الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أصدقاء

كاظم الواسطي

2007 / 4 / 16
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


للصداقة سحر بأسرار ومعان ملغزة لا يفهمها إلا الصديق الذي عاش وإياك نبضات العمرالحيّة بلا توقف أو إهمال . هو يفهمها بمجرد اشارة ، أو تلميحة خاطفة تستوحي كشفها من ينابيع تتدفق من أعماقٍ قصيّة في الروح والزمن ، ينابيع لها نكهة تميزها ، وطعم تتفرد به بين كل العلاقات الأخرى التي من حولها . وحتى الصمت نفسه في صداقة كهذه يوحي بكلامٍ كثير ، وكذا اللحظة العابرة فيها لا تفلت من معنى قد يترك أثرا راسخا في سيرورتها ، مثلما هو غياب الصديق ، وإن طال ،لن يزعزع حضوره الآسرفي أعماق صديقه . وفي ظل نكهة كهذه تتميز بها الصداقة الحقة ، تفقد هويات الصديق الأخرى ، دينية ، قومية ، مذهبية ،طائفية ...الخ ، معناها الضيق وتنفتح على معاني العلاقة الإنسانية بعفوية المحبة الخالصة . ولي مثال حيّ على نمط من الصداقة ينتمي في بعض معانيه الحاضرة إلى تلك النكهة ، أو إلى ما يؤدي إليها . هم ثلة من الأصدقاء ، أجدني مضطرا للتعريف بهوياتهم الأخرى ، على الرغم من الضغط النفسي المؤلم الذي يسببه لي هذا التعريف ، ولكن حجتي في ذلك تبدو أكبر مما تتمناه نفسي ، حيث صار لتلك الهويات ، عند البعض ، دافعا للنبذ ، والتكفير ، وحتى القتل . وحاجتنا الآن كبيرة لفضح الدوافع التي تقف وراء تلك الممارسات الشاذّة ، والاشارة بقوة إلى رموزها الخبيثة . إن اثنين من الثلة ينتميان إلى الطائفة السنية والثلاثة الآخرين من الطائفة الشيعية . لقد تداخلت علاقتهم بمشاكسات الفتيان والعابهم المختلفة – رياضة ، قراءة ، مشاهدة أفلام الفديو الحديثة ...الخ – مثلما تعمقت بالمودة من خلال جلسات الأحاديث الهادئة حول ما يجري حولهم ، وخاصة بعد وجبات الغداء المشتركة التي يقومون بتوزيعا بين بيوتهم كي لا تثقل على عائلة واحدة . ولكن صانعي الهويات الطائفية لم يتركوا لايقاع الحياة المسالم ، لهذه الصداقة الفتية ، أن يستمر بتناغمه اليومي ،ونكهة ينابيعه الأولى . لقد أوعز صانعو الفرقة لحثالتهم ، التي لا تعرف معنى لصداقة ، ولم تعش يوما مودة العلاقة الصافية ، بالعمل على تعكير وحدة المجتمع ، وزعزعة الثقة بين مكوناته المختلفة بشتى الوسائل القذرة ، ومنها اباحة القتل على الهوية . وحين وصل الأمر بأن تقرر عائلة أحد هؤلاء الأصدقاء مغادرة المدينة بسبب التوتر الطائفي المتصاعد ، بدأ أصدقاءه الأربعة يحومون حول البيت بقلوب كسيرة لا تقوى على منع مايحدث ، ولكنها كانت قوية باصرارها على التواصل ، والحضور في مواعيد اللقاءات المحددة ، دون خشية مما قد يقع من مخاطر على يد الحثالة الملطخة بالدم ، بل كانوا يواصلون الجلوس معا في ظل الجدار الخارجي لبيت صديقهم ، للحديث والتفكه والضحك . لقد أبعدت تلك القلوب النابضة بالصداقة شبح الخطر وكأنه يحدث في مكان آخر ، وليس على مبعدة أمتارمنهم ، كما هو حاصل في تلك المدينة . وأعتقد بأن قوة الحياة واستمرارها تبدأ من قلوب فتية عامرة بالمحبة ، كقلوب هؤلاء الفتيان الشجعان . وحين جاء يوم مغادرة عائلة صديقهم المدينة ، تسارعوا بهمّة عالية في المشاركة على جمع الأثاث ونقله إلى السيارة الواقفة أمام البيت .. ولكن الواقفة أيضا على قلوبهم دون أن يُشعروا العائلة بذلك كيلا ينتقصوا من قوة تماسكهم في تلك اللحظات الصعبة . وقبل أن تنطلق السيارة غادروا فجأة لئلا يُظهروا دموعهم التي لا يمكن لقوة أن تمنعها من الهطول ، لأنها قادمة من ينابيع الصداقة نفسها،ومن أرواحهم الطرّية التي يهزها الرحيل القسري لصديقهم . وبعد ذلك لم ينقطع هؤلاء الأصدقاء عن الاتصال بالموبايل فيما بينهم ، وكلما سمح رصيدهم بذلك . وحينما جاء موعد امتحان صديقهم في الدرس المؤجل للدور الثاني , تنافسوا على أحتضانه في بيوتهم ليومين قبل الامتحان ، خشية غلق الطريق إذا ما جاء في نفس اليوم . وفي يوم الامتحان هيئوا له سيارة تاكسي خاصة تقله إلى المدرسة خوفا من المتربصين في شوارع المدينة . وعند انتهاء وقت الامتحان وجدهم منتظرين خارج المدرسة ليوصلوه إلى الكراج مودعين بعيون يتنازعها الحزن والفرح في آن واحد ، وبصمت يعلن بوضوح يعرفه الأصدقاء فقط :
- سنلتقي رغم كل شيء








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. باريس سان جرمان يأمل بتخطي دورتموند ومبابي يحلم بـ-وداع- مثا


.. غزة.. حركة حماس توافق على مقترح مصري قطري لوقف إطلاق النار




.. لوموند: -الأصوات المتضامنة مع غزة مكممة في مصر- • فرانس 24 /


.. الجيش الإسرائيلي يدعو إلى إخلاء -فوري- لأحياء شرق رفح.. ما ر




.. فرنسا - الصين: ما الذي تنتظره باريس من شي جينبينغ؟