الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كُحل

صباح محسن جاسم

2007 / 4 / 7
الادب والفن


قصة قصيرة جدا
دكان العطار كعادته مزدحم بمواده المتنوعة المختلفة وبزبائنه المحتشدين.
روائح مختلفة تتشاور وتتعانق . ربما تمارس بحرية ما نخاله محرما وعيبا. على أنها جميعا تدخل خياشيمنا بذلك المشموم المعروف من البهارات المميزة والتي تضيع معها كل مسميات فروعها الأخرى.
بدأت الكلمات العالقة في الذاكرة تنهار بل تتلاشى فما عدت أمسك منها سوى نوع واحد.
ما نوع البهارات الآخر الذي نصحت بها كنّتي الشاطرة إضافة لمسحوق الفلفل الأسود ؟ ، كذلك رحت أعصر ذاكرتي.
عمدت إلى سؤال البائع ليذكر ما يتوفر لديه من البهارات. أمسكت بأول نوع نطق به فيما هو يداري تهيئة طلبات زبائن آخرين.
"أظنها كذلك !" قلت متفكرا بصوت مسموع.
" نعم بهارات ’برياني‘ بعد إن أمسكنا بذلك النوع من بهارات ’الكبّة‘."
عطست فتاة من بين ثلاث نساء وقفن ينتظرن تلبية طلباتهن. تنبه رجل عجوز مصادقا :
- تلك إشارة تؤكد صحة ما ذكرت.
صفحة وجوه النسوة تُظهر مقدار ما يملكنه من شباب وجمال ، وقفن إلى جوار جمع الرجال الذين عادة ما يحملون طلبات زوجاتهم.
نبدو كمجموعة واحدة رغم ما يميّز الجهة التي إلى اليسار بلون السواد ، ملابس النسوة المعتادة في مثل هذا المكان في زمان شاء في هكذا سوق ، مدينة ، وبلاد أو بقعة من العالم .
الجو الذي يضمنا لم يحمل تنوعا. حتى حرارة المكان ، تلك التي تختال بين فراغات جسومنا هي ذات الحرارة شرعت تمنحنا فوق ما نحن فيه دفئا لذيذا..
ربما الشيء الوحيد الذي لم يتساوق للانسجام هو أصوات الرجال عنها مما للنساء. عجبت كيف يكون لذلك الصوت الأجش وقعه المنسجم لديهن ! ربما يهذبنه داخل مطارق وسنادين آذانهن فيشذبنه ويرققنه . من هنا تأتي متعة ما يؤدينه من خدمة غير محسوبة لعالم الرجال .
أوشكت النساء الثلاث على المغادرة بعد تنفيذ طلباتهن .عادت كبيرتهن تشاور زميلتيها ولتستدير إلى العطّار تسأله بصوت رخيم كاد صوان أذني يذوب له :
- هل يتوفر كحلٌ أسود ؟
تبسمتُ في سري كيف يكون لون الكحل إذن ؟!
أعقبتها زميلتها بسؤال كدت اضحك له.
- وهل لديك كحلا رصاصيا ؟
خلتني استغربت أي مزاح قد بدأنه خاتمة لحضورهن.
سرعان ما قدم العطار ما توفر لديه ثم عقّب على استفسار أكبرهن سنّا :
- الرصاصي ، منشأه باكستان.
واصل كمن تشجع ليستفز قوانيننا وهو يتطلع إلى وجوهنا الوديعة ويداه تعملان على خلط محتويات وضعها داخل كيس شفاف:
- لدينا كحلٌ أزرق أيضا.
تساءلت أحداهن لم أميّزها . أجابها :
- عراقي.
كنت أحسب أني الوحيد من غلبه الاندهاش. عيون الرجال التقت بآلية. تساؤل وارتباك. ذلك حديث العيون وتقلصات وجوه دون نبس بنت شفة تهيبا لذلك الحضور الخاص .. هنيهة ثم يتوافق الجميع .. شيء من ابتسام تبرعم على الوجوه ملوّحا بذات الاهتمام ونوع من رضا واعتزاز ، فيما قطع صمتنا صوت جرش الطاحونة الصغيرة.
استقبلتني ابنتي تساعدني في حمل كيس الخضار. نفضت عن ملابسي غبار الطريق ، توجهت إلى المغسلة كعادتي حين أعود من التسوّق. صببت على رأسي الماء. تأملت وجهي من بين رغوة الصابون. عيناي مفتوحتان على وسعيهما. رغوة الصابون غطت معظم وجهي وتماهت مع لون شعر رأسي. أية نظافة نبتغيها من وراء كل ذلك القبح !
لم يزل عالقا في ذاكرتي مرأى تلكم النسوة وذلك الصوت الرخيم وتلك الأنواع الجديدة التي لم أسمع بها ولم تألفها جدتي التي فضّلت مادة " الجوهر" تصبغ بلونه القرمزي حافات جفونها التي فقدت معظم أهدابها.
تناهى إلى سمعي ضحك مميّز آت من المطبخ ، عقبه صوت لولدي يغالبه ضحك متواصل محبب فقد وجدها فرصة لشماتة يتحينها بمقذوفة هزتني وهو يعلن :
- صدق أو لا تصدق : طبق اليوم برياني بالكحل!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل