الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قمة مختلفة بفضل المقاومة

هشام نفاع

2007 / 4 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


عندما تبنّت القمة العربية المنعقدة في بيروت، في آذار 2002، مبادرة السلام العربية، جاء الرد الاسرائيلي واضحًا. لم يكن هناك نعمٌ أو لا دبلوماسيان، بل جاءت الـ لا مدوّية عبر اجتياح جيش الاحتلال الاسرائيلي الضفة الغربية فورًا، فيما سُمي عملية "السور الواقي".
اليوم، بعد مرور 5 أعوام على تلك القمة، وبعد 6 أعوام ونصف من العدوان الاحتلالي المفتوح على الشعب الفلسطيني منذ ايلول 2000، يعود نائب رئيس حكومة اسرائيل شمعون بيرس الى تكرار الـ لا نفسها. فقد قال قبل أسابيع قليلة لموقع "واينت" إن إسرائيل لن تنسحب من كافة المناطق التي احتلت عام 1967 بل إلى "حدود متفق عليها". وحول مستقبل القدس الشرقية المحتلة صرّح أن إسرائيل لديها موقف واضح وهو أنها "لن تنسحب منها"!. وحتى يكون بيرس دقيقًا، تطرّق الى المبادرة العربية بالقول إنه "لا يمكن" لإسرائيل قبولها، بسبب بندين، البند المتعلق بحق العودة وموضوع القدس.
هناك من اعتبر أن حكومة اسرائيل تتعاطى مع المبادرة بشكل ضبابي. مرة يصرّح مسؤول فيها أنها "تحمل عناصر ايجابية" ومرة أنه "يجب دراستها". هذا ذرّ للرماد في العيون. إن الموقف الاسرائيلي واضح: رفض ثلاثي لأهم مركبات المبادرة. وهو في الحقيقة موقف مُثابر، منهجي، ومتعنّت. فحين انتُخب أرئيل شارون مطلع 2001 ، كانت لديه أجندة سياسية واضحة: يجب مواصلة هذا الصراع 100 عام أخرى. ذاك ما قاله فور انتخابه خلال مقابلة واسعة لصحيفة "هآرتس". أما ذريعته فكانت تلك الممجوجة إياها: لا يوجد شريك فلسطيني، ولا يمكن التوصل الى تسوية في الملفات الصعبة: الانسحاب التام حتى حدود حزيران 1967، قضية القدس وملف اللاجئين.
إن التوجه السياسي في اسرائيل الرسمية لم يتطوّر في السنوات الأخيرة. بل إنه ينكفئ على نفسه، نحو انغلاق أضيق. ويجري هذا من خلال التصعيد الحربي والعسكري الدموي. ولكن يُسأل السؤال: ما الفرق بين الظروف المحيطة بإعادة تأكيد المبادرة العربية اليوم، وبينها قبل 5 أعوام، حين أعلِنت؟
يمكن القول إن الجواب يكمن في العلاقة بين البيت الأبيض وبين الشرق الأوسط. قبل 5 سنوات كان المخطط الأمريكي العدواني على المنطقة في أوج التحضير له. كان الجو مسمّمًا بأسطوانات الإرهاب التي انطلت على معظم الرأي العام. كان الكاوبوي بوش لا يزال على ظهر حصانه. أما اليوم فقد بات الحصان وراكبه يتخبطان في الوحل؛ في وحل الجريمة الأمريكية في العراق. لقد فشل مشروع الهيمنة الاقتصادية المُصاغ بمفردات "الديمقراطية" و "الحرب على الارهاب" و "تدمير أسلحة الدمار الشامل" المزعومة.
بين هذا وذاك يظهر نوع الأوكسجين الذي تعيش عليه السياسة الاسرائيلية الرسمية: بارود الحرب. كلما كانت روائح البارود أشدّ حدة، فإن السياسة الاسرائيلية تحقق النجاحات. الحرب لم تنته طبعًا، لكن رياحها لم تعد تهبّ في الاتجاه نفسه. لأن وهم فرض سياسات النفط والمصالح التوسعية والهيمنة بالدبابات والصواريخ المدمّرة فشل. فشل في العراق، فشل في فلسطين وفشل في لبنان. في الحالات الثلاث كان هناك عنصر واحد قوّض مشروع الهيمنة: إنه المقاومة. فالشعوب أثبتت مرة أخرى أنها صاحبة حول وقوة وقول.. قول الـ لا الرافضة لدوسها وتقرير مصيرها بالقوّة والعدوان الخارجيين. إنها لا من نوع آخر. إنها الـ لا الرافضة لجميع لاءات التعنّت المتغطرسة، الأمريكية والاسرائيلية.
لم تكن هذه المقاومة مقاومة بالسلاح فحسب. بل إنها الإرادة المقاومة، الثقافة المقاومة، والصمود المقاوِم. كانت كالصخرة التي استُضعِفت حتى بان بجلاء أنها من النوع الذي تتكسّر فوقه سفن القراصنة؛ قراصنة الامبريالية الدولية وتوابعها الإقليمية.
في هذا الجوّ بالذات جاءت قوّة إعلان تأكيد المبادرة العربية. وللمفارقة، بدا زعماء عرب كثيرون فجأة أصحاب قامة بل ومواقف مقاومة. وهي مفارقة لأن ما حرّك غالبية الأنظمة العربية هو خوفهم على عروشهم من إرادة المقاومة بالذات. ولكن يبدو أن أجهزتهم الأخطبوطية قرأت بدقّة مزاج الشعوب، التي وإن طال صبرُها فلن تضيع إرادتها، وهو ما يخيف! وهكذا، عندما دبّ الذعر في الأنظمة المترنّحة في فلك واشنطن من مفاجأة الصمود الفلسطينية-العراقية-اللبنانية، وجدناها تجرؤ، بل وقادرة، على قول لا لواشنطن. فلم تنفع جولة كوندوليسا رايس المتزامنة مع انعقاد قمة الرياض في فرض شروطها لإفراغ المبادرة العربية من مضمونها بروح الشروط الاسرائيلية. لا بل أن عددًا من زعماء الأنظمة تجرّأ على توجيه انتقادات للسياسة الأمريكية.
في لحظة غير محسوبة، وجد هؤلاء الزعماء أنفسهم في موقع تلفه بعض البطولة. إنهم لن يعترفوا بسرّ هذه الوقفة، لذلك يجدر التذكير بأنهم ما كانوا ليجرؤوا لولا الصمود في فلسطين وفي العراق وفي لبنان؛ لولا مقاومة الشعوب التي أرادوا لها أن تُكسَر، فصمدتْ وتصدّتْ وصدّتْ.
قبل نحو عقدين صاغ الشيوعيون عبارة "هجمة السلام العربية على اسرائيل". ويصحّ الاقتراح اليوم أن الظروف مؤاتية لشنّ هذه الهجمة، ووضع السياسة الاسرائيلية في الزاوية، وفرض التسوية السلمية عليها فرضًا. فحكّام اسرائيل لن يصلوا هذه النتيجة إلاّ مُكرهين. وبالطبع، فإن هذا السيناريو لا يزال نظريًا جدًا، قد يتم تقويضه بإشعال المنطقة من جديد، وفي جزئها الايراني بالذات.
من هنا، فإن الحكمة تكمن اليوم في منع اسرائيل من الهرب الى الأمام – نحو حرب جديدة. لن نطالب زعماء الأنظمة العربية بالاعتراف أنهم حققوا جولة سياسية ناجحة بفضل ثقافة الصمود لدى الشعوب، فهم أميّون فيها، لكن يجب مطالبتهم بعدم إطلاق الرصاص على مبادرتهم هم من فوهات البنادق التي قد توجَّه ضد طهران. وهذه هي المفارقة الثانية!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بوتين يعرض شروطه لوقف الحرب في أوكرانيا • فرانس 24


.. انطلاق مناسك الحج في مكة المكرمة وسط درجات حرارة قياسية




.. سلسلة هجمات لحزب الله على إسرائيل وواشنطن وباريس تسعيان لوقف


.. ما بين هدنة دائمة ورفع حصار.. ما هي تعديلات حماس على مقترح ب




.. جبهة لبنان وإسرائيل المشتعلة.. هل تحولت إلى حرب غير معلنة؟|