الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أجمل الزهور لتانيا رينهارت

مهند عبد الحميد

2007 / 4 / 16
حقوق الانسان


يوم ربيعي أنيق، تزدان فيه الأرض بأبهى حلة، زقزقة عصافير مبتهجة بالربيع، وشدو حجل يطير بتثاقل مألوف، وفراشات تكشف زهورا مختبئة. سرت مع صديقي في هذه القطعة الحرة من الأرض بعيدا عن حواجز الاحتلال وطرق المستوطنين.
هذه زهور (عصا الراعي) تنمو وادعة في قلب صخرة وفي شقوق ونتوءات تداعب المشاهد، وهذه (شقائق نعمان) تعلن عن حضورها الصريح وتلون الأرض بالاحمر، وقرن غزال (توليب ) تتسلل بكبرياء، (وأقحوانات) صفراء وبيضاء، وأنواع أخرى كثيرة بكل ألوان الطيف الربيعي التي لا يعثر المرءعن أسماء لها.
صعدت فوق صخور وهبطت الى المنحدر اخترت زهرة أو أكثرمن كل نوع، وجمعت أجمل باقة زهور برية لاقدمها إلى الراحلة تانيا رينهارت. كنت أرى صورتها فوق كل زهرة، وأسمع صدى لحكايتها تتردد في المكان.
باقة تليق بعنفوان امرأة تمردت على المستحيل، منذ قصة حب "ريتا" التي طاردتها بندقية، ونهاية بقصة ضمير "تانيا" الذي نفاه الإرهاب الفكري الى نيويورك.
موت تانيا المفاجيء طرح أزمة النضال الإسرائيلي الفلسطيني المشترك، الذي يفتقد لأسس موحدة، كما كان عليه حال النضال المشترك في تجارب مماثلة في جنوب أفريقيا والجزائر. فثمة مراكز واتجاهات مقررة في الجانبين لا تعترف بأهمية ولا حتى بوجود مثل هذا النضال، وهذا نابع من موقف الانكار المتبادل، الذي يقود إلى ترانسفير للشعب الفلسطيني في ظل ميزان القوى القائم، ويقود إلى طرد كل اليهود الذين قدموا إلى فلسطين منذ بداية المشروع الصهيوني عندما يتغير ميزان القوى في المستقبل. ولا شك في أن الإنكار المتبادل يشبه تماما من يدعو الى مجتمع للذكور بلا إناث، أو مجتمع من الإناث بلا ذكور، وهذا شيء مستحيل.
هناك من يطرح نضالا مشتركا بإملاءات من الطرف الأقوى الذي يقود الى نظام أبارتهايد كولونيالي مموه يكرس السيطرة على شعب آخر، وهذا النوع من " النضال" أخفق ووصل الى طريق مسدود، وتراجع "معسكر السلام الإسرائيلي" الذي تبناه إلى موقع أبارتهايد صريح.
النموذج الذي طرحته تانيا رينهارت ونواة إسرائيلية صغيرة، يشكل قاعدة صلبة لاطلاق نضال مشترك إسرائيلي – فلسطيني وعربي. أهم ما يميز هذا النموذج هو التكافوء والمساواة بين الطرفين بعيدا عن ميزان القوى. التكافؤ والمساواة تعني رفض الاحتلال الكولونيالي والحرب والعدوان والتمييز العنصري، وتعني الاعتراف بالحقوق المتساوية وتصويب كل إجحاف سابق. لا يمكن لاي نضال مشترك حقيقي أن يستمر ويحقق أهدافه في ظل التسليم بالكولونيالية والعنصرية واعتبارهما أمرا طبيعيا. غير أن هذه المفاهيم تعتبر من وجهة النظر الحكومية الإسرائيلية معادية ومتطرفة، ولا تتورع الحكومة عن معاقبة أصحابها بالعزل والحصار باعتبارهم يهددون مصالح الشعب اليهودي، وواقع الحال لانهم يهددون الأطماع الكولونيالية ومصالح المؤسسة الأمنية المهيمنة. على سبيل المثال عندما طرحت تانيا رينهارت مقاطعة أكاديمية للجامعات الإسرائيلية التي تؤيد سياسة الاحتلال البشعة، أقامت السلطات الإسرائيلية جدارا عازلا حولها وحول كل الاكاديميين الاسرائيليين الذين أيدوا الفكرة، واعتبرها معسكر اليسار "متطرفة" بل ومعادية.
يوجد نخبة إسرائيلية صغيرة من شعراء وأدباء وأكاديمين ونشطاء سلام وما بعد صهيونين يؤيدون المساواة وفي مقدمة ذلك حق العودة للفلسطينيين. كان تأثير الفتاة الإسرائيلية من "منظمة يتذكرن " مثيرا لاحترام وحب هذا النوع من الاسرائيليين، عندما وقفت على أنقاض بلدة لفتا ودعت إلى إعادة بنائها وعودة أصحابها إليها. هذه الفتاة وتانيا وشبتاي وآرنا ومئات آخرون،هؤلاء الإسرائيليون يبنون جسور الثقة بين الشعبين ويصنعون الأمل والمستقبل.
مقابل ذلك هناك إسرائيليون أكثر عددا وتأثيرا يؤيدون إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية، ويناهضون الحصار وهدم المنازل وإقتلاع الأشجار وانتهاك حقوق الانسان الفلسطيني، لكن هؤلاء يرفضون حق العودة ولا يعترفون بالطبيعة الكولونيالية والعنصرية للدولة. فهل يجوز إدارة الظهر لهم في شروط المعاناة الفلسطينية. الجواب لا، لأن الإتفاق على إنهاء الاحتلال يشكل الحد الأدنى للعمل المشترك.
لدينا نخب فلسطينية تكتفي بعمل علاقات عامة ومشاريع نفعية مشتركة مع إسرائيليين تحت يافطة السلام، وبمعزل عن عمل مشترك ضد الاحتلال، هؤلاء يطبعون مع الإحتلال ويشكلون جسرا للتطبيع العربي مع دولة الاحتلال. ولدينا نخب أخرى تريد فقط العمل مع النواة الاسرائيلية الجذرية( نموذج تانيا رينهارت) وترفض كل تقاطع مع الاسرائيليين المناهضين للاحتلال.
في كل الأحوال العمل المشترك الإسرائيلي الفلسطيني ضرورة لا يمكن تجاوزها، النواة الصلبة نموذج تانيا مهمة جدا، والمعسكر الذي يدعو لانهاء الاحتلال مهم، ويبقى تحديد المهمات وآليات العمل في المستويين. فقدان تانيا يطرح هذه القضية على محمل الجد. وستبقى مواقف تانيا المبدئية الشجاعة وأفكارها الإنسانية داعما كبيرا لمشوارنا الطويل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس...منظمة مناهضة التعذيب تحذر من تدهور الوضع الصحي داخل ا


.. الأونروا مصممة على البقاء..والوضع أصبح كارثي بعد غلق معبر رف




.. كلمة أخيرة - الأونروا: رفح أصبحت مخيمات.. والفلسطينيين نزحوا


.. العضوية الكاملة.. آمال فلسطين معقودة على جمعية الأمم المتحدة




.. هيئة التدريس بمخيم جباليا تنظم فعالية للمطالبة بعودة التعليم