الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تديين الصراع مجرد إيديولوجيا راسمالية: سابقة على الاقطاع ومتجذرة في العولمة

عادل سمارة

2003 / 8 / 18
مواضيع وابحاث سياسية



رام الله المحتلة


ملاحظة من "كنعان":

هل الصراع في فلسطين صراعا دينيا؟

سؤال قد يثير مجرد طرحه الكثير من الألم. وقد يتساؤل المرء: وهل، بعد قرن من النضال والتضحيات، ما زال هذا الصراع وطبعته موضع سؤال؟

نعم. بل موضع تشويه وتزييف وتحريف.

هناك تاريخ طويل خلف المساعي الغربية المسعورة لتحريف طبيعة الصراع العربي ـ الصهيوني  واهدافه. تاريخ يعود الى قرن من الزمن (هذا ان لم نشأ العودة الى حروب الفرنجة التي قدمت ارض فلسطين "حماية للصليب" كما نحت الاوروبيون اسمها بالحروب الصليبية).

واذا شئنا ان نبدأ منذ وعد بلفور ( 1917)، فاننا نرى ان السياسة الامبريالية البريطانية خلال احتلالها لفلسطين (1917 – 1948) كانت احدى المحطات المبكرة لعملية التشوية هذه. فقد قامت هذه السياسة بتقسيم سكّان فلسطين آنذاك الى يهود و"غير يهود" والتعامل معهم على اساس اديانهم وتصنيفهم الى يهود ومسلمين ومسيحيين وتأليب طائفة ضد الاخرى (فرق تسد). ثم جاءت الامبريالية الاميركية (خليفة البريطانية) لتفرض هيمنتها على المنطقة بما في ذلك كافة اشكال التسوية والتطبيع والحلول المطروحة والتي جاءت لتكرس التقسيم الطائفي في مجتمعنا.

وعلى مدى عقود طويلة ترعرت في بلادنا مؤسسات الاحنبي الغربية والمتغربنة متسترة خلف العديد من الاقنعة وتمأسست في مجتمعنا عبر عناوين مختلفة من المنظمات غير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني وجمعيات ما يسمى "بحوار الاديان والتفاهم بينها" ... وغيرها. جاءت تلك بعد ان نخرت البعثات التبشيرية جسد الامة والوطن على مدى قرنين.

وتأتي مقالة الزميل عادل سمارة ردا على محاولات التشويه والتحريف وتسخير الدين والطائفة اساسا زائفا للصراع العربي ـ الصهيوني. وتتوخى المقالة ترسيخ فهم موضوعي وامين لطبيعة نضالنا من اجل التحرير الوطني، كما انها تسعى الى تجليس الصراع  العربي ـ الصهيوني ضمن السياق التاريخي والسياسي لنضال شعبنا الفلسطيني وامتنا العربية ضد التجزئة والتخلف قوى الامبريالية وراس المال الماثلة خلفها وفي سبيل انجاز مهام التحرير الوطني والوحدة والتنمية.

وكي لا يختزل تاريخ شعبنا وتضحيات جماهيرنا الى صراع طائفي وكي لا يزور نضاله الى "حوار من اجل التفاهم بين الاديان" كما يصر الغرب على تصويره، تقدم "كنعان" هذه المقالة.

***
ليس جديدا تسطيح الصراع العربي الصهيوني على انه صراع أديان، فهو جزء من الخطاب السياسي للاقطاع الاوروبي منذ حروب الفرنجة ضد الوطن العربي بحجة "تخليص" القدس من المسلمين. أما السبب الجوهري وراء تلك الحروب فكان الازمة الاقتصادية، السياسية في اوروبا ولا سيما الغربية حيث كان هناك فائضاً من الامراء وشحاً في الإمارات اي الموارد وحتى الجغرافيا فلم تكن الثورة الصناعية قد بدأت كي تزيد قدرة الانسان على استغلال الطبيعة لكفايته. وعندم حصلت الثورة الصناعية، تولد عنها الاستعمار الراسمالي الذي لا يبحث عن حاجته بل يستلب حاجات الآخرين. لذا كان لا بد من تصدير الفائض البشري والسياسي الى اماكن اخرى في العالم. وهو الفائض البشري الذي انتهى بعد بضعة قرون ليحتل العالم الجديد (الامريكتين) ويذبح سكانها الاصليين/ ويزعم بعد ذلك ان الله قد اعطى العرق الابيض تلك الارض، "فشكر" الله بتخصيص يوم واحد فقط له في العام هو (   Thanks Giving ). وهو زعم لا يختلف عن الزعم اليهودي السلفي بأن الله قد وعدهم بفلسطين، ارض الميعاد.

ربما تشكل فلسطين نموذجاً مثالياً على التراث الاستعماري في تمويه المصالح الاقتصادية والطبقية تحديداً باغطية دينية. فمن يراجع سجلات وإرث الاستعمار الراسمالي البريطاني لفلسطين، يجد ان بريطانيا قسمت الشعب الفلسطيني على اسس دينية لا قومية. لذا نجد كافة سجلات الاستعمار البريطاني وقد قسمت السكان الى مسلمين ومسيحيين ويهوداً. وهو تقسيم اعتمده الكيان الصهيوني منذ اقامته عام 1948 على انقاض الوطن والشعب الفلسطيني  واضاف عليه طائفة جديدة هي الدرزية مع انها عربية ومسلمة. فمن يراجع كتاب الاحصاء السنوي لاسرائيل Statistical Abstract of Israel     يجد انه يعتمد التقسيم الديني الى حد كبير، هذا علماً بأن الصهيونية نفسها حركة علمانية.

ان كافة النظم الراسمالية في بلدان المركز الراسمالي هي نظم علمانية، فلماذا تصر النخب السياسية الحاكمة في الغرب الراسمالي ومعها مثقفوها العضويون على الترويج للصراعات في العالم ولا سيما الصراع العربي الصهيوني على انه صراع ديني؟ لماذا يخلع الكثير من المثقفين والكتاب والاكاديميين الغربيين لباسهم العلمي ويرتدون البزة الدينية؟ هل هذه قناعة، ولو كانت قناعة، هل تقوم على علم، أم انها وظيفة عند السياسي اي عند الطبقة الحاكمة ونظامها السياسي الاقتصادي الاجتماعي؟
يُعيدنا هذا الامر الى مسألة اساسية وهي طبيعة العلاقة بين الكنيسة والسلطة في اوروبا الراسمالية ومن ثم في بقية الغرب الراسمالي بما فيه التجمعات الاستيطانية البيضاء. لقد شهدت اوروبا صراعا مريرا بين الملوك والكنيسة في حقبة ما قبل الراسمالية، وكانت أعين الملوك دوماً على املاك الكنيسة ومداخيلها وليس على قربها من الله. ولم يكن ملوك أوروبا آنذاك شيوعيين لنقول انهم كانوا ضد الكنيسة. كان لا بد لدولة الملك التي تمثل مصالح البرجوازية ان تتخطى الجغرافيا الصغيرة للامير الاقطاعي والهيمنة الاقتصادية الطفيلية والريعية للكنيسة. ولم تنجح البرجوزية في هذا إلا لأنها مثلت نمط الانتاج الاكثر تطوراً. اذن لقد حسم الامر بقوة طبقية ترتكز على أسس مادية اقوى اي اكثر تطورا واكثر انتاجية واقدر على بزل رأسمال (بمعنى ان ما لدى البرجوازية ليس مجرد اكياس من النقود بل نقوداً تتراكم ولا تتكدس كي توظف في الاستثمار وليس كي تنفق على الترف). لم يُحسم أمر الصراعات هناك على اسس دينية، وتحديداً طائفية على اعتبار ان اوروبا، آنذاك على الاقل كانت مسيحية خالصة. ثم جاءت الثورة الفرنسية لتحسم امر الكنيسة لصالح راس المال ولتكون بداية رسملة الكنيسة وليس تديين راس المال.

أما بريطانيا، والتي ينسب ماكس فيبر لها دوراً كبيراً للاخلاق المسيحية في رسملتها، فكانت اول الدول التي سارت على أقدم دستور وضعي، وإن لم يُكتب بعد. وعليه، فإنما يجب أن يُنسب للبرجوازية البريطانية كمساهمة نادرة، هو تلك القدرة الهائلة على نسب دور هائل للدين، مع انها ذات تراث اكبر في تحجيمه ورسملته وتجاوزه بدءاً من الدستور الوضعي.

وطالما ان البرجوازية هي الاكثر معرفة بدور الدين، والخبيرة في تحجيمه ورسملته، فلماذا تصر كانظمة حاكمة وكمثقفين على تضخيم دوره في الصراع العالمي؟ لماذا تقوم نفس البرجوازية التي احتوت الاديان وهزمت الكنيسة بالصراع الطبقي داخل الدولة القومية، لماذا تقوم على الصعيد العالمي بتصوير الصراع وكأنه صراع اديان وثقافات؟

ألا يعيدنا هذا الى المنهج المادي عملياً لراس المال وتمويهه بمنهج مثالي؟ فلماذا يكون الصراع ماديا طبقيا في الغرب الراسمالي، ومن ثم بقدرة قادر يصبح دينياً ضد العالم الثالث؟ هل كانت القومية هي الاداة المناسبة لتبسط البرجوازية هيمنتها على السوق القومي، واصبح الدين الاداة الافضل لبسط هيمنها عالمياً؟ ربما يكون تقديرنا هذا صحيحاً.

لقد تم استخدام القومية كوسيلة ايديولوجية بمعنى الوعي الزائف للايديولوجيا كي تبسط البرجوازية هيمنتها على الوطن القومي، واصبح على ابناء الطبقة العاملة والفلاحين ان يتجندوا في حروب داخلية كي يهزم الملك الامير الاقطاعي والكنيسة الكاثوليكية وحصل ذلك. ثم في حروب أوروبية/اوروبية طويلة ومريرة تسيطر برجوازية كل بلد على سوقها القومي وحصل ذلك. ولو كان اساس الحروب دينياً، لما قامت في اوروبا تلك الحروب. ولكن تطور نمط الانتاج الراسمالي تجاوز قدرة السوق القومي على استيعاب المنتجات فكان لا بد من البحث عن اسواق خارجية وحصل ذلك وكان الاستعمار فالامبريالية. وهما حقبتان تم فيهما خصي الوعي وبالتالي النضال الطبقي في المركز الراسمالي. لقد تمكن نهب العالم الثالث واقامة علاقات تبادل لا متكافىء معه، تمكن من توفير ثروات هائلة منهوبة من المحيط الى المركز، وبالتالي وصلت اقتصاديات التساقط من موائد البرجوازية الى الطبقات الشعبية في المركز فخدرتها عن الثورة الطبقية.

لقد انشغل المركز الراسمالي في العقود الثلاثة الاولى من القرن العشرين بمعركتين اساسيتين:

- معركة مع العالم الثاني لتقويض المد الشيوعي
- ومعركة مع العالم الثالث لتقويض المد القومي.

ومن هنا كان الانشغال الاساسي لمثقفي المركز في الرد على الفكر الشيوعي وفي نقد الحماية الاقتصادية من بلدان المحيط، ونسب موقف شوفيني لكل نضال قومي هناك.

لكن النظام العالمي شهد في الربع الاخير من القرن العشرين حالة من المفارقة المزدوجة النادرة:

• فقد شهد، منذ اوائل سبعينات هذا القرن، أزمة اقتصادية مديدة تواكبت مع انتقال النظام الراسمالي العالمي الى حقبة العولمة

• وشهد كذلك انتصاره الحاسم على ثورات بلدان المحيط (العالم الثالث) التي ساعدت، وربما أدت بالضرورة، في الثمانينات والتسعينات الى تقويض كتلة الاشتراكية المحققة.

دعونا نقول من حيث المبدأ، أن البرجوازية في مرحلة الاستعمار فالامبريالية فالعولمة تحتاج الى قوة تعبئة ايديولوجية لتبرير تجنيد المواطن العادي للحرب في الخارج طالما ان مصالحها وصلت الى هناك. وعليه، فإن هزيمة المحيط والكتلة الاشتراكية تحتاج لغطاء ايديولوجي للطبقات الحاكمة في المركز كي تبرر الهجوم على هذه المناطق، سواء الهجوم العسكري المباشر او دعم انظمة في تلك المناطق تقوم مقام خادم المركز الراسمالي في حقبة العولمة. لا بد اذن من ايديولوجيا جديدة.

من هنا كان  الاسهل اختراع العداء الديني، وهوالامر الذي قذف بالاسلام فجأة ليكون خصم المركز الراسمالي ذي الثقافة المسيحية. فبعد أن طُرح الاسلام في الوطن العربي كنقيض للشيوعية والقومية العربية، وبعد هزيمة هذا الخصم، جرى تحويل الاسلام نفسه الى عدو. وبقدرة قادر انكب مثقفو المؤسسة الحاكمة في المركز الراسمالي على دراسة الاسلام وتلبيسه تفسيرات عدوانية وحربية وعنصرية...الخ. وهو نفس الاسلام الذي استخدموه ضد الناصرية والبعثية وضد نظام كابرال في افغانستان...الخ.

وكان صامويل هنتنجتون الاكثر صلافة في هذا المستوى ليزعم ان العالم يعيش حالة صدام الحضارات (مستخدماً هذا الاصطلاح المريض الذي صاغه برنارد لويس)  وتحديداً صراع الاديان والثقافات. وليضع الغرب الراسمالي الذي طالما احترب وادخل العالم معه في حروب لا علاقة للاديان بها، ليضع هذا الغرب في مواجهة العرب والصين بشكل خاص.

ان نظرة اكثر تعميقاً لهذا الطرح  تكشف عن تسخير هنتنجتون وأضرابه أنفسهم لصالح راس المال. فالعرب يعيشون في بقعة تحتاجها راسمالية المركز باعتبارها بحر النفط، والصين تشكل التحدي الاقتصادي للمركز الراسمالي الغربي. فالمسألة اذن هي: اين هي المنطقة الجغرافية التي تشكل تحدياً لمصالح راس رالمال وكيف يجب احتوائها او السيطرة عليها؟ وعلى ضوء ذلك يتم تطويع التحليل السياسي ليأخذ بعدا دينيا وثقافياً لقضايا هي في جوهرها مصالح مادية بلا مواربة.

على هذه الارضية، تم إدخال الصراع العربي الصهيوني في نفق الدين والثقافة. وتم تشويه هذا الصراع ليبدو وكأنه صراع بين الاسلام من جهة وبين المسيحية واليهودية من جهة ثانية. وتورط الكثير من القوى السياسية والمثقفين العرب والمسلمين في هذا المنزلق. لا بل انزلق كثير من المثقفين العرب الى منزلق احتراف الهجوم على القومية العربية في حالة من مجاراة السيد الصهيوني والراسمالي الغربي.

ان مبالغة الاكاديميين البرجوازيين الغربيين سواء المقربين من دوائر المخابرات او المعادين للعروبة بطبيعتهم الفكرية، ان مبالغة هؤلاء في الهجوم على الاسلام والقومية العربية إنما هو موقف يخدم الصهيونية في الاساس. ولعل الامر أكثر تعقيداً، فإن مسألة القومية العربية هي من الامور التي يرفض حتى كثير من اليساريين الغربيين تفهمها. أنهم ينظرون الى القومية العربية كقومية شوفينية، مع ان الامة العربية نفسها لا تزال تحت انواع متعددة من الاستعمار والاحتلال، وأن هذه الامة لا تزال تعيش مرحلة تحرر وطني، وبالتالي فإن مطلب القومية العربية هو التحرر وليس التمدد الاستعماري. ولا شك ان لهؤلاء علاقات ما خاصة بالكيان الصهيوني الذي يرى في القومية العربية عدوه الرئيسي لأن من مصلحته بقاء الامة العربية مفككة كي يبقى هذا الكيان محتلاً لفلسطين. وهكذا، فإن وقوف اكاديميين غربيين ضد العروبة والاسلام سواء كانوا من اليسار بأجنحته (التروتسكية والسوفييتية القديمة) أو من اليمين امثال برنارد لويس وصامويل هنتنجتون، والأقل شأنا سامي زبيدة ، إنما يخدمون الكيان الصهيوني تماماً وربما أكثر مما يخدمون المركز الامبريالي.

لقد تهيأ للكثير من المسلمين البسطاء بأن هذا الغرب يريد تخليص ديننا من بين أيدينا..."اذن علينا العودة الى الدين، إلى اكثر التفسيرات سلفية للدين". . وقد ادى هذا الى انحسار التيارات العلمانية في الوطن العربي ليبقى في الساحة تياران:

• تيار الكمبرادور الحاكم بما هو أداة طبقية تعمل لصالح المركز الراسمالي العالمي مفرطة بثروات الامة.

• وتيار الاسلام السياسي الذي يراها حرباً ثقافية دينية لا طبقية.

والخطورة أن التيار الاول خائن اقتصاديا واجتماعيا وطبقيا، اي يفرط في مصالح الامة، وان التيار الثاني ينشغل في أمور بعيدة عن الاقتصاد والتنمية وحماية الثروة وتسخيرها لصالح الامة. وعليه، تكون النتيجة بقاء الاستغلال، ونهب الثروات والتبعية...الخ في مقابل تدفق الناس الى المساجد والتسبيح بحمد الله الذي أعطاهم ديناً "يحسدهم الآخرون عليه!" في حين تتمتع الطبقة الرأسمالية الكمبرادورية في الحكم والطبقة الراسمالية الغربية في ثروات البلاد.

أما فيما يخص الكيان الصهيوني، فإن إعطاء الصراع مسحة دينية، إنما يعني التعمية عن رؤية البعد الطبقي المصلحي الذي يجمع بين راسمالية المركز والتي ليس الراسماليون اليهود سوى جزء طبقي منها وهذا هو الاساس. أما هل هؤلاء الراسماليون اولا واساسا واليهود ثانيا وثانوياً، هل حصتهم في راس المال عالية ام قليلة، فهذا لا يغير في جوهر الامر شيئاً. وعليه، فإن الوهم الذي يروج له بعض مثقفينا، وتوحي لهم به العلاقة الحميمة بين المركز الراسمالي والكيان الصهيوني، بأن اليهود يهمينون على العالم، مما يعزز الرغبة في الاعتقاد بأنها حرب دينية، يضعف موقفنا وموقف اصدقائنا منا.

ان المواقف الرجعية لمعظم يهود العالم، لا تقوم على اساس ديني بقدر ما تقوم على اساس راسمالي. وبهذا يكون الراسماليون اليهود عبيداً لمصالحهم الاقتصادية كما هي كافة الراسماليات في العالم. وفي هذا الصدد ايضاً، لا يغير من الامر شيئا اذا كانت اكثرية اليهود من الاغنياء، فهم في هذه الحالة عداء للشعوب والطبقات المضطهدة كراسماليين وليسوا كيهودً.

إن أي انتصار للرأسمالية الغربية في تصوير الصراع العربي ـ الصهيوني على انه صراع ديني إنما هو حرب من نوع جديد، تفقدنا نحن العرب حليفنا الطبقي والطبيعي، اي القوى الثورية والانسانية عامة وتحديداً الاممية على صعيد عالمي، وتدفعها إما الى اليأس او الردة عن الانتصار لقضايانا. بهذا ينجح مثقفو راس المال في كسب معركة أخرى، كان ولا يزال بوسعنا كسبها وحسمها.

ومرة اخرى، فإن التواكب او التزامن بين الازمة الاقتصادية للمركز، واعتماد السياسات اللبرالية الجديدة المناسبة لحقبة العولمة، قد واكبتها بطالة في المركز، وعليه عادت الراسمالية لتنزل الدين عن الرف وتنفض عنه الغبار  لتشن معركتين في آن:

• معركة ضد المرأة كي تعود الى البيت لتربية الاولاد وحسب مما يقلل عرض قوة العمل في السوق، أي يمتص نسبة البطالة مما يحصر العمل في الرجال.

• ومعركة ضد الاسلام لتبرر رأسمالية لمركز إعادة الاستعمار بمبررات وأغطية دينية.

لقد اصبح الامر اكثر تعقيداً في الوقت الحالي. فلكي يتم تبرير شن حرب ضد افغانستان ولاحقا ضد العراق، كان لا بد من تطعيم المسألة الدينية عند البسطاء في المركز مع مسائل جديدة مثل الارهاب واسلحة الدمار الشامل. وعليه، اصبح خطاب المركز الراسمالي في حقبة العولمة قائما على التحليل التالي:

"إن الاسلام دين عدواني ورجعي، وبالتالي فإن المسلمين وخاصة العرب يكرهون الغرب وخاصة امريكا، وعليه، فقد حولهم هذا الدين الى ارهابيين، وها هم يمتلكون اسلحة الدمار الشامل ليدمروا الغرب المسيحي". اذن علينا "نحن الغربيين" ان نبادئهم بحرب استباقية. هذا جوهر عقيدة رأسمالية المركز لا سيما الادارة الاميركية الحالية.

بهذا التزييف الهائل تمسكت الطبقتان الحاكمتان في المركز الراسمالي الاقدم بريطانيا والمركز الراسمالي الاضخم الولايات المتحدة، وفي أذيالهما بعض التابعين الطامعين ليشنوا حربأ وحشية لاحتلال العراق ونهب موارده.

ففي حين ان الحزب الحاكم في الولايات المتحدة هو الحزب الجمهوري اي الاكثر يمينية من بين الاحزاب التي تتداول الحكم هناك، فإن الحزب الحاكم في بريطانيا هو الحزب الاكثر يسارية بين الاحزاب التي تتداول الحكم هناك. ومع ذلك تحالف هذان النظامان في حرب صيد طراد مقدس ضد العراق وكل العرب.

وعليه، فإن التحالف هو في الحقيقة بين الانظمة الطبقية الحاكمة سواء كان على المقاعد "يساراً أم يميناً". ألم يكن في الحكم في فرنسا عام 1956 الحزب الاشتراكي عندما شنت الحرب على مصر مع بريطانيا والكيان الصهيوني! ألم تتعاقب الاحزاب الاشتراكية والعمالية واليمينية في تاريخ الاستعمار الراسمالي الاوروبي على كافة ارجاء العالم؟ هل كانت كل هذه الحروب دفاعاً عن المسيحية؟

علينا ان نعترف نحن الاشتراكيون والقوميون العرب بأن المركز الرسمالي ومعه الصهيونية قد نجحا في تشويه رؤية الكثير من جماهيرنا لطبيعة الصراع فدفعوا بهذه الجماهير الى رؤية اصولية للصراع مما اضعف موقفنا وشوه موقف هذه القوى وشوه الدين نفسه.

ان الكيان الصهيوني هو أول دولة دينية في التاريخ البشري المعاصر. وحين قلدها إسلاميو إيران، قامت قيامة المركز الراسمالي دون أن يسأل أحد نفسه: أليس الكيان الصهيوني هو أول من ارسى هذه الايديولوجيا؟ أم ان التعصب الديني، والارهاب واقتناء اسلحة الدمار الشامل تليق بالغرب الراسمالي والصهيوني ولا تليق بالعرب والمسلمين والافارقة...الخ.

ان الزعم بأن فلسطين هي ارض الميعاد حسب الاسطورة التوراتية، هو الذي دفع الكثير من قوى الاسلام السياسي للزعم ايضا بأن فلسطين "وقف إسلامي" وبأن الامة العربية "خير امة أخرجت للناس". وهذا يطرح تساؤلاً، اين حقيقة الموقف الالهي، معنا أم معهم!

ان الانعاش المقصود للاصولية الاسلامية لدينا هو بحد ذاته مشروع اقتصادي متكامل جوهره تسهيل تحكم الاستعمار الجديد بثروة الامة، مقابل انشغالنا بالعبادة وإعادة تفسير القرآن او التشاغل بحروب دموية داخلية كما والحال في الجزائر والى حد ما في مصر.

 

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا: القيادي اليميني المتطرف إريك زمور يتعرض للرشق بالبيض


.. وفد أمني إسرائيلي يزور واشنطن قريبا لبحث العملية العسكرية ال




.. شبكة الجزيرة تندد بقرار إسرائيل إغلاق مكاتبها وتصفه بأنه - ف


.. وزير الدفاع الإسرائيلي: حركة حماس لا تنوي التوصل إلى اتفاق م




.. حماس تعلن مسؤوليتها عن هجوم قرب معبر -كرم أبو سالم- وتقول إن