الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أخلاق الاستبداد

كاظم الواسطي

2007 / 4 / 11
حقوق الانسان


لا زال البعض منا يتعامل مع المفاهيم , كالحرية , الأخلاق , العدالة , الضمير , كمفردات مجردة يتحدد حضورها في القول , وفي النصوص المكتوبة . فيكفي بالنسبة لهذا البعض أن يتحدثوا عن تلك المفاهيم أو يكتبوا عنها , حتى يكونوا أحراراً وأخلاقيين وعادلين بإمتياز .
ولن يكون هنالك ضير أو مشكلة في ممارسة دور الخانع والمنافق واللامبالي بحقوق الآخرين , مادام ذلك يضمن إستمرار الكسب الشخصي , والبقاء بعيداً عن الشبهات . وقد رسخت ثقافة الإستبداد هذا النمط من السلوك في مجتمعنا خلال عهود تسلط الدكتاتورية , حيث كانت لمؤسساتها " عيون " منتشرة في كل مكان موجهة للبحث عن المشتبه بهم , وحسبما يقتضيه المزاج الآني لرموز تلك المؤسسات , وأهواء أصحاب العيون التي لا تعرف معنى لبراءة التصرف , وعفوية السلوك .
لقد كانت العداونية قصداً ثابتاً في النظر للآخرين , وإعتبارهم أهدافاً دائمة لنوازع الإنتقام , يتوجب شل حركتهم وتحويلهم الى مخلوقات صماء , لا تعي ما يدور حولها ولا تبالي به .
وكان الكشف لأي من تلك الأهداف , وتسهيل عملية إصطيادها , يعني شهادة ولاء للقائمين بها تضمن لهم البقاء خارج دائرة الإتهام , والإحتفاظ بإمتيازات العيش دون خطر , بات يتربص بالجميع .
وفي تلك المدرسة اللا أخلاقية , وعلى تخومها الفاسدة , نشأ وترعرع كثر ممن عطلت ظلال تلك المؤسسات , ليس حركتهم فحسب , إنما نزعت فتيل إرادتهم , وجعلت الخوف المصدر الوحيد لعلاقتهم بالآخرين وبأنفسهم . فكان الإنحناء الدائم والتملق والنفاق سلوكاً يضمن لهم حسن الصورة ! في المجتمع , وشرط بقاء مضمون للعيش .
المشكلة الأخطر ليس في تأثر الناس البسطاء بتلك الطقوس الترويضية , لمحدودية خياراتهم وفهمهم لواقع الحياة الذي يجبرون على التكيف معه , ولكن فيمن كانوا محسوبين على الثقافة والسياسة والفكر , ولا تخلوا كتاباتهم وأحاديثهم من مفردات الحرية والتمرد والتجديد والأخلاق , وهم في واقع الأمر أكثر إنحناء وتملقاً ونفاقاً وخضوعاً لتلك الطقوس من أولئك الناس البسطاء المضللين من الطرفين , من تلك المؤسسات ومن هؤلاء المثقفين أنفسهم , الذين طالما كانوا يضعون لمسات من الرقة والجمال على أشياء تتفسخ , وباتت روائحها تزكم أنوف الناس في كل مكان .
إن الأكثر إلفاتاً للنظر السوم , هو أن البعض من اشباح تلك الثقافة مازالوا يتعاملون , بنفس الأخلاقية المراوغة وفساد الضمير , مع المعطيات الجديدة على أرض الواقع متخذين من إستعدادهم اللامشروط لعمل أي شيءٍ يشبع أنانيتهم ويطمئن مخاوفهم الأزلية جسوراً يعبرون عليها الى هذه الجهة أو تلك وحسبما هي عليه من قوة وحماية ضامنة لهم .
المهم هو أن يكونوا ظلالاً للأقوى حتى وإن كان ذلك على مستوى العلاقة بين الأشخاص . واليوم يجد أشباح المثقفين هؤلاء مناخاً خصباً في بعض وسائل الإعلام الرخيصة التي تدس سمومها في فسحة الحرية المتاحة للعمل الإعلامي , ليلعبوا على الحبال المشدودة بين اطراف المتنازعة بخطابات مدفوعة الثمن مقدماً . وليس مهماً بالنسبة لهم , في غياب الضمير , أن يصرحوا في فضائية معينة ما يناقضه في واحدة أخرى , مادام بإمكان الأطراف المختلفة , عند الضرورة , أن تتنصل عن أي تصريح لمثل هؤلاء بحجة " رأي شخصي " .
وهم يعرفون أن ما يصرح به لا ينتفض لتكذيبه , فهو نفسه مصنوع من كذبة عابرة تبحث لنفسها عن موقع , اياً كان شكله ونوعه , في ذاكرة الآخرين لمعادلة زوالها الحتمي .
إن اللا مبالاة بالجانب الأخلاقي للرأي , وما تستدعيه الكلمة من مسؤولية أخلاقية , خصوصاً عندما تعنى بالشأن العام , يسهم في إرباك مسارات المجتمع ويلحق الضرر بمسيرته .
وإن المثقف أو السياسي المنزوع الضمير أكثر خطراً على مستقبل المجتمع من الإرهابي , المعروفة دوافع ومخاطر أفعاله المباشرة من قبل هذا المجتمع , وهما من ينابيعه التي ينبغي العمل على تجفيفها وتلك مسؤولية كبرى للمثقفين والمفكرين والساسة الذين يختارون , بشجاعة , أن يكونوا ضمائر حية لمجتمعهم وعصرهم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الدبابات الإسرائيلية تسيطرعلى معبر رفح الفلسطيني .. -وين ترو


.. متضامنون مع فلسطين يتظاهرون دعما لغزة في الدنمارك




.. واشنطن طالبت السلطة الفلسطينية بالعدول عن الانضمام للأمم الم


.. أزمة مياه الشرب تفاقم معاناة النازحين في ولاية القضارف شرقي




.. عائلات الأسرى المحتجزين لدى حماس تطالب بوقف العمليات في رفح