الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة فكر ونظام

علي جرادات

2007 / 4 / 5
القضية الفلسطينية


ما زالت تداعيات الفشل العسكري الإسرائيلي في العدوان على لبنان تتفاعل، وتدور راهنا حول وقف أو مواصلة نشر مقتطفات مِن شهادات جمعتها لجنة التحقيق (فينوغراد)، وذلك بعد استئنافها بضغط مِن أولمرت على قرار محكمة العدل الإسرائيلية السماح بالنشر قبل تقديم تقرير لجنة التحقيق النهائي.
طبيعي استمرار تداعيات فشل العدوان الإسرائيلي على لبنان، ولا نظنها ستتوقف، بل ستزيد حدة بعد نشر تقرير لجنة التحقيق النهائي، ففشل العدوان مِن الزاوية العسكرية، وتدني حصاده السياسي بالنتيجة، أظهر للسطح أزمة إسرائيلية داخلية طالت كافة المستويات السياسية والعسكرية والأمنية والحزبية.
وحظيت هذه الأزمة بتحليلات واسعة خارج إسرائيل، تباينت في رؤية أسبابها، وتفاوتت في تحديد عمقها، وتمايزت في تشخيص صيرورتها، وإختلفت في تقدير مدى قدرة النظام الإسرائيلي على إحتوائها وتجاوزها، وتعددت في تنبؤات كيفية السبل التي سيتبعها سائد السياسة الإسرائيلية لمعالجتها والخروج منها، وتفارقت في إجتهادات كيفية ومدى إمكانية استثمار وتوظيف هذه الأزمة عربيا.
ولكن الجميع يقطع أن أزمة تعتمل في الداخل الإسرائيلي، لكن السؤال المفتاحي الذي يتوقف عليه حسم الكثير مِن التساؤلات السابقة، هو:
هل هذه الأزمة هي أزمة للحكومة الإسرائيلية الحالية ومؤسستها العسكرية، أم أزمة فكر عنصري ونظام احتلالي؟!!!
في إجابات الإسرائيليين على سبب الأزمة، وعلى إختلاف مشاربهم تقريبا، وكإتجاه عام، إنهالوا على قيادة حكومتهم الحالية وطريقة إدارتها للحرب، وعلى قيادة مؤسستهم العسكرية الراهنة وخططها وتكتيكاتها لتنفيذ الحرب، وحمَّلوا هاتين القيادتين مسؤولية الفشل العسكري، وإستخلصوا أن تغيير القيادة السياسية والعسكرية إضافة إلى إجراء تغييرات نوعية في واقع الجيش وطرائق إتخاذ القرار السياسي والعسكري، سيفضي إلى إختفاء الأزمة.
بلا جدل، وبدون أدنى شك، فإن الإجابات الإسرائيلية تشي بحيوية نظام احتلالي يسمح بالتعلم من التجارب، ويتيح إخضاع الفاشلين مهما علا شأنهم، إلى المساءلة والمحاسبة القانونية والشعبية، وفي هذا مؤشر عافية، ويجب الإقرار بأن ما تطيح به هذه الحيوية مِن رؤوس ذات مكانة هو دليل منعة وقوة، غير أن توقف الإجابات الإسرائيلية عند هذا الحد في قراءة سر أزمتهم، أي إختزال أسبابها في راهن واقع الجيش وطريقة إدارة القيادتين السياسية والعسكرية للعدوان، فإنن هذا الإختزال، وفضلا عن أنه لا يقوى على منع تكرار وقوع الفشل، وبالتالي تظهير الأزمة، فإنه يخفي بوعي خشية الذهاب إلى ما هو أعمق مِن سرها، إنها الخشية التي أنجبت امتناعا واعيا عن كشفِ سترِ تصورٍ خرافي للإسرائيليين عن أنفسهم، إنه تصور أن تفوقهم معطى ثابت بمعزل عن التاريخ، وأن نجاحهم مؤكد بصرف النظر عن تحولات الواقع.
والسؤال، ترى ما الذي يفسر تلك الخشية الواعية مِن الذهاب إلى ما هو أبعد في سر أزمتهم؟!!! تزكي وجاهة هذا السؤال حقيقة، أنها ليست المرة الأولى التي تفشل فيها الآلة العسكرية الإسرائيلية، فقد كان لها ذات الفشل، بل ربما بصورة أكبر، في حرب عام 1973، وتكرر الفشل، وإن على نحو مغاير وبمعايير مختلفة، في مواجهة الإنتفاضة الفلسطينية المجيدة (1987-1993) ذات الطابع السلمي والشعبي الواسع. وفي حالتي حرب 1973 وانتفاضة 1987 لم يكن أولمرت وبيرتس وحالوتس هم مَن يقود الدفة السياسية والعسكرية في إسرائيل، بل كانت غولدا مائير وديان في (حرب 1973) وشامير ورابين في (إنتفاضة 1987)، وهؤلاء جميعا هم ممن ما زال الإسرائيليون يتغنون بنجاحاتهم اللامعة في تاريخ السياسة والعسكرية الإسرائيلية. يعني هذه ليست هي المرة الأولى التي تفشل فيها قيادة إسرائيلية، وكذا فإن أولمرت الضعيف وبيرتس وزير الدفاع غير الجنرال وحالوتس رئيس الأركان الأول القادم مِن سلاح الجو، هم ليسوا أول قيادة إسرائيلية سياسية وعسكرية تفشل، بمعنى أن عدم اهليتهم (كما يوصفون إسرائيليا) ليست بالضرورة سبب الفشل، أو على الأقل ليست السبب الوحيد والكلي خلفه.
لذلك، ولأن سبب عجز القائم مِن القيادة، يتكرر بدون منطق كتفسير وحيد وكلي لكل فشل عسكري إسرائيلي، بينما لا يمنع تغيير هذه القيادة تكرار الفشل، وبرغم أن حيوية التغيير هي بحد ذاتها دليل قوة، فإننا نعتقد أن القيادات الإسرائيلية تجتر سبب ما يصيبها مِن فشل بين حين وآخر، وأن هذا الاجترار يعكس فعلا خشية تلد امتناعا عن الذهاب إلى ما هو أعمق في سر أزمات تظهر للعيان مع كل فشل عسكري يصيب الجيش الإسرائيلي وآلته العسكرية، أما لماذا تلك الخشية وذاك الإمتناع كما سبق مِن سؤال مشروع؟!!!
فلأن مِن شأن شطب تلك الخشية، وتكسير ذاك الإمتناع، أن يضع سائد العقلية القيادية الإسرائيلية على اختلاف تلاوينها الحزبية وجها لوجه أمام ضرورة الإعتراف والإقرار بأن تصور الإسرائيليين الخرافي عن أنفسهم غير واقعي، ولا تزكيه التجربة العملية، ولا يصمد أمام حقائق التاريخ، وأن أجنحة هذا التصور الخرافي ربما تصطدم يوما بصخور أقسى مِن صخور ما واجهته مِن فشل حتى الآن، وتخلق بالتالي ما هو أعمق مِن أزمات، وهذا مصير وارد ومحتمل بصرف النظر عن صعوبة التنبؤ بزمانه وكيفيات حصوله، ونظن أن القيادات الإسرائيلية تعي هذه الحقيقة المرة، ولكنها تغطيها بالعنجهية والتحايل والتضليل الواعي، ومع شديد الأسف بتواصل ضعف طرف الصراع العربي أيضا.
ولكن الأخطر في نتائج التمسك بذاك التصور الخرافي، وما يكرسه مِن معاندة للحقيقة وإنكار لها، إنما يكمن فيما يقود إليه مِن استمرارٍ لنهج معالجة كل فشل عسكري يظهر الأزمة، بالمزيد مِن الإعداد والإستعداد لمنازلة عسكرية عدوانية جديدة، ونظن أن هذا ما تعد وتستعد له القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية، بل ونعتقد أنها شرعت به منذ اليوم التالي لتوقف هدير الدبابات والطائرات في لبنان.
كان يمكن لنا أن نفكر على نحو مغاير، ونصدق نفي القيادات الإسرائيلية أنها تعد لحرب قادمة، رغم زلات لسان وتلويح بعضها بهذه الحرب بين حين وآخر، وكان يمكن لنا أن نصدق رهانَ أن يقود الفشل العسكري الأخير في لبنان إلى إقناع سائد العقلية القيادية الإسرائيلية بالكف عن خيار "تلافي الحرب بحرب"، والتوجه لخيار "تلافي الحرب بالسياسة"، نعم كان يمكن أن نصدق ذلك لو أن خطاب القيادة الإسرائيلية حول "رغبتها" و"إستعدادها" للتسوية السياسية، ومنذ توقف محركات الدبابات في لبنان قبل ثمانية أشهر، تجاوز عتبة الدعاية، وخطى ولو خطوة عملية واحدة تؤشر على استعداد فعلي لهذه التسوية السياسية، وتحديداً على صعيد جوهر الصراع القضية الفلسطينية، غير أن لا وجود لمؤشرات على هذا الصعيد؛ إذ هل المطالبة (مثلاً) بتخلي العرب عن حق العودة والقدس وإعتبار خطوط الرابع مِن حزيران حدودا للدولة الفلسطينية تعكس مؤشراً على هذا الاستعداد؟!!! وهل يمكن إعتبار مطالبة العرب بقبول شرط "التطبيع أولا" مقابل مجرد إبداء الاهتمام بِ"المبادرة العربية" مؤشرا على هذا الإستعداد؟!!! وهل... وهل.....ألخ.
كلا، إن سائد العقلية القيادية الإسرائيلية ليس في وارد تسوية سياسية تلبي ولو الحد الأدنى مِن الحقوق الوطنية الفلسطينية، وهذا ما لا نصدق عكسه إلا عندما يبدأ الإسرائيليون بتحميل هرتزل مسؤولية أزمتهم لأنه مَن أوحى لهم بفكرِ تصورهم الخرافي عن أنفسهم، وتحميل بن غوريون قسطه مِن المسؤولية لأنه مَن بدأ بوضع هذا الفكر وتصوره الخرافي موضع التنفيذ. بهذا، إن حصل يكون الإسرائيليون قد أدركوا أن أزمتهم تتجلى مع كل فشل عسكري هي أزمة فكر عنصري عليهم التجرؤ على كشف ستر خرافيته، وأزمة نظام احتلالي عليهم أن يكفوا عنه، وليس أزمة قيادة سياسية وعسكرية بعينها يحملونها مسؤولية هذا الفشل أو ذاك، فيغيرونها، ولكن احتمال بروز قوة تبزهم يبقى قائما، فتتجدد الأزمة لتلد حربا أخرى، وهكذا دواليك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لمحة عن حياة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي


.. بالخريطة.. تعرف على طبيعة المنطقة الجغرافية التي سقطت فيها ط




.. شاهد صور مباشرة من الطائرة التركية المسيرة -أكنجي- والتي تشا


.. محاكاة محتملة لسقوط طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في م




.. أبرز حوادث الطائرات التي قضى فيها رؤساء دول وشخصيات سياسية و