الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النبي

على أحمد على

2007 / 4 / 8
الادب والفن


في زمن بعيد كان يعيش بنو إسرائيل من بعد موسي وقد فشا الفساد وعم الضلال فيما بينهم ، وكان الله "عز وجل" يرسل إليهم الأنبياء للهداية ولكن ما من مجيب حتي جاوز عدد أنبيائهم المئات وهم لا يهتدون ، وكان من بين بين إسرائيل رجل صالح يعبد الله ويفعل الخير ولكن
لا يخالط قومه كثيراً لفساد طبائعهم وسوء خلقهم هذا الرجل يدعي "دانيال" ظل "دانيال" يفعل ما يفعل وقومه يفعلون ما يفعلون لا يسمع عنه قومه ولا يريد هو أن يسمع به أحد وذات يوم وبينما كان يسير في السوق فإذا به يلمح عن بعد رجل يضمر النار في أكوام من الحبوب ، رجل خبيث النفس يفعل خبيث الفعل وما فعل المرء إلا تعبير عن مكنونات نفسه ودخائلها الدفينة ، رأي "دانيال" هذا الرجل وهو يفعل فعلته الآثمة فتوجه نحوه ولكن سبق السيف العذل وأضرم الرجل النار ولاذ بالفرار ولكن "دانيال" إستطاع أن يخمد الحريق بمجهود عنيف ، نجح في ذلك ولم يقف ينتظر شكراً من أحد ولكنه مضي في طريقه .
كانت الحبوب لتاجر كبير يسيطر علي تجارة المدينة ويحتكرها وعندما سمع بما حدث أضمر في نفسه أمراً ، وبدأ في تنفيذه بالفعل ، كان قد عزم علي أن يذهب لبيت "دانيال" ويشكره علي مرأي ومسمع قومه لا لفضيلة العرفان بالجميل وإنما رياء واكتساباً للشهره ، ذهب إليه في منزله فاستقبله "دانيال" وجلسا معاً ودار بينهما هذا الحوار :-
:-أشكر لك صنيعك يا رجل لقد أنقذت تجارتي من ذلك الرجل الآثم
لا داعي للشكر ، قلم أفعل ما يستوجبه وإنما فعلت ما رأيته صواباً أما الرجل فلعل في نفسه حاجة لطعام أوفاقه شديدة فدفعتها دفعاً إلي السرقة .

حسبك يا رجل ، تترفق باللص الكافر هذا ، وكأنه رجل عظيم إنما هو من الرعاع فلا تأخذك به شفقه أو رحمة .

فليكن ، دع الخلق للخالق .

إني أكاد ألمح بين طيات حديثك إيمان عميق وكأن الله قد بعثك بالنبوة أو أرسل إليك الوحي .

لا ما أنا بنبي ، ولا برسول

لا بل أنت نبي ، ولقد جمعت لك الناس خارج الدار وسأناديهم ليروا النبي الجديد فأنت تعلم جيداً كثرة أنبياء هذا الزمان فما الضير في نبي آخر .

أجننت يا رجل ؟ ما أنا بنبي ، إنما النبي يكون بوحي من الله إنما أنا رجل عادي كباقي الناس
لكن التاجر لم يسمعه وإندفع للخارج بعنف ونادي أتباعه وأمرهم أن يهتفوا للنبي الجديد ، كان ذلك التاجر قد اضمر في نفسه خطة خبيثة ألا وهي ......... مهلا دعنا مما في نفس التاجر ولنر ماذا سيفعل "دانيال" في هذا الأمر أما صنيع التاجر ونواياه فسنكتشفه لا ريب في حينه .
فقد حار عقله في ذاك الأمر ماذا يريد هذا الشيطان ، هل يود أن يصعد علي أكتافي لغرض خبيث في نفسه ، ربما ولكن الرجل لم يظهر الشر فما شأني بما يبطن ولكن لقد عاهدت نفسي أن ألتزم بالقيم التي أعتنقها وأعتزل هذا المجتمع الفاسد ، ثم فكر ملياً وقال ولكن التاجر لم يطلب شيئاً بل لعله عرض أشياء في كلامه ضمنها إياه وأنا أكاد أجزم بأنه يقصدها فهكذا التجار لا يريدون أن يصرحوا بالأمر وإنما يريدون أن يفهمهم من أمامهم فهم يغلفون الأمور بغلاف شفاف يكاد يشي بما تحته ويريدون أيضاً الثقة بأن كلمتهم قاطعة و ..... يا إلهي إلي أي جرف أهوي ماذا ألم بي إنني أنجرف مع تيار عمدت طيلة عمري أن أتحاشي الخوض فيه أو حتي الاقتراب منه ، وضع "دانيال" رأسه بين كفيه وراح يفكر قليلاً ثم ما لبث أن رفعها وراحت في عينيه أطياف عزم ، عزم محاط بغلالة رقيقة من وخز الضمير علي ضعفه للحطة وأخري من الارتياح لاتخاذ هذا القرار، "فدانيال" والذي ادعي عليه التاجر بالنبوة كان قد عزم أن يجمع الناس ويفض تلك الفوضي التي ألمت بالمدينة ، عقب إعلان التاجر في كل الأنحاء بواسطة رجاله أن نبي جديد قد ظهر ، كان القوم للضلال أقرب منهم للهدي وللإيمان أبعد عنهم للكفر ، فهم موزعون بين صاحب سلطة يريد إرتداء العباءة الدين ليغطي قبيح أفعاله أو صاحب مال يريد أن يدفن أمواله بين ثنايا أرض الدين فكسبها طهارة علي دنسها وشرعية علي فسادها أو كلاهما معاً أولا هذا ولا ذاك وإنما هي من العامة الذين إنحطت بهم الحياة فأرادوا الدين لينتشلهم - ولو عن طريق الحرام – إلي شاطئ وإن اشتد قفره يكون بلا ريب أرحم من الموت غرقاً في بحر لجي عميق
أو التخبط بين أمواج لا تبقي ولاتذر تشبه في بطشها المارد الهائج ولكن مهلاً أو ليس الدين هو المنقذ من المهالك أو ليس الدين براد الذين ضلوا إلي سواء السبيل ؟ بلي ولكن هؤلاء لن يعتنقوا الدين سعياً وراء ذلك وإنما هرباً من أشياء أخري فيكون كمن جلس إلي الناس يحكم بينهم وهو ليس بفقيه أو كمن جلس للناس يخطب فيهم وهو ليس بعالم وسيصبح يداً للجهالة تبطش بها لا يد للحق تفصل بها يد للشر تقسو بها لا يد للرحمة تحتويها فالداخل للحق بقلبه ليس كالداخل إليه رغماً عن أنفه أرغمته صروف الزمن وملمات الدهر ، أما باقي الناس فالأمر لا يعنيهم علي الإطلاق فأن يأتي النبي كأن لم يأت وهم ليسوا ، بغلاظ القلوب أو فاسدي النفوس وإنما هم يسعون في الحياة ، يركضون في كل اتجاه ليس لرفاهية يجنوها وإنما لعيش علي الكفاف يضمن لهم ألا يموتوا جوعاً ، إذن فهم كفار بالمجتمع لا بالله ، وناقمون علي الناس لا علي الدين كل واحد منهم تكاد تلمح في عينيه نظرات الكراهية والتنفس تجاه الآخرين يشمت في من يعاني ويفرح لأحزان الناس وهؤلاء ليسوا بفاسدي السريره وإن كانوا فهم أشبه بفتي جميل جاء أحدهم وقاتله فأفسد وجهه أو كفتاة هي للطهر اقرب منها للفسق ، جاء أحد العابثين وأفسد نفسها فضلاً عن جسدها فهم مغلوبون علي أمرهم أفسدوا رغماً عنهم فما لهؤلاء هم إلا أن يقاتلوا في سبيل العيش فقط العيش ثم لا يلقون بالاً لمبدأ أو لقيمة ؟ لذا فهم لا يهتمون لدين جديد أتي أم دين قديم ولي ، ولا أعفيهم من حرج ولكن ليسوا بالجناة إنهم كالجائع يكاد يموت جوعاً وأتي أحدهم إليه وقال له إن قتلت هذا الرجل سأعطيك ما تأكله فيفعل فيلقي له بالفتات أو كفتاة قد أتي عليها الظمأ وخرت علي الأرض فأتاها ذئب جائع وخيرها بين الموت عطشاً أو أو أن تمنحه نفسها ففعلت فأعطاها شربة ماء فلا هي ارتوت ولا هي إحتفظت بنفسها خسرت كل شئ ، والآن لنعود إلي الذي عزم علي الأمر اشد ما يكون العزم وقرر الذهاب إلي
السوق ، ليكاشف الناس بالحقيقة وبأن التاجر المخادع قد إدعي عليه أنه نبي وأنه ليس كذلك وأن ذلك الأمر يهبه الله من يشاء من عباده ، وقيل أن يخرج من بيته إذا ببابه يدق ففتح فإذا بشاب في ملابس رثه وشعر أشعث لدي الباب ، فوقف قليلاً ولم يقل شيئاً فعاجله الشاب قائلاً :-يا سيدي إن التاجر قد أشاع في المدينة أنك نبي جديد ، والله أعلم بذلك ولكن الرجل قد إستغل إسمك ورسالتك وأشاع أيضاً أن البركة ستحل علي من يتعامل معه لأنك باركت تجارته ، ثم توقف الفتي قليلاً وهو يكاد يلتقط أنفاسه ، ثم أكمل حديثه قائلاً :- أما يا سيدي وإن كنت نبي فانتصر للدين من بطش رجل إتخذ الشيطان ولياً وانقذ الناس من أن يتوهوا وينجرفوا مع غيه وشحه أما إن لم تكن فانتصر للحق وما يحتاج ذلك أن نكون أنبياء ولا تتقول علي الله فتكون من الهالكين ولم ينتظر الشاب رد الرجل فانصرف علي عجل تاركاً خلفه رجلاً امتزج في داخله الحزن بالذهول فالأمر صار أمرين والحدث صار جللاً فتحرك ببطء إلي الخارج وأغلق الباب خلفه واتجه ناحية السوق ، حيث يتجمع الناس ويجلس التاجر .
"أيها الناس اسمعوا لي فجاء العبد الفقير إلي الله إلا بخير ونصح" .
فتهامس الناس :- النبي ...... النبي
وأكمل الرجل حديثه قائلاً :- أما بعد ، فقد أدعي علي رجلاً منكم تعرفونه جميعاًُ أني نبي وأنا لست بنبي ، والله علي ما أقول شهيد وليت الأمر توقف عند ذلك الحد وإنما تمادي الرجل وباع لكم تجارته بمباركة مكذوبة عندما سمعت بالخبر لم اصدق أذني فهرولت إلي السوق لأجد الأمر واضحاً للعيان وضوح الشمس في كبد السماء وأنا برئ من ذلك كله والله علي ما أقول شهيد ، ومضي الرجل لا يلوي علي شئ تاركاً الناس يتخبطون في ذهول عميق
وذهب إلي منزله .

في المساء تجمع الناس حول بيت الرجل يقذفونه بالحجارة وقد أضرموا فيه النيران حتى أتت النيران علي البيت وما فيه ثم دخل البعض وأتوا بالرجل وقد تفحمت أعضاؤه وتلفت أجزاؤه وألقوا بجثته في حفرة وردموا عليها التراب وجعلوا عليها شاهداً كتبوا عليه "هنا يرقد رجلاً خان الأمانة ، أودعه الله النبوة فخانها وتنكر لها فظهر للناس فساد سريرته وسوء خلقه والدين والناس منه براء"

" فعجباً لأناس يرفعون أنبيائهم في الصباح ويذبحونهم في المساء ، فمن أولي بالذبح من أمثال هؤلاء ومن أولي بالرفع من أناس تجمعت في نفوسهم الفضائل وصار الحق لهم لساناً والخلق دستوراً والضمير محركاً صوب كل خير ورادعاً عن كل سوء "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص


.. صباح العربية | في مصر: إيرادات خيالية في السينما خلال يوم..




.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص


.. صباح العربية | في مصر: إيرادات خيالية في السينما خلال يوم..




.. لقاء خاص مع الفنان حسن الرداد عن الفن والحياة في كلمة أخيرة