هوائية شديدة


.. حزب الله يحرّم الشمال على إسرائيل.. وتوقيت الحرب تحدّد! | #ا




.. أنقرة ودمشق .. أحداث -قيصري- تخلط أوراق التقارب.|#غرفة_الأخب