الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جامعة العرب عِلة وعالة، وتفكيكها واجب وطني

غازي أبو ريا

2003 / 8 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


((جامعة العرب عِلة وعالة، وتفكيكها واجب وطني)) 

قبل أربعة عقود او اكثر... اشتهرت بلداتنا العربية بالتعاون في المواسم والتسامح و"الطوش" ايضًا.. وارجو ان لا يطالبني احد تفسير الجمع بين التسامح و"الطوش" هذا الذي كان.. ثم اختفت "الطوش" حتى نكاد نشتاق اليها.. وكانت العصي والحجارة اسلحتنا الوحيدة في الميدان.. وقد اكتشف الناس في تلك الايام كل "مقاتل" يتواجد في ساحة المعارك. لكنه لا ينوي المشاركة والقتال..
والامر بسيط.. فكل من كانت عصاه كبيرة، او حمل حجرًا ضخمًا. كشف على الفور عن عدم جديّته.
وجامعة الدول العربية - فكك الله اطرافها - لا تدخل مجالا الا بعصا طويلة وغليظة - مع قافية او بدونها - ولا تحمل الا حجرًا يعجز عن حمله شمشون الجبار.. هذه الجامعة في حلف دفاع مشترك!!! بالضبط كحلف الاطلسي.. وعندها سوق عربية - على نسق السوق الاوروبية المشتركة. والشبه الوحيد في الحالتين، ان هناك وهنا، توجد معاهدات ومواثيق وتواقيع على الورق.. ولا يزيد حلف الاطلسي والسوق الاوروبية عن العرب الا بقضية التنفيذ.. وممارسة الوحدة على الارض.. وهذا بالضبط، خارج نطاق الكلام واللغة والخطابات عند العرب.. لان فقه اللغة خلقناه حتى نعوّض بالاعمال حديثنا، ولان "مقتل الرجل بين فكيه" "ولسانك حصانك، ان صنته صانك وان خنته خانك".
والانتصار في الحرب لا يجوز ان يكون ندًا لقصيدة حماسية في مدح معركة خاسرة!! والاعمال بالنيات.. حتى لو خسرنا فإن النوايا كانت الربح.. ونعبر عن هذه النوايا بالكلمة.. والكلمة هي القرار الذي لا يحق عليه استئناف..
هذه الجامعة العربية.. والجامحة في عهودها وخطابها ونواياها.. لم تفشل اطلاقًا في مهامها.. لانها لم تأخذ على نفسها مهمة جدية واحدة.. لكنها والحق يقال.. أفسد وهم وجودها كثيرا على العرب، وبلغة الناس امثلة كثيرة لا ارغب في ذكرها حفظًا على ذوق القارئ - لكن وترجمة ذلك - ان هذه الجامعة "خرّبت، ما عمرت". وهذا اكثر التعابير لياقة اخلاقيًا..
واول انجاز لهذه الجامعة كان مأساة الشعب الفلسطيني.. وآخر انجاز كان افتراس العراق.. والله وحده عالم بما سيفضي اليه الحال.. لو استمرت جامعة العرب في نشاطاتها القومية، جامعة العرب حاولت نزع صخور من جبال هملايا لمنع تقسيم فلسطين، ومنعت تقسيمها بنجاح منقوص - لكنها، تمكنت من اتمام المهمة سنة 1967 واجهضت التقسيم على انغام الحلم الصهيوني.. فالتقسيم لم يتم.. لأن العرب على وهم وجود جامعة عربية.. تجاهلوا الواقع والمنطق.. واعتبروا انفسهم اصحاب القوة الى جانب الحق الذي كانوا واثقين بأنه الى جانبهم.. ولو لم تكن جامعة عربية او اعتبارات لما تمثله وهمًا، لسارع الفلسطينيون الى القبول بالتقسيم.. وكنا سنوفر على شعبنا معاناة لا حصر لها بما فيها هذه المقالة أيضًا.
هذه الجامعة ايضًا، وفي مزايدات ابطالها القومية، ورطت نفسها في حرب سنة 67، ومرة اخرى على ايقاع معزوفة صهيونية عندما اضطر عبد الناصر الى اغلاق مضائق تيران و"خنق" اسرائيل من جهة الجنوب، وذلك كرد فعل على مزايدات النظام الاردني واعلامه اللا منقطع الذي لم يترك وسيلة ليقنع العرب جميعًا بأن عبد الناصر صهيوني لانه يسمح لاسرائيل بعبور مضائق تيران.. فأغلقها ناصر.. وبدأت الامور في التفاقم.. وبالطبع على وقع نبوءة زعماء الصهيونية.
حتى حرب اكتوبر 73، والتي اعتبرها العرب نصرًا.. كان من الممكن ان تكون كذلك، لولا ان "وشى" زعيم عربي لاسرائيل بمؤامرة العرب لاسترداد ارضهم المحتلة - ولا ننسى ان جامعة العرب قررت ان لا مفاوضات ولا سلام مع اسرائيل. فلم يكن بامكان العرب اجراء مفاوضات مع اسرائيل الا بإذن الزعيم العربي الذي "وشى"لاسرائيل بعد ذلك بست سنوات!!!
جامعة العرب لم تستطع اقناع صدام بأن لا يحتل الكويت ولم تستطع اقناعه بالخروج منها طواعية او قهرًا.. ولم تستطع احتواء أية أزمة تخص العرب، ولما اجتمعت كلمة الجامعة على مخاطبة اسرائيل بورقة سلام، وارسلت من لبنان الى اسرائيل عبر قمة بيروت.. تناولت حكومة اسرائيل الورقة بصقت فيها، طوتها واعادتها الى قمة الرؤساء مع اول غارة اسرائيلية على اجواء لبنان..
ومع كل هذا - ورغم انني تنازلت لضيق المساحة وخشية على القارئ من التعب.. رغم هذا، يتحدثون اليوم عن ترميم الجامعة العربية. عن تحديثها!! عن تطوير آلياتها!!! وكأن هذه الجامعة فقدت قدرتها على العمل.. بما يوحي انها كانت قادرة في يوم من الايام..
هذه مسرحية مفضوحة، او على اقل تقدير، لعبة غبية يمارسها العرب زعامة وشعوبًا من اجل انعاش الوهم الذي راح يتآكل، وحماية الصحراء أيضًا من غيمة مطر تحيي بعض النبات. هذه الجامعة اصبحت عالة على العرب.. بالضبط مثل حلم التاريخ السابق.. والامجاد الغابرة.
والمطلوب الآن.. تفكيك الجامعة العربية.. وازالة الوهم فورًا، حتى يدرك كل شعب عربي بأنه الوحيد الذي يحمل همومه ومفاتيح حلها. ولتكن علاقات عربية كما هي الحال مع كل دول العالم.
كلما وقع شعب عربي في محنة، راح كالجوقة مناشدًا أمة العرب!! ولما يدرك بأن لا حي يسمع النداء. يحول النشيد الى ذم وقدح بالرؤساء والشعوب الغارقة بسبات عميق، وما ان يقتنص الغفاة عطلة استراحة من السبات الشاق يمارسون خلالها هوايتهم العنترية السرمدية، حتى يشتاق السبات اليهم، "فيُذبل عيونهم".
هذه الجامعة، هي الوهم الذي اصبح فضحه واجبًا قوميًا. من اجل العودة الى واقع كل دولة ودولة. وبناء المجتمع الحرّ، الواثق بنفسه، وبعد ذلك يبدأ مشروع "حلم" الجامعة العربية، مشروع حلم شعوب حرة. واثقة من نفسها واقتصادها واستعدادها لدعم الشقيق عند الحاجة.
وحتى لا نحطم الناس دفعة واحدة.. ونعلن ان الجامعة العربية كانت حيلة بريطانية لخداع العرب، وكانت ابداعًا بريطانيًا لتسويق الوهم كخبز وماء للناس.. وحتى لا يكون الاحباط مدمرًا.يمكن لهذه الجامعة مع اعلانها تفكيك نفسها.. بأن تعلن عن افلاسها كشركة للوهم، وتعلن تأسيس شركة السوق العربية المشتركة.. وصدقوا ان هذه السوق ايضًا، هي أيضًا حجر كبير بالنسبة للعرب - لكن - كل بداية عسيرة.. وبالنسبة للعرب كل بداية تجمع بينهم هي اكثر عسرا.. ولتكن البدايات على قدر المعطيات.. وقد نفهم صعود السلم من "الدرجة الثانية رغم الصعوبة في ذلك" اما ان تكون البداية آخر "درجة"!!!؟؟؟

(سخنين)

 

نقلا عن موقع الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
http://www.aljabha.org/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجورجيون يتحدون موسكو.. مظاهرات حاشدة في تبليسي ضد -القانون


.. مسيرة في جامعة جونز هوبكنز الأمريكية تطالب بوقف الحرب على غز




.. مضايقات من إسرائيليين لمتضامنين مع غزة بجامعة جنيف السويسرية


.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف فوري لإطلاق النا




.. ديوكوفيتش يتعرض لضربة بقارورة مياه على الرأس