الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتخابات 2007 أو معركة الأسلحة الصدئة: المغرب بين المراهنة على المُوَاطَنَة و غياب مقوماتها

عبد الرحيم الوالي

2007 / 4 / 8
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


خمسة أشهر فقط أصبحت تفصلنا عن موعد الانتخابات التشريعية لسنة 2007 و التي ستسفر عن برلمان و حكومة سوف يتوليان إدارة الشأن التشريعي و التنفيذي في البلاد إلى غاية سنة 2012. و كلما اقترب موعد الانتخابات إلا و يجد المواطن المغربي نفسه أمام ترسانة من الخطابات و التحركات التي لم يعد بإمكان أحد أن يميز بين حابل الشياطين و نابل الملائكة فيها.
فجأة، يبدو أن الجميع تذكر أخيراً أن في البلاد "مواطناً" تجب مخاطبته. و الهدف من هذه المخاطبة يتلخص، باختصار، في حث "المواطن" على المشاركة في الانتخابات باعتبار ذلك تعبيراً عن "المواطنة". و لكنْ، هل يتوفر المواطن المغربي فعلاً على أدنى شروط و مقومات المواطنة الحقة؟
عدد الذين يعيشون تحت عتبة الفقر ـ بالمعايير الدولية ـ يزيد عن ستة ملايين. و عدد العاطلين و المعطلين يصل هو الآخر إلى ستة ملايين و ما يزيد. و الذين لا يتوفرون على أي تغطية صحية يزيد عددهم عن ذلك. و الأميون يشكلون أكثر من إثني عشر مليوناً من المغاربة. و بالاقتصار فقط على هذه المعضلات، و احتساب الشرائح التي تعاني منها، نصبح تلقائياً أمام نحو 32 مليون مغربية و مغربي، أي ما يعادل سكان المغرب حسب الإحصائيات الرسمية. و هو ما يعني أن هناك مغرباً آخر غير المغرب، أو مغرباً آخر داخل المغرب. أحد المغربين يوجد فقط على شاشتي التلفزيون المغربي بقناتيه الأولى و الثانية و في تصريحات الوزراء و المسؤولين و خطابات بعض الأحزاب التي صارت بدورها تردد مقولة "العام زين" بعد أن أطنبت أيما إطناب في انتقادها أيام كانت في خندق المعارضة (أو على أرائك المعارضة على الأصح!). أما المغرب الآخر، مغرب الأميين و الفقراء و العاطلين و المعطلين و العراة من أي تغطية صحية، فهو المغرب الموجود على الأرض.
في المغرب الثاني، أي المغرب الموجود على الأرض، يعاني ملايين المواطنات و المواطنين من الاستغلال غير الإنساني في المقاولات باسم "مرونة سوق الشغل" و "مرونة صرف الأجور"، و تعاني ملايين أخرى من الفساد الإداري و الرشوة و البيروقراطية و المحسوبية، و يعاني الملايين من المواطنين أيضا من ممارسات غير أخلاقية داخل الجهاز القضائي، و اللائحة تطول.
أمام استمرار هذا الواقع، بل و استفحاله، يصعب ـ إن لم يكن يستحيل! ـ بالنسبة لكل مَنْ يستحيي من نفسه أن يتحدث عن المواطنة فأحرى أن يدعو الناس إلى التوجه إلى صناديق الاقتراع اعتباراً لذلك. فمنذ الانتخابات التشريعية الأخيرة في 2002 لم ير هؤلاء المواطنون أي شيء إيجابي يمس حياتهم اليومية بشكل مباشر رغم كثرة التدشينات و رغم الأبواق التي تصم الآذان حول "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" و برنامج "مقاولتي" و برنامج "إدماج" و غير ذلك من المشاريع التي تظل حبيسة التلفزيون و الملصقات الإشهارية و الأيادي التي تتحكم فيها في الخفاء. و حتى الإجراء البسيط الذي تعهدت به حكومة إدريس جطو في تصريحها أمام البرلمان، بتمكين المواطنين من مزاولة النشاط التجاري بواسطة التصريح بدل الترخيص، و الذي لا يتطلب أي اعتماد مالي، فهو لم يتم حتى الآن.
أكثر من ذلك فمشاريع "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" ـ كما هو الأمر في مقاطعة مولاي رشيد بالدار البيضاء مثلاً ـ أصبحت تتحكم فيها نفس أيادي الفساد الانتخابي و تُسخَّر في حملة انتخابية سابقة لأوانها. و المتتبعون يعرفون كيف أن الأوساط المذكورة استطاعت أن تلتف على مشاريع المبادرة الخاصة بهذه المنطقة و تحولها إلى خدمة أهدافها بوضع الجمعيات العاملة في المنطقة أمام خيارين: إما الانصياع لآلة الفساد الانتخابي و الاستفادة من المشاريع، أو رفض ذلك و عدم الاستفادة من أي مشروع في إطار المبادرة.
و إذا كان الأمر هكذا في أكبر مدن البلاد فيمكننا أن نتصور ما الذي يحدث في القرى و المداشر النائية.
بعض الأحزاب ـ و الآن فقط! ـ يبدو أنها استيقظت من سباتها و تذكرت أن في البلاد شباباً يشكلون أزيد من نصف السكان. و كان كل ما قدمته الأحزاب المذكورة لهؤلاء الشباب هو حفلات راقصة على موسيقى الراي و الراب و الهيب هوب. و بدل أن تأتي الأحزاب المذكورة لتقدم أمام المواطن المغربي حصيلة ما أنجزته من برامجها التي عُرضَتْ على الناخب في استحقاقات 2002 اختارت أن تقيم حفلات راقصة و أروقة لعرض الأواني الخزفية و كأن ما ينقصنا في هذا البلد هو الرقص و الخزف و لا شيء سواهما.
المواطن المغربي، الذي يكتوي ساعة بعد أخرى بنيران الأسعار الملتهبة، و ارتفاع كلفة الدواء و العلاج، و ازدياد مصاريف و مسلتزمات تربية الأبناء و تعليمهم، أصبح يصارع وحيداً من أجل البقاء. فالقطاع العام تم إقباره عبر مسلسل الخوصصة. و الدولة التي قالت لنا بأنها ستخوصص القطاع العام كي تتفرغ للمجال الاجتماعي اكتفت بخوصصة القطاع العام و لم نر لها أثراً في الجانب الاجتماعي اللهم توزيع بعض صهاريج المياه، و استقبال المغاربة المقيمين بالخارج، و توزيع بعض الأطعمة في رمضان و كأن فقراء المغاربة يصومون العام كله و لا يأكلون إلا كلما حل شهر الصيام. و لذلك ـ و غيره كثير ـ لم يعد المواطن المغربي يشعر أن ثمة مَن يقف بجانبه أو يهتم بقضاياه و أضحى يتدبر أمره يوماً بعد آخر دون أن يطلب من الدولة أو الأحزاب السياسية شيئاً لأنه يعرف مقدما أنه لن يحصل شيء. و هذا أمر طبيعي إذا كان البرلمان، الذي صادق على مدونة للشغل أهم ما فيها أنها تعطي للباطرونا كل الإمكانيات للإجهاز على حقوق المأجورين و تسريحهم و تشريد أسرهم في كل وقت تشاء، هو نفسه البرلمان الذي صادق بالإجماع على الزيادة في رواتب البرلمانيين و تقاعدهم. و لم لا ما دام المغرب هو بلد زيادة الشحم في ظهر "المعلوف" كما يُقَال؟
إن حياة المواطن المغربي اليومية لا يوجد فيها شيء يمكن أن تشتم فيه رائحة المواطنة. فهو مواطن بالقوة لا بالفعل. و كل ما يملكه من وطنه هو بطاقة الهوية و تواصيل أداء الماء و الكهرباء و الأقساط الشهرية و الضرائب. و الأحزاب السياسية ـ من أقدمها إلى أحدثها ـ لا تملك برامج عملية لحل مشاكل المواطن المغربي لأنها، ببساطة، لم تستمع يوماً إلى هذا المواطن و لا تفكر فيه إلا باعتباره صوتاً في الانتخابات. و يقيناً أنها في شهر غشت القادم لن تفعل أكثر من إضافة بعض مساحيق التجميل على البرامج التي ظلت تقدمها إلينا منذ أن كانت الانتخابات في هذا البلد، أي أنها لن تفعل أكثر من إخراج ذات الأسلحة الصدئة التي لم تعد تصلح لخوض أي معركة فعلية.
و بعد شتنبر 2007 ـ سواء صوت المغاربة أم لم يصوتوا! ـ سيكون هناك برلمان و ستكون هناك حكومة لأن الاتفاقات أبرمت منذ شهور في الخفاء و منها ما تسرب إلى دائرة العلن. و من المؤكد أن لا أحد بعد ذلك سيتحدث عن المواطن و لا عن المُواطَنَة إلى غاية 2012. لذلك ربما يبدو مفيدا لو أن الميزانية التي ستستهلك في المطبوعات الانتخابية، و الوصلات الإشهارية لجمعية "2007 دابا"، و غيرها من الخطابات التي أصبح المواطنون يصابون بالقرف كلما فوجئوا بها أمامهم، تم توفيرها لأغراض أخرى. فالأحزاب السياسية، و أصحاب "2007 دابا" بنماذجهم "الناجحة" التي يعرضونها علينا في التلفزة التي تمول من الضريبة الإجبارية التي ندفعها مع فاتورة الكهرباء، يتكلمون من مغرب آخر غير المغرب الموجود على الأرض و ربما يخاطبون فقط مواطني ذلك المغرب الآخر الذي لا نعرفه و لا يعرفنا. و ربما سيذهب مواطنو ذلك المغرب الآخر وحدهم إلى صناديق الاقتراع إذا لم نُفَاجأ بفتوى من المجلس العلمي الأعلى ـ الذي قال بأنه هو الآخر سيدخل "معترك العمل الاجتماعي" ـ تقول بأن التصويت فرض عين و ليس فرض كفاية و أن كل متخلف عن صناديق الاقتراع يعد في حكم المرتد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جذب الناخبين -غير المهتمين-.. مهمة يسعى لها كل من ترمب وبايد


.. العملات المشفرة.. سلاح جديد لترمب لجذب الناخبين -غير المهتمي




.. أفراد في الجيش الياباني يتلقون محاضرات عن مخاطر التحرش


.. بوتين يقترح تعيين أندريه بيلوسوف وزيرا للدفاع بدلا من سيرغي




.. في مؤشر جديد إلى تحسن العلاقات بين البلدين.. الرئيس التركي ي