الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يصلح الاقتصاديون ما أفسده الساسة؟

إكرام يوسف

2007 / 4 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


المبادرة المصرية الكويتية واليوبيل الذهبي لمعاهدة روما

عقب انتهاء الاجتماع الوزاري للمجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي بالرياض فى 25 مارس الفائت، طيرت وكالات الأنباء خبر مبادرة مشتركة تقدمت بها مصر والكويت لعقد قمة عربية استثنائية تقتصر فقط علي بحث قضايا التنمية الاقتصادية والسوق العربية المشتركة وسبل زيادة التعاون في التجارة والصناعة والاستثمار بين الدول العربية. ونقلت وسائل الإعلام عن المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة إن المجلس الاقتصادي والاجتماعي ناقش عدة موضوعات مهمة للإسراع في إنشاء السوق العربية المشتركة وتفعيل التعاون الاقتصادي المشترك. ولا يعرف المرء في الحقيقة؛ هل آن الأوان لنتفاءل من تصريحات كهذه؟ وهل يكون القوم جادين هذه المرة؟ أم أنها تصريحات لاتختلف عن مثيلات لها تكررت منذ أكثر من خمسين عاما؟ لقد أكد المهندس رشيد "ن المبادرة المصرية الكويتية لعقد القمة الاستثنائية سوف تضع منظومة التعاون الاقتصادي العربي في مقدمة مجالات التعاون العربي المشترك وأنها تعبر عن رد فعل ايجابي لمتطلبات الشعوب والاقتصاديات العربية وللتحديات التي تواجهها الأمة العربية في مجال الإنتاج والتوظيف والتنمية." وهو في الحقيقة كلام جميل، مثلما تقول الأغنية الشهيرة، لا يستطيع المرء أن يقول شيئا عنه!!
مفارقة
ولكن هل هي المفارقة التي تدعونا للتحسر على حالنا؛ أم أنه من حسن الفأل أن تتزامن الدعوة لهذه المبادرة مع احتفال أوروبا بالعيد الخمسين لمعاهدة روما؛ التي وقعها عام 1957 ست دول أوروبية بتأسيس السوق الأوروبية المشتركة؛ التي صقلها مرور السنوات لتتحول إلى الاتحاد الأوربي بعضويته البالغة الآن سبع وعشرين دولة قوامها نصف المليار مواطن!. والمفارقة أنه في نفس عام توقيع معاهدة روما، أقر العرب اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية ، ليتم التصديق عليها بعد مشاورات دامت ست سنوات بأمل أن تنتهي بتحقيق سوق عربية مشتركة. وبعد أربعين سنة من التيه ، تذكره القوم ليصدروا إعلان إقامة منطقة للتجارة الحرة العربية الكبرى لم تظهر ملامحها الرسمية إلا قبل عامين فقط. ولم تظهر ملامحها الفعلية على الواقع الذي يحسه المواطن العربي العادي حتى الآن.
ورغم مرور حلم الوحدة الأوروبية منعطفات، ولحظات شد وجذب حول تطورات مثل تحقيق الوحدة النقدية، والخلافات حول سياسات العضوية، ثمم الخلافات حول الدستور؛ إلا أنها تظل في النهاية خلافات صحية دافعة للأمام؛ حيث يستطيع الأوروبيون في نهاية المطاف التوصل إلى تسوية تحقق حدا معينا من التوافق الجمعي. ولايمكن إنكار أن شكل الوحدة الأوروبية المنشودة في آخر المطاف مازال أمرا مختلفا عليه؛ بين من يدعون إلى تبني فكرة الاندماج الكامل ويوافقون العالم السياسي البريطاني جلين مورجان على أن المفهوم القوي للأمن الأوروبي الشامل يتطلب إنشاء دولة واحدة تشمل أوروبا بالكامل. وفي مقابل ذلك هناك من يتعتبرون أن أوروبا لا تعمل وفقاً لنموذج اجتماعي واحد. فالاختلافات بين الدول الاسكندنافية على سبيل المثال، ودول البحر الأبيض المتوسط، و”الدول الأطلنطية الليبرالية”، مثل أيرلندا والمملكة المتحدة، تكون في بعض الأحيان أشد وضوحاً من الاختلافات بين أوروبا ككل وبين الولايات المتحدة. ومن ثم ظهرت رؤية بديلة لحلم الدولة الواحدة؛تقوم على اتحاد يسمح بالتنوع والاختلاف وصيانتهما. أي أن يصبح الاتحاد الأوروبي كيانا قائما على القانون الفيدرالي لكنه لا يتبع نظام فيدرالية الدولة. غير أنه بين هذه الرؤية وتلك؛ يظل مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل يعمل كجهة تنظيمية تعتبر جزءا من نظام يستند إلى ضوابط وتوازنات قومية وفوق قومية.

نور هوية
ومصدر المفارقة أيضا أن أوروبا التي تحمل ذاكرتها ماضيا مليئا بالحروب فيما بين دولها، وتنافس ـ أو ربما ـ صراعا ثقافيا بين شعويها، فضلا عن اختلاف اللغات والأعراق؛ استطاعت أن تتجاوز كل هذه العراقيل لتنجز ما عجز العرب عن إنجاز ولو جزء منه؛ رغم كل ما تغنينا به من وحدة اللغة والتاريخ والمصير....إلخ. ويحضرني هنا ماقاله الفيلسوف الفرنسي ليفي برنارد هنري وفي مقابلة مع مجلة دير شبيجل الألمانية ردا على سؤال حول "الهوية" الأوروبية: "إنها ليست هوية وإنما نور هوية، فجميع الأوروبيين محملون بتاريخ وطني ثقيل، والدول الأوروبية محاصرة بالتاريخ، باللغة بالثقافة، وأحينا بلون البشرة. وفكرة أوروبا هي ان تترفع عن ذلك وأن تتجرد من كل الصفات الخاصة والموروثة والطبائع التي سببت الكراهية والحرب، إنها مشابهة للهوية الأمريكية التي كان إنجازها هو توحيد كل الفئات المحبطة واليائسة: شعب يتألف من خلفيات، أفكار، أعراق وديانات مختلفة".
أما لدينا؛ فأعتقد أن قضايا مثل: من ستكون الدولة المضيفة للمقر التنظيمي للسوق العربية المشتركة؟ ومن ستنول شرف استضافة المؤتمرات؟ وآلية رئاستها؟ والكيفية التي سيتم بها تقاسم عائد التنمية حتى قبل تحقيقها !!؛ ربما تكون هي القضايا التي سينفق فيها الكثير من الوقت والجهد بحيث لا يتبقى ما يكفي لدراسة قضايا التكامل الاقتصادي العربي في عالم أصبح يعج بالتكتلات الاقتصادية الإقليمية الطامحة لحماية أبناء لإقليم من طوفان العولمة المتوحشة. ناهيك عن لجوء القوم لتحالفات شبه إقليمية تفتت الجهود وتكرس الاختلافات بين مشرق عربي ومغرب عربي وخليج عربي... في حين يوجد الكثير من القضايا الجماعية التي يجب أن يكون لها الأولوية في البحث إذا ما كان لحلم تحقيق التعاون الاقتصادي العربي أن يصبح حقيقة تمهيدا لتحقيق حلم التكامل العربي؛ ولعل من أبرز هذه لقضايا؛ مشروع الاتحاد الجمركي، وتنظيم انتقال العمالة بين البلدان العربية وضمان حقوقها ومعاملتها بما تستحق من أفضلية على الجنسيات من خارج الإقليم، وما يتعلق بذلك من تعاون في مجال التعليم يسمح بتخريج نوعية العمالة المطلوبة في إطار هذ التكامل؛ وتحديد مجالات النشاط لاقتصادي التي يمكن من خلالها التنسيق بين المزايا التنافسية المختلفة لكلبلدمن بلدان لإقليم... وربما كان من أهم معوقات تحقيق التعاون الاقتصادي العربي؛ هرولة الجميع إلى اعتناق ما يسمى باقتصاد السوق وتراجع دور الدول، ما زاد من انفراد الأفراد والشركات باتخاذ القرارات التي تؤثر في المقام الأول على المجموع ككل. ولايجب أن ننسى أن المستثمر الفرد أو الشركات يحركها في المقام الأول الدافع الفردي لتحقيق لأرباح بصرف النظر عن تحقيق فائدة جماعية. ولعل هذا ما يفسر استمرار تدفق الاستثمارات العربية على الولايات المتحدة وأوروبا وبقية دول العالم؛ بينما لايقبل العرب يستثمروا أموالهم في البلاد العربية إلا حينما تظهر إمكانية تحقيق أرباح من استغلال مناخ الفساد والبيروقراطية لتعظيم أرباحهم ـ مع عدم إغفال الاستثناءات الشريفة بالطبع ـ. فمعظم برامج ما يسمى بالإصلاح الاقتصادي والخصخصة التي سرت كالنار في الهشيم خلال السنوات الماضية تكاد تكون تحولت في نظر العديد من المراقبين إلى آلية منظمة للنهب؛ وتناقلت وسائل الإعلام مخالفات عديدة؛ منها على سبيل المثال ما يقال عن تعرض شركات حكومية كانت ناجحة إلى تخريب ونهب تدريجيين قبل عرضها للبيع!؛ ومنها عرض مشروعات للبيع بأسعار تقل كثيرا عن قيمتها الحقيقية، وقيل الكثير عن تفش مظاهر الفساد البيروقراطي في العديد من الدول العربية التي شملتها هوجة الخصخصة، أضف إلى ذلك قصص استيلاء رجال أعمال على مليارات الدولارات من القروض المصرفية ثم هروبهم للخارج!... فهل ينتظر من أمثال هؤلاء تبني حلم التكامل الإقليمي؟ أم أنه صار من الضرورة بمكان تنشيط دور الدولة في البحث عن سبل التعاون الاقتصادي الإقليمي بما له من ثمار لم يعد بالإمكان إنكارها؛ تتجاوزـ حتى ـ توفير مستوى معيشة أفضل للمواطنين، إلى حماية المنطقة من عواقب مخاطر الاضطرابات الأمنية ومكافة الإرهاب؛ لتصل إلى تعزيز السيادة وحماية الموارد وضمان استقلال القرار السياسي وحمايته من الضغوط الدولية القادمة من خارج الإقليم.
ولا شك أنه من عوامل نجاح التجربة الأوروبية؛ اعتمادها سياسة التدرج على مدى الخمسين عاما الماضية تم فيها انتهاج آلية لتوزيع الاعباء والثمار ومساعدة الدول الأقل نموا ؛ مع الوضع في الاعتبارحماية الاقتصادات الأوروبية من التعرض لأي صدمات اقتصادية. ولا شك أن اتخاذ مثل هذه السياسات يحتاج دورا قويا لدول الإقليم، وأياد غير مهزوزة تمتد بثقة لبعضها البعض، وحرصا صادقا على مصالح مشتركة حقيقية، وإيمان بأن فرصة العرب في البقاء فاعلين على الساحة الدولية، بل وربما فرصتهم في مواصلة البقاء أصلا؛ لن تتحقق أبدا بحلول فردية، وإنما بوعي حقيقي بما يمكن أن يحققه التعاون الجاد من مصلحة للجميع دون شعارات عاطفية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يخرق نتنياهو خطوط بوتين الحمراء؟ صواريخ روسيا نحو الشرق


.. شائعة تحرش تشعل أزمة بين سوريين وأتراك | #منصات




.. نتنياهو يبحث عن وهم الانتصار.. احتلال غزة هل يكون الخيار؟ |


.. نقل مستشارة بشار الأسد لونا الشبل إلى المستشفى إثر حادث سير|




.. بعد شهور طويلة من القتال.. إسرائيل أمام مفترق طرق استراتيجي