الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفاشلون في قيادة المجتمع

يارا رفعت

2007 / 4 / 7
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لما كانت الثقافة ليست حكراً على فئة من الناس، بل هي قضية كل فرد في المجتمع وكل عنصر من عناصره، فمن حق أي فرد أن يتساءل عن تلك العلاقة التبادلية بين المثقف والمجتمع، من منهما يقود الآخر! لنجد بأن المثقف كي يكون مؤهلاً لقيادة مجتمعه لابد من أن يكون خبيرا بخباياه، محيطا بدقائقه وتكويناته ملماً بأحداثه وتحولاته، عارفا بكل جوانب مجتمعه لينجح في متابعة قضاياه ويحركه بالاتجاه المناسب والموضوعي دون إرغام أحد على أتباع نهج أو أسلوب معين أو فرض آرائه بقوة القلم. يقول المثقف بالكتابة والفعل ما يفكر به للناس وللمجتمع وعليه مراعاة المقاييس التي يحكمها سمو الهدف فيعبر عن التجارب الأنسانية لمجتمعه بمضمون عام ليحس كل فرد أنها تتصل بحياته اتصالا مباشرا أو غير مباشر وتدفعه إلى تقويم صور الماضي الذي رسب في أعماقه وترشده ليرسم صور حاضره ومستقبله بأشكال لم تكن لتخطر بباله لولا المثقف المبدع الذي قد يفشل في تحقيق ذلك إن لم يعبر بصدق وأمانة عن البيئة التي يعيش فيها بعيداً عن الخيال والمبالغة والتمني. فالمثقف الذي يحبس نفسه في عزلة بعيداً عن محيطه وعالمه سيرتب أموراً لاتساير الواقع وهو بذلك ينتقل الى الفراغ حتى تفقد أفكاره قيمتها الأنسانية الخالدة فيدور هو الآخر في فلك النستولوجيا، بل إن إغراقه في التجريد والعزلة له نتائج خطيرة إن تركت أثرها في ذهن القارئ أو المتلقي لآرائه أياً كان. كم هو أناني ومتعالي ذلك المثقف الذي لايسّخر قدراته خدمةً لمجتمعه. والمثقف أكثر أنسان يدرك أن الثقافة ليست تراكماً معرفياً فحسب، بل هي مواقف حيّة وعمل دائم يتحرك إليه في هيئة واعية للحق والرقي والأصلاح، لأنه لايرضى بالجمود ولايمكنه التعصب لفكرة أو مذهب أو نهج ما تعصباً يغذي الاضطهاد والكراهية في مجتمعه بدل أن يعرفه بقيمة التسامح، بل يكافح من أجل حياة أفضل للمجتع كله بعد فهم علمي واقعي لمضمون الحياة وعوامل تطورها. وقد يستنزف المثقف قدراته ومبادئه هباءً إن قضى زمنه يفكر كيف يلمع ويتحاشى أن يظل مغموراً، حيث يسعى إلى مصلحته الخاصة جرياًً وراء الشهرة والثروة والمكانة منحرفاً عن السير في تيار إصلاحي عام أقوى منه ومن مصالحه الفردية.
حين نتساءل،هل أن المثقف يخلق الحلول لقضايا مجتمعه أم أن المجتمع هو الذي يحدد مسار المثقف أزاء قضاياه!، سنجد حول الوضع العراقي رداً مخيباً للآمال نستنبطه من خلال إحدى مقالات د.عزيز الحاج حيث كتب يقول:-أن السرطان الطائفي غدا يصيب عدداً كبيراً من المثقفين العراقيين أنفسهم حتى في بلدان الغرب بمن فيهم أساتذة جامعيون وأطباء ومهندسون...ألخ-. كان بأمكان المثقف العراقي أن يبتكر حلولاً جديدة لمشكلة قائمة يتقبلها المجتمع بأن يطرح أفكاراً نافعة لاتجلب الدمار إلى الوطن. وقد وضعت سنوات مابعد سقوط النظام المثقف بمختلف الاختصاصات في أنبوب اختبار وبالأخص في الفترات التي اشتدت فيها الأزمات وفي مقدمتها الصراعات السياسية والطائفية، وبكل أسف خرج الكثير من مثقفينا من ذلك الأنبوب دون تفاعل حقيقي مع الأحداث وفشلوا في تقديم العون والحلول المسعفة، بل أسهموا في تعزيز الصراعات أو كانوا طرفاً فيها وبدت أصواتهم ناشزة عن أوبريت التوجهات الديمقراطية والليبرالية والعلمانية الذي يشترك فيه غيرهم من المثقفين العقلانيين والمعتدلين في طروحاتهم بشأن حاضر العراق ومستقبله. نعم..فشلوا في قيادة المجتمع وصياغة واقعه بأخلاص وبحيادية ووعي.

كم قدس الشرقيون في أرجاء آسيا المثل العليا لكونفوشيوس العظيم إلى أن صاروا يناقشون هذه المثل وأخذوا يراجعون نظم التربية والتعليم والثقافة السائدة لديهم. وظل الغربيون طوال قرون محتجزين في إطار أفلاطوني لايقبل الجدال، حتى أدركوا أن الخروج منه سيخدم تطلعاتهم الأنمائية في مختلف جوانب الحياة. ولم يكن لذلك أن يتحقق لولا رؤى وجهود مثقفيهم ومفكريهم وكل الذين يقودون دفة مجتمعاتهم بأمانة. فمتى سيخرج مثقفونا ومفكرونا من كهوف العيش في الماضي باحكامه وقيمه الثقافية الراكدة؟.أتمنى أن نقرأ مقالات أكثر حيادية بأقلام كتاب ومثقفين نعتبرهم روادا وأساتذة نعتز بهم ولطالما تأثرنا بكتاباتهم، وما إن تفشت الطائفية في المجتمع حتى طالت مداد أقلامهم وأصابتنا عباراتهم بالذهول. إنه التناقض بعينه، يساري مخضرم يمطرنا بوابل من التعصب الديني، وعلماني تنعشه دولة المحاصصة الطائفية، يكتبون عن الديمقراطية والعدالة والمساواة كضربات طبول لا تطرب. أيها المثقفون..لطفاً، إن كنتم تسمعون، أتركوا التدين لأهله والخوض في الدين لعلمائه وفقهائه، لاتستشهدوا كثيراً بأقوال الأئمة الكرام كوسيلة إقناع فتلك والله قمة الطائفية، بهذا أنتم شركاء في جرائمها والسبب في خراب مجتمعنا كبعض السياسيين بل أن حكمة موينيهان تقول (إن الثقافة هي التي تحدد نجاح أي مجتمع وليس السياسة). لمَ لا نقدس العلماء وقد خدمت اختراعاتهم كل ما على الأرض من أديان وقوميات وأعراق، والاقتصاديون العظماء ألم ينقذوا شعوباً وبلداناً وأقاليم من الفقر والضياع بآرائهم وحلولهم التي ابتكروها! وغيرهم من الفلاسفة والمفكرين والأدباء والفنانين والأكاديميين، الذين لم يتسببوا في دمارٍ واقتتال بين طوائف المجتمع الواحد كغيرهم لأحداثٍ صنعوها أو وصايا تركوها قبل مئات السنين.
الأوطان تتقدم، والمجتمعات تتطلع الى المستقبل، وبعض مثقفينا فشلوا في قيادة المجتمع نحو القيم المنشودة لأنهم يعيشون هواجس الماضي السحيق المتوقف عند مشارف السادة رجال الدين المتزمتين، أوالأحزاب الشمولية التي دمرت العراق، أو عند الثورة الفرنسية التي حاربت الأرهاب بالأرهاب لتولد الحرية، ونحن بفضل بعض المثقفين والساسة ندفن تحررنا من نظام الاستبداد إلى جوار الجثث العراقية وهوية مجتمعها وندفع ثمن التطرف وأصولية كل من المذهبين الشيعي والسني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضفة الغربية: مقتل 7 فلسطينيين بنيران القوات الإسرائيلية في


.. زيلينسكي يطمئن الأوكرانيين ويعيد التأكيد على الحاجة الماسة ل




.. الأطفال في لبنان يدفعون غاليا ثمن التصعيد في الجنوب بين -حزب


.. ردود فعل غاضبة في إسرائيل على طلب إصدار مذكرات توقيف بحق نتن




.. جيل شباب أكثر تشدداً قد يكون لهم دور في المرحلة المقبلة في إ