الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا حدث في تمثيلية تعديل الدستور المصري؟

أيمن رمزي نخلة

2007 / 4 / 13
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


ماذا حدث في تمثيلية تعديل الدستورالمصري؟
اكتب ملاحظاتي من خلال مسئوليتي عن لجنة استفتاء على تعديل الدستور. كانت لجنة من مئات اللجان المنتشرة بطول البلاد وعرضها. كان زملائي مشاركين في هذه التمثيلية. سألت الكثير من المسئولين عن عشرات اللجان الفرعية علي مستوى الجمهورية، وخرجت بالملاحظات الآتية:ـ
الحلقة الأولي: ماذا حدث في مصر؟
عدلت في الفترة الأخيرة 34 مادة من مواد دستور جمهورية مصر العربية. هاجت وسائل الإعلام بكافة أشكالها، وقامت مصر كلها ثم جلست. شاهدنا العالم، واعتقدنا أننا محور الكون ـ حسب نظرية مصر أم الدنيا ـ لكن هيهات، فالعالم كله متأكد أنها تمثيلية ليس لها معنى، ولا يوجد هدف إلا "لهي" و"تغييب" الشعب المطحون، الجائع، المريض المُغيب أصلاً عن الأساسيات الدنيا للمعيشة ولو حتى غير الكريمة. حُرقت بيوت ـ مصنوعة من الصفيح والخشب ـ لمئات الأسر الذين كانوا يعيشون فيها في قلب القاهرة عاصمة مصر المحروسة في نفس توقيت التصويت على تعديل الدستور. و مالك (شركة السلام) لقتل ودفن مئات المسافرين في البحر مازال ينعم بمكاسبه وملايينه في الخارج.
الحلقة الثانية: دعوة رئيس الجمهورية
إذ فجأة وبعد خمس وعشرين عاماً من حكم فخامة الرئيس اكتشف أن الدستور المصري في حاجة إلي تعديل لعشرات المواد التي مضى عليها ـ قبل ذلك التعديل ـ عشرات السنين ولم يمسسها بشر بتفكير وكأنها وحي منزل من العزيز الجبار، أو كأن المعصوم الواحد القهار أملئ هذا الدستور.
الرئيس قال!!، فهكذا يتم التعديل، وعلى أعضاء مجلسي الشعب والشورى السمع والطاعة ـ بعد المناقشة الصورية ـ حتى أن بعض الصحفيين قالوا "سلق الدستور" (نسبة إلي البيض المسلوق، ومن أدرانا إن كان هذا البيض فاسد أساساً، أو به أمراض مميتة، أو متروك لمدة عشرات السنين بدون تغيير مع ما به من مواد تثير القلاقل، وتشجع على التفرقة، وتدعو إلي العنصرية، وتمزيق النسيج الوطني الذي تصدعت رؤوسنا من الحديث عنه.
الحلقة الثالثة: الوزراء المسئولين (بناء على تعليمات الرئيس)
حتى الوزراء ورئيس الوزراء يختارهم السيد رئيس الجمهورية، وليس للشعب أي رأي أو مشورة أو اختيار. وحين يقوم السيد الوزير الفاضل ـ أي وزير ـ بافتتاح مشروع أو حتى مجرد رصف حارة، فتجد دائماً الكلمة المتكررة " بناء على تعليمات السيد الرئيس"، أو " تنفيذاً لأوامر السيد الرئيس" والكلمة الجديدة " تبعاً لبرنامج السيد الرئيس".
وهكذا صدر قرار السيد الرئيس رقم (78) لسنة 2007 ليدعو الناخبين المغيبين الجاهلين و"الأميين" بالاستفتاء على تعديل الدستور. ليس المهم معرفة المواطنين بالمواد المعدلة، أو التعديلات التي تمت. ليس المهم الموافقة على بند دون الآخر. العملية على بعضها بناء على قرار (تعليمات) السيد الرئيس.
لن نكتب هنا عن وعود السيد الرئيس، ولا الآمال العريضة، ولا الخطط الوردية، ولا الأحلام الرومانسية للوزراء والسيد الرئيس، فليس هذا مجاله.
الحلقة الرابعة: ماذا تم قبل المناقشة في مجلس الشعب؟
دع الشعب يتحدث. دع المثقفين يتجادلون. اترك قوى المعارضة ـ إن وجدت ـ تغلي وتفور، فالنهاية معنا. ليس مهم ماذا يقال؟ ولا كيف التعبير؟ اسمح ببضع أفراد يتظاهرون من أجل "رتوش الصورة الجميلة". وكانت المحصلة النهائية كلام في كلام، "واللي عايزينه إحنا الأعلى والأفهم والأكبر" لابد أن يتم، وما نريد تقريره يتم عمله. أنت تشاء وأنا أشاء والأكبر يفعل ما يشاء.
الحلقة الخامسة: مناقشات مجلس الشعب.
كالعادة، بعض الأعضاء غائبين، والبعض نيام، والبعض مغيب بشعارات جوفاء، والبعض يجادل في حرف أو كلمة أو يطلب تأكيد الأهمية لبند أو فقرة ـ لكي يظهر في الصورة أنه مشارك ـ والبعض يحتج. لكن الجميع يجمعهم أهمية المصالح الشخصية في الدوائر الانتخابية ( اسألوا أفلام عادل إمام). وفي النهاية يسأل رئيس مجلس الشعب: موافقون؟ ويرد هو بنفسه: موافقة، بعد نظرة خاطفة لا تشبع ولا تغني. لكنها العبقرية المصرية التي تغلبت علي التكنولوجيا المستخدمة في البلاد المتقدمة لمعرفة كم عدد الموافقين، وكم عدد الممتنعين، وكم عدد الرافضين؟
الحلقة السادسة: فوضى تجهيز اللجان العامة والفرعية.
كم من المرافق الحيوية توقفت لمدة ثلاثة أيام؟
مضت ثلاثة أيام، يوم للتجهيز، وآخر للاستفتاء، ويوم راحة من الجهد فوق طبيعي. تعطلت أهم المرافق الحيوية في كل مصر، مرفق التعليم، الإدارات والمدارس، مرفق الكهرباء، مرفق الصرف الصحي، مرفق النقل، بالأمر المباشر توقفت "الاتوبيسات" لنقل المسئولين عن اللجان من التجمعات إلي نقاط الشرطة أو إلي أقسام الشرطة ومنها إلي اللجان الفرعية، ومنها إلي اللجان العامة للفرز.
تعطلت المدارس والدراسة ـ فالتعليم ليس مهماً ـ وكله يهون في سبيل الاستفتاء. دائما المدارس والتعليم نقطة الضعف والكم المهمل الذي يستغله القائمين علي العمليات السياسية. إن دل على شيء فإنما يدل على عدم الوعي التعليمي، وتشجيع قيمة التهاون في حضور التلاميذ وغلق المدارس، وزيادة عدد أيام الإجازات. والمدارس ليست للتعليم والتربية، بل أصبحت أماكن للفوضى والإهمال. لن أتحدث هنا عن مرافق الأحياء إذا أرادت وضع "مقلب قمامة عمومي"، فستجد ـ في الأغلب ـ المكان المناسب والمختار من قبل المسئولين عن الأحياء بجوار سور مدرسة، وفي الأكثر بجوار سور مدرسة حكومية.
الحلقة السابعة: ما هي التعليمات التي سمعناها قبل حضور اللجان؟
1ـ الحضور يوم الاستفتاء الساعة الرابعة صباحا، ماذا نعمل؟ كيف نأتي؟ من نقابل؟ عشرات الأسئلة الحائرة بدون إجابات. المطلوب التنفيذ بدون مناقشة.
2ـ ارتداء المسئول عن الجنة " بدله وكرافتة". والمقصود هنا خداع الجماهير البسيطة لكي يعتقدوا أن هؤلاء المسئولين المطحونين هم قضاة أو على تقدير وكيل نيابة. والمصيبة الكبرى حين سأل بعض الموظفين: نحن لا نمتلك بدله؟ كانت الإجابات: استهزاء وسخرية ونظرات احتقار!!!
الحلقة الثامنة: ماذا حدث داخل لجان الاستفتاء؟
ـ الكشوف غير منظمة، ولا يعرف المعدين معنى الترتيب الهجائي، ولا حتى الترتيب الأبجدي. فكل الأمر قائم على الحرف الأول من اسم الناخب.
ـ عدم وضوح التعليمات للمسئولين عن اللجان، فكل ما في الأمر مجموعة من الأوراق وزجاجات الحبر الأحمر والأزرق وأوراق الإحصاءات وأظرف فارغة وأوراق الاستفتاء.
ـ أربع صفحات كاملة مكدسة بالمعلومات والتفصيلات، مطلوب من الناخب الموافقة أو عدم الموافقة على جميعها مرة واحدة معاً.
الحلقة التاسعة: كم كانت نسبة الحضور الحقيقية؟
حتى الساعة الرابعة عصراً، لم تزيد نسبة المشاركة عن أربعة في المائة. نعم أربعة في المائة( في إجمالي ثلاث عشرة لجنة كانت موجودة في إحدى المدارس كتجمع للجان، لم يأت أكثر من مائتي شخص من حوالي أربع عشر ألف ناخب). فجأة، وتحت ضغط، وإرهاب، وتهديد، ووعيد وشتائم وسباب (بأقذر الألفاظ) ـ من قبل المسئولين عن الأمن ـ يتم زيادة النسبة إلي خمسين أو ستين في المائة!!
وفي الساعة الثامنة مساءً، وأثناء فرز الأصوات (الموظفون المطحونون هم الذين قاموا بالفرز والحصر والعد)، وبناء على تعليمات من جهات عليا، صادرة إليها من الجهات الأعلى: يجب أن يتم زيادة النسبة إلي ثمانين في المائة لتغطية "القصور" ـ على حد قولهم ـ في لجان أخرى ضعيفة.
الحلقة العاشرة: ما هو دور القضاء النزيه والقضاة الشرفاء!؟
لم أشاهد أي قاضي إلا بعد الساعة السابعة مساءً. كان كل دور للقاضي (الفاضل) ـ بناء على تعليمات الدستور الجديد والقانون ـ هو مراجعة الأعداد والجمع والطرح في الأعداد المقدمة له. لقد كان لا حول له ولا قوة . حتى الصناديق لم يشاهدها. لقد قدمنا مجموعة أوراق فارغة، وأجبرونا على عدها وحصرها مع الأصوات التي قالت موافقة على التعديلات. هناك شائعات( بين الجماهير) أن القضاة الكرام يتشاجرون من أجل الأشراف على الانتخابات، وذلك بسبب المبالغ المالية الكبيرة التي تدفعها لهم الحكومة.
والنتيجة!!!
الشعب"!!!" قال كلمته: موافقون على التعديل. يبقى موافقة ـ وإن لم يكن يعجبك فاذهب إلي دولة أخري وشعب آخر ورئيس آخر ودستور آخر ـ خلاص يبقى موافقة غصباً عن عين الشعب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيضانات عارمة تتسبب بفوضى كبيرة في جنوب ألمانيا


.. سرايا القدس: أبرز العمليات العسكرية التي نفذت خلال توغل قوات




.. ارتقاء زوجين وطفلهما من عائلة النبيه في غارة إسرائيلية على ش


.. اندلاع مواجهات بين أهالي قرية مادما ومستوطنين جنوبي نابلس




.. مراسل الجزيرة أنس الشريف يرصد جانبا من الدمار في شمال غزة