الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أبي ذلك الرجل المتواضع

وجدان عبدالعزيز

2007 / 4 / 28
الادب والفن


( أبي ذلك الرجل المتواضع جداً )
بعد صراع طويل تطاول عليَّ كثيراً ، ثم جرف بي نحو سفن القلقلة ، خلعت قبعتي ثم ارتديتها بطراز آخر ، كي أصنع تبريراً ، ينزع عني هذا الاضطراب الضخم وبالتالي فإني حزمت أمري وأشيائي وغادرت آخر الخلجان بصراعٍ ثانٍ برم عدة ليال بموجات المد والجزر وأثخن جراح الذكرى ، التي تعلقت الآن صورة من الفرح والحزن والخوف بين بيوتات وسط خضرة منسدلة بعشوائية على مد البصر ، هذه البيوت التي خرجت تواً تمازح أفقاً مكتظاًّ بالشجيرات حول النهر والحيطان ، بعدما بدأت المركبة تلتهم المسافات حيث انتصبت من بعيد معالم القرية ، تمسك بتلك الذاكرة ، وتدلّت صورة اللقاء أكثر محفوفةً بالوحشة والحذر ، في الحين تكوّرت في داخلي الأسئلة القديمة ، كم هو ثقيل ما حملته طوال سنين اكتحلت بالانتظارات ، وكم هو شديد الكلفة الشروع الأول ، وأنا أبدأهُ منذ نعومة أظافري تحت وطأة الضيم والألم ، وكم كانت المعانات وأنا أردد مع زوايا الدروب ( ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل ) فالمركبة التي حملتني طفلاً وتحملني رجلاً عركته السنون وطرزت طريقه بألوان أحملها معي دائماً ، تلك هي أشيائي تحدثت وها أنذا أتحدّث ، وما جدوى الحديث إذا لم تكن صاحب خطوة يبحث عن موضع قدم أخرى ، يتحسّب ما يتسرّب من الليالي والنهارات ويطيل المكوث تحت خيبة قاطنة بين ضلوعه ، ثم أين مدارج السعي في بداية البداية ، إذا كنت وحدك تحمل ألم الطريق والآخرون يودعون كل صباحاتهم دون أي ابتهاج يذكر ، أين متاع اليوم وغداً كي لا يصرعك الجوع على قارعة المسافات التي قطعتها والتي لم تقطعها بعد والأهم أين المساحة التي ستصرع فوقها بعيداً عن خطر الوحوش وآكلة اللحوم ليس حرصاً على اللحم أو العظم إنما كي تكون معلماً من معالم القرية ومزاراً للبكاء واستهلالاً لرثاءات متعثرة ، ما هذا وما أرى فضاءً خالياً إلاّ من حمائم الشجيرات ، ونهر لا يرثي الغادين إنما يرثي الزائرين الجدد الذين لا يجيدون السير على أطرافه بلا خوف ، ولا يمنّون النفس في المكوث هنا ، فليس النهر الذي نعتب عليه إنما نعتب على أصحاب العتب الذين تركوا سيوفهم وعصيهم ودفنتها عوادي الزمن كما هو معلوم بحيث لا توجد مسافة أخرى للدفن ، هاجر الجميع وترك حاجياته أكلها الصدأ وتعاورتها الدهور ، بكت تلك النخيلات والشجيرات والنهر شاركهم الحزن ، وبُعْثِرَتْ الكآبة هنا وهناك ، وازدادت لما شارفت المركبة على أطلال الحب ، وانتحبت الأوصال وارتعشت الأطراف وما عاد للعيون دموع تذرفها أكثر من السابق ، جفت مآقيها واشتد الابتعاد وبدأت الغربة تستحوذ على المكان ، قلت الأولى أن أسكن خلجان أمستردام في الليالي ، وأسيح على دراجتي في نهاراتها أمتح من أزقتها الضيقة عناوين لشآبيب الرغبة ، الرغبة وأقرأ أبوذيّة مغمسة بحزن محضور على ظهور السفن المعدة للسكن فوق سطوح الماء ، فالقرية كانت كثيرة الشكوى من الهجران وامتدت مساحة الانتظارات حتى غطّت البيوتات والشجيرات والنهر بحيث لا يوجد طريق للولوج إلى داخلها سوى أنك تنتحب على أعتابها وترجع إلى تشردك فوق دراجة هوائية تجوب شوارع الغربة ، لكنك تقف حائراً تريد إيصال أبوذيّاتك الجنوبية قبل أن تقضي نحبك في أحضان إحدى فتيات تلك الأزقة الضيقة ، التي سوف تتقزز من جسدك الأسمر النحيل وتغادرك دون ذرف أي دمعة واحدة من عينيها الواسعتين ، وستظل أمنيتك المخذولة أن تقضي نحبك بأحضان إحدى جميلات مرابع الأهل، كي تروي ظمأها ظمأ أبنائها الغرباء الذين غادروها بسفينة ألف سؤال وهم يتلفتون في اللحظة الواحدة بعد مئات الأسئلة .
ليس هناك أروع من أمستردام ضيعة واسعة لدفن الآلام والانتظارات وعزف سمفونية الرجوع كي يصل صداها إلى تلك الشجيرات ويمتزج بحزن الأبوذيات الخالدات على نهر القرية وبيوتاتها الحبيبة ، أعترف أني بحثت عن مسافة علِّي أدفن أشيائي ، لم أجدها ولا أخفي كان حزني التليد أعمق من أبوذيات الجنوب ، فآليت على نفسي وأمنيتها تلك هي صاحبة الخصر الأهيف وذات خصلات الشعر المتهدلة ، الخصلات يتربع بين طياتها سفري الدائم وعيونها بحار لا تحدها سوى خلجان أمستردام وأنا المسجّى كافور تغسيلي الحزن المسال من الأبوذيات وكفني أمنيات أبي ذلك الرجل المتواضع جداً والعازف كان عن غواني الحياة والذي أخذ بيدي نحو البحث عن مظنات الزمن كما أكون الآن ، ليس أسوة بالآخرين ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اللهم كما علمت آدم الأسماء كلها علم طلاب الثانوية من فضلك


.. كلمة الفنان أحمد أمين للحديث عن مهرجان -نبتة لمحتوى الطفل وا




.. فيلم عن نجاحات الدورة الأولى لمهرجان العلمين الجديدة


.. نجل الفنان الراحل عزت العلايلى يتعرض لوعكة صحية.. وهذا آخر م




.. فيلم تسجيلي عن نجاحات النسخة الأولى من مهرجان العلمين الجديد