الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السياسة والحرب والإرهاب

رحيم العراقي

2007 / 4 / 16
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


مؤلف كتاب : نقاش حول الحرب هو الفيلسوف الأميركي ميكائيل والزير أستاذ علم الاجتماع في جامعة برنستون. وهو يعتبر أحد كبار المثقفين الأميركان اليوم. وكان قد نشر سابقا عدة كتب نذكر من بينها: ثورة القديسين، قتل الملك والثورة، من المنفى إلى الحرية، العهد الثاني للنقد الاجتماعي في القرن العشرين، التعددية والديمقراطية، رسالة حول التسامح، حروب عادلة وغير عادلة، الخ.
وفي هذا الكتاب الجديد يتابع المؤلف بحوثه حول الحرب العادلة وغير العادلة ويطرح مشكلة الإرهاب بعد 11 سبتمبر، وقضايا أخرى عديدة.ومنذ البداية يقول المؤلف بما معناه: كلنا يعرف تلك العبارة الشهيرة التي قالها عالم الإستراتيجيات العسكرية كلوزفيتر: الحرب هي استمرارية للسياسة ولكن بطرق أخرى.
وعلى الرغم من استفزازية العبارة إلا أنها صحيحة، وقد برهنت عليها التجربة العملية كثيرا على مدار التاريخ. فعندما لا تستطيع أمة ما أن تقنع أمة أخرى بوجهة نظرها أو بمطالبها فإنها تلجأ إلى الحرب لإقناعها بالقوة. وإذا ما انتصرت عليها فإن هذه الأمة الثانية تقبل بما كانت ترفضه قبل الحرب لأنها هزمت في ساح الوغى.
ولكن يمكن أن نعكس العبارة ونقول بأن السياسة هي أيضا مواصلة للحرب ولكن بطرق أخرى. فالسياسة حرب أيضا وأحيانا تكون المفاوضات السياسية أشد مشقة وعسرا من الحروب العسكرية.ثم يردف المؤلف قائلا: ولكن يبقى صحيحا القول بأن وسائل الحرب غير وسائل السياسة، وإذا ما خسرت المعركة السياسية فإنك لا تخسر نفسك وذلك على عكس المعركة العسكرية التي قد تؤدي إلى خسارتك لروحك ولكل شيء.
والواقع أن الحرب قد تكون أحيانا مبررة وعادلة إذا ما خيضت ضد طرف شرير أو ظالم لم يترك لك أي مجال آخر لحل المشكلة. فهتلر مثلا لم يترك أي مجال للحلفاء لحل النزاع سلميا، وبالتالي فقد اضطروا مكرهين إلى خوض الحرب ضده. وكانت حربا عادلة وضرورية بكل المقاييس. فهناك أشخاص لا تنفع معهم لغة العقل والمنطق وإنما لغة القوة فقط.
وإذا ما تراجعت أمامهم وكنت مسالما تكره الحرب فإنهم يفسرون ذلك على أساس أنه نقطة ضعف، وعندئذ يتزايد احتقارهم لك وعدوانهم عليك. وبالتالي فالحرب ليست مباحة ولا عادلة إلا في حالات قصوى أو متطرفة كهذه، أما ما عدا ذلك فينبغي تحاشيها بأي شكل.
وما قلناه عن هتلر يمكن أن ينطبق على حالات أخرى أيضا: أي حالات تصبح فيها الحرب التي خاضها حلف الأطلسي ضد الصرب في إقليم الكوسوفو أو قبل ذلك في البوسنة. فلولا هذه الحرب لما توقفت المجازر وعمليات التطهير العرقي التي قامت بها قوات شخص فاشي هو: ميلوسيفيتش.
وقل الأمر ذاته عن الجرائم الجماعية التي ارتكبت في رواندا، أو جنوب السودان، أو دارفور، أو سيراليون، أو الكونغو، أو ليبيريا، أو تيمور الشرقية.فلولا تدخل الجماعة الدولية بشكل أو بآخر في تلك المناطق لما توقفت المجازر. وفي حالة رواندا عابوا على فرنسا عدم التدخل لوقف المجزرة، وكانوا على حق.
فعندما تصبح حقوق الإنسان مهددة إلى مثل هذا الحد فإنه ينبغي التدخل واستخدام القوة العسكرية لردع المعتدي. ولذلك فإن المؤلف يدعو إلى تشكيل حكومة عالمية لمعاقبة من تسول له نفسه أن يعتدي على جاره أو من هو أضعف منه. وإذا لم نفعل ذلك فإن العالم سوف يتحول إلى غابة من الذئاب.
ثم يتحدث المؤلف بعدئذ عن الإرهاب و11 سبتمبر ويقول: بعض المثقفين يعذرون الإرهاب عن طريق القول بأنه ناتج عن العلومة الرأسمالية التي ولدت الفقر والجوع في العالم الإسلامي. ولكن هذا التفسير غير صحيح. والدليل على ذلك أن أول ضحايا العولمة والفقر هي إفريقيا السوداء.
ومع ذلك فلم تولد فيها حركات إرهابية مثل القاعدة أو سواها. ويمكن أن نقول الشيء ذاته عن أميركا اللاتينية التي تعاني من فقر وجوع أيضا. ولكنها لا تولد إرهابيين وإنما تتبع وسائل أخرى لمهاجمة الولايات المتحدة أو للدفاع عن نفسها وتحسين أوضاعها المادية. وبالتالي فلا توجد علاقة الأماتيكية بين الفقر والإرهاب. وإذن فهناك عوامل أخرى تقف وراء الإرهاب، وفي طليعتها نذكر العامل اللاهوتي أو الإيديولوجي.
فالحركات الإرهابية بحاجة إلى تغطية إيديولوجية أو دينية لممارسة تفجيراتها وجرائمها. فإذا كانت يسارية فإنها تستخدم محاجات ماركسية لينينية لتبرير أعمالها. وإذا كانت أصولية فإنها تستخدم الفتاوى الدينية. فالفتوى الشرعية تقدم هنا للانتحاري أو الإرهابي أكبر تسويغ إيديولوجي لتفجير نفسه وكل من حوله.
إنه يذهب إلى ارتكاب هذا العمل الرهيب وهو مرتاج الضمير. بل أكثر من ذلك إنه يذهب إليه وهو متحمس أشد التحمس على الرغم من أنه يعرف بأنه سوف يقتل نفسه وعددا كبيرا من الناس معه. وهذا ما فعله الانتحاريون التسعة عشرة الذين هاجموا مركز التجارة العالمي في نيويورك أو مبنى البنتاغون في واشنطن.
فالطائرات كانت تحتوي على بشر عاديين من كل الأنواع والأصناف: رجال، نساء، أطفال، شيوخ، عرب، أميركان، أوروبيين، الخ. ومركز التجارة العالمي كان يحتوي آنذاك على آلاف الناس من كل الأجناس: بيض، سود، مسلمين، مسيحيين، بوذيين، يهود، الخ.
ومع ذلك فإن الكاميكاز الانتحاريين أقدموا على فعلتهم الرهيبة هذه بكل اطمئنان وبدون أي شعور بالذنب. لماذا؟ لأنهم حصلوا على فتوى دينية لاهوتية تشرّع لهم هذا العمل وتعدهم بدخول الجنة مباشرة بعده. من هنا خطورة الإرهاب الديني الأصولي.
وهو لا علاقة له بالفقر هنا أبدا لأن معظم الانتحاريين كانوا من عائلات غنية أو بورجوازية. وكانوا من أصحاب الشهادات العليا ويستطيعون بالتالي أن يعيشوا حياة مرفهة لو أرادوا. كانوا مهندسين أو أطباء أو غير ذلك. وقد ضحوا بأنفسهم في عز الشباب من أجل فكرة ما أو عقيدة معينة، ليس إلا.
ثم يردف المؤلف قائلا: لا ريب في أن هذه الحركات الأصولية تقوم بأعمالها العنيفة كرد فعل على الحداثة. فهي تخشاها أشد الخشية لأنها قد تصل إلى العالم الإسلامي وتقضي على القيم التقليدية العتيقة التي تؤمن بها.
ولهذا السبب فإن الحركات المتطرفة تكره الغرب إلى أقصى حد ممكن وتعتبره المسؤول عن فساد العالم الإسلامي وعن وجود الأنظمة الديكتاتورية الفاسدة. ويمكن القول أيضا بأن هذه الحركات المتطرفة ظهرت كرد فعل على فشل الحداثة في العالم العربي والإسلامي.
فلو أن هذه الحداثة نجحت وحلت المشاكل الاقتصادية والاجتماعية للسكان لما استطاعت الحركات الأصولية أن تعبئ حولها كل هذه الشبيبة المتخلفة الغاضبة. وبالتالي فهناك علاقة بين الإرهاب وفشل الأنظمة في تحديث المجتمعات وتطويرها. ولا ريب في أن الغرب مسؤول أيضا بشكل ما دون أن يعني ذلك أن الإرهاب شيء مشروع ومبرر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم


.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام




.. دلالات استهداف جنود الاحتلال داخل موقع كرم أبو سالم غلاف غزة


.. مسارات الاحتجاجات الطلابية في التاريخ الأمريكي.. ما وزنها ال




.. بعد مقتل جنودها.. إسرائيل تغلق معبر كرم أبو سالم أمام المساع