الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما السبب الحقيقي وراء تهديدات الحكومة التركية بإحتلال كردستان العراق؟

طه معروف

2007 / 4 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


لا يمكن تفسير التحذيرات الاخيرة للحكومة التركية في تهديدها بشن عمل عسكري وإحتلال اقليم كردستان العراق رغم وجود أكبر قوة في العالم جاثمة بأسلحتها وعدتها وعتادها على ارضه ،إلا بفشل المشروع الامريكي في العراق الذي فتح الباب على مصراعيه لأطراف اقليمية للتدخل في الشأن العراقي.
مدينة كركوك،تلك المدينة المعروفة لدى العالم بمدينة الذهب الأسود او المدينة الغنية بالبترول إمتلأت بثرواتها النفطية على مر الزمن، جيوب العشرات من أصحاب الشركات وعدد لابأس به من مسؤولي الحكومات العراقية المتعاقبة ولحد الآن ،كانت وما تزال تحرم سكانها من أبسط مقومات الحياة الطبيعية الآمنة. و استخدمت ثرواتها دوما لزرع بذور الفتنة القومية والطائفية .فبعد معاناة الجماهيرالقاسية من التعريب والتبعيث والتهجير جراء السياسة العنصرية القومية البعثية لحقبة طويلة من الزمن ،جاءت الحكومة القومية-الإسلامية بالمادة 140 من الدستور العراقي الرجعي الذي سنّ على اسس الفيدرالية العرقية الرجعية الذي أعطى الشرعية للهوية القومية والطائفية لمدينة كركوك لتجعل منها مسرحا للإقتتال العرقي والطائفي وبذلك أشعلت مرة اخرى فتيل قتال همجي يحصد ارواح الأبرياء بشكل يومي في مدينة كركوك .وهكذا اصبحت مدينة كركوك مركز ومحطة الصراع القومي مرة اخرى كما كانت في ظل النظام القومي البعثي ،فلا احد يشعر بالسلام والراحة والطمأنينة في هذه المدينة ،لا الكردي او التركي او العربي او الكلداني ،فالتهديد موجه للجميع مصدرها الشوفينية القومية والطائفية الدينية ،العربيةاوالكردية او التركية.
ولكن لماذا أرسلت الحكومة التركية تهديداتها في هذا الظرف بالذات؟
إن الحجة التي تتذرع بها الحكومة التركية بالدفاع عن الأقلية التركمانية في العراق وخصوصا في مدينة كركوك ، بهتان و إدعاء فارغ بل هي مبرر لتمسك بالخيوط الشوفينية لهذه المدينة من اجل تشديد الصراع القومي فيها .ان الجماهير التركمانية يعلمون جيدا بإن الحكومة التركية لم تحمهم يوما من سياسة التعريب والتهجير البعثيين ولا ولن تحميهم الآن ايضا . وحتى الحجة المعلنة عن مسألة وجود مقرات مقاتلي حزب العمال الكردستاني في المناطق الحدودية في كردستان العراق، لا تشكل ايضا سببا وراء التهديدات الحكومة التركية الأخيرة، لإن العلاقات السياسية والإقتصادية والتجارية وتبادل الزيارات بين مسؤولي الطرفين(اقليم كردستان والحكومة التركية) كانت مستمرة منذ سنوات على رغم وجود تلك القوات التابعة لحزب العمال الكردستاني في تلك المناطق الحدودية .
ومن ناحية أخرى ،فلا توجد نية او أطماع أقليمية وراء تهديدات الحكومة التركية كما يدعي البعض حول أطماع الدولة التركية لضم مدينة كركوك الى اراضيها ، لإن الوضع الدولي والأقليمي لا يسمحان بتحقيق مثل تلك الأطماع التأريخية التركية الغير الشرعية والعدوانية .ان هذه الأطماع الرجعية الذي يرددها الاوساط الشوفينية والإسلامية التركية لحد الآن ، ولدت مع ولادة الإمبراطورية العثمانية ومات مع موتها و عفى عليها الزمن.
إن السبب الرأيسي وراء إطلاق التهديدات الحكومة العنصرية التركية ،تكمن في سعيها لبحث عن إيجاد موطئ قدم له في العراق لكي تستخدمها كورقة الضغط على امريكا وقوى سياسية اخرى في العراق وخصوصا الشيعية منها ،بغية الدخول في المعادلة السياسية العراقية من اجل تحقيق اهدافها السياسية الغير الشرعية .وهي في الواقع تقوم بتنفيذ احد بنود تقرير بيكر-هاملتون المتعلقة بخصوص مشاركة الدول الأقليمية في الِشأن العراقي .إن توجيه الدعوات للكتل السنية العراقية التي تلطخت ايديها بدماء آلاف من العراقيين (ومن ضمنهم عشرات من الجماهير التركمانية في مدينة كركوك اوقضاء تلعفر) ، لعقد اجتماعاتها في تركيا ومشاركتها في اللقائات الأقليمية السنية وقمة الرياض ، مؤشر واضح على طبيعة تحركاتها السياسية الجديدة بالتنسيق مع الكتل السنية في العراق وفي المنطقة لتشديد الصراع العرقي والطائفي الديني في المنطقة. وتهدف ايضا :لمواجهة النفوذ والمد الشيعي العراقي و الأيراني اولا، و تنوي عن طريق هذه التحالفات ان تكسب نفوذا قويا في التوازن الأقليمي كي يسمح لها بالتدخل في العراق بصورة أنشط تناسبا مع وزنها الأقليمي، ثانيا . وأخيرا فإنه يبحث في الوضع العراقي المتدهورعن البطاقة المرورية الرابحة لدعم مسيرتها الطويلة نحو الإتحاد الأوروبي عبر تحالفاتها مع تلك الدول العربية ،المعروفة والمقبولة لدى امريكا والغرب بالدول" المعتدلة المناهضة للإرهاب" ،بغية احياء دوره في المنطقة كعضو ملتزم في حلف ناتو .
اي ان تهديد الحكومة التركية هي رسالة لحظورها على المائدة العراقية بزي السني لمساهمة كطرف أقليمي في المعادلة السياسية العراقية بما يناسب اهدافها السياسية. وان تهديداته بشن عمل عسكري ضد كردستان العراق ليست إلا إدعائات فارغة تخفي من خلاله النوايا الحقيقية لرسالته الى العراق .
طبيعة أزمة الأحزاب القومية الكردية:
ومن الجهة الثانية فإن الأحزاب القومية الكردية تعيش في أزمة مستعصية حادة غير قادرة عن وقوف ثابت القدمين امام مد ونفوذ المتزايد للدول الأقليمية. وتتجسد هذه الأزمة بفشل الأمريكي في العراق .إن إنزعاج طالباني من تصريحات مصعود بارزاني الذي رفضه جملا وتفصيلا ومن ثم إتصالاته بالحكومة التركية لطلب الإعتذار ، يؤكد على نمو دور الدول الاقليمية لمشاركة في تحديد مصير العراق السياسي التي تفرض على الاحزاب القومية الكردية بالضرورة أن تفكر في مستقبلها السياسي بعد الفشل الأمريكي في العراق والذي اعلن عنه وثيقة بيكر-هاملتون قبل الشهور بوضوح لا لبس فيها.إن الأولوية لدول الأقليم وليست لقوى الإحتلال، هذا هو الوضع السياسي الجديد في العراق الذي يشكل مصدرأزمة الأحزاب القومية الكردية الذي لا يقتصرعلى مدينة كركوك فقط ، وانما تمتد ومشمل وضع ومصير أقليم كردستان العراق .إن الحديث عن مصير مدينة كركوك في إطار مصير عراقي مجهول ، يشبه إفتراضات الرواية الخيالية العلمية التي تتحدث عن بعض الظواهر الكونية التي لا تحدث إلا مرة واحدة في سبعة قرون.
ليست مدينة كركوك ،وإنما أقليم كردستان برمتها تحتاج إلى رؤية سياسية واقعية لخلاصها من الشرور الدول الأقليمية واللعبة الأمريكية .إن جميع تلك القوى الذين ساهموا في كتابة الدستور العراقي على اسس العرقية والطائفية ،لها ولاءات الأقليمية بإستثناء الأحزاب القومية الكردية الذي ربطت مصيره بمصيرسياسة قوى الإحتلال الأمريكية في العراق.وبعد فشل قوى الإحتلال الذي اعلن عنها تقرير بيكر-هاملتون، لم تعد بوسع الاحزاب القومية الكردية ان يواجه السياسة الدول الأقليمية بعد الآن ناهيك عن تهديدها.فمن المستحيل ان تحل قضية جماهير كردستان العراق او تحديد مصير مدينة كركوك في إطار وضع عراقي منهار وفي حضور الدول الأقليمية الذي هو العامل الأساسي وراء فشل امريكا في العراق.
ان ورقة الإحتلال أصبحت ورقة خاسرة لن تفيد احدا.جماهير كردستان العراق وحتى مدينة كركوك تحتاج الى طريقة حل واقعية وموضوعية المتمثلة بتفعيل إرادة الجماهير لمشاركة في تحديد مصيرها السياسي عبر إستفتاء جماهيري عام لتشكيل دولته المستقلة-دولة علمانية غير قومية او الدينية- بمخض إرادته بدل لعبة على طاولة بغداد او قوى الإحتلال .
وأخيرا فإن جماهير مدينة كركوك ومن ضمنهم التركمان ،لا تحتاج إلى وصاية الدولة التركية المتأزمة العنصرية الشوفينية التي لها سجل أسود المليء بالجرائم العنصرية، كما إنه لن تحتاج الى توصيات القوميين من العرب والكرد ،وإنما بحاجة ماسة إلى الهوية الإنسانية كشرط أساسي لحمايتها من الصراعات القومية الرجعية كي يعيشوا في السلام والإطمنان الى الأبد.
15-4-2007








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في لبنان.. نزوح جماعي هربا من الموت الذي تخلفه الغارات الإسر


.. بطل أم ديكتاتور؟ سيكو توري.. رجل غينيا القوي • فرانس 24 / FR




.. -سنة على الحرب التي غيرت وجه العالم- • فرانس 24 / FRANCE 24


.. بينما يستعد المراسل للبث.. كاميرا CNN توثق قصفاً إسرائيليًا




.. بعد عام على -طوفان الأقصى-.. ماذا حققت حماس؟