الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحاضر والمستقبل والنظام السوري

بدرالدين حسن قربي

2007 / 4 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


" نعتز بماضينا ونعيش حاضرنا ونعمل لمستقبلنا " مقولة كنت أجدها على أوراقٍ وشهادات مدرسية في إحدى المدارس الابتدائية الكندية أثارت انتباهي. وكعربيٍ تستفزّه الشعارات وتثير اشمئزازه نتيجة معاناته معها، فكثيراً ماكانت تستفزني هذه العبارة المحسوبة والموزونة والهادفة خشية أن تكون من قبيل الجَكَر أو الجكارة لشعاراتٍ مزيفةٍ لم تكن أكثر من دجلٍ في أنظمة الدجل في شرقنا العربي رُفِعت في وجه مواطننا الجائع والبائس الفقير من مثل شعارات أمة عربية واحدة وشعارات الوحدة والحرية والاشتراكية لِتُخْضِعَه قهراً، وتحييه ذلاً، وتميته استبداداً.
ولكن تأكد لي أن الأمر ليس فيه جكارات ولا نكايات، فالكل عندهم يعتز بماضيه ولكنه يرفض العيش فيه بل يحيا حاضره بكل الكرامة والفخر، والكل فرداً وجماعة، دولةً ومؤسساتٍ وقوانين يَجْهَدُ حقيقة لمستقبلٍ أفضل يشارك في رسم معالمه، ويعمل دَأَباً للذهاب إليه عزيزاً حراً كريماً مرفوع الجبين.
ماضينا أين منه ماضيهم، وحاضرهم ياحَسْرَهْ على تعتيرنا وقهرنا أين منه حاضرنا..!؟ وعملهم لمستقبلهم يثير في النفس آلامها ويحرك منها مواجعها، فتنطلق الآهة تلو الآهة على مستقبلنا الرعيب حريةً وكرامةً ووجوداً على خارطة الخلق والناس والعالم. فعن حاضرنا السوري الأليم والمرعب نستدعي بعض الشهادات والإحصاءات لتتحدث عن نفسها:
في أكتوبر 2006 وفي مقابلةٍ مع (بي بي سي البريطانية) قال الرئيس بشار: المشكلة الأصعب التي يعاني منها الناس هي الوضع الاقتصادي. أينما أذهب كمسؤول فإني ألتقي الناس وأول شيء يتحدثون عنه هو الأجور والبطالة والمدارس والخدمات الطبية، إنهم لا يمتلكون الأساسيات بعض الأحيان في بعض المناطق.
وفي مؤتمر إثراء المستقبل الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط الذي استضافته دولة قطر في الأسبوع الأول من ابريل الجاري، اعترف السيد/غسان الرفاعي وزير الاقتصاد السوري الأسبق بأن أبرز المعوقات التي تجابه الاستثمار الأجنبي في سوريا تتمثل في البيروقراطية والفساد. كلام الرفاعي السابق يؤكده لاشك كثرة الأحاديث والتصريحات عن الفساد وأصوله وفروعه وأبناء عمه وخاله، ومحاربته والردح له وتوجيه السباب والشتائم له في كل لقاء إعلامي أو مؤتمر حزبي نضالي وعلى لسان كبار رجالات الحزب والدولة. ويؤكد كلامَ الرفاعي أيضاً رئيسُ المركز العربي للتنمية الدكتور/ سمير سعيفان بقوله: كانت هناك محاولات من الحكومة لمكافحة الفساد لكنها باءت جميعاً بالفشل. وسببه كما يقول د. سعيفان: يجب أن نبدأ بمحاربة الفساد الكبير لأن الفساد الصغير يستظل بالفساد الكبير. وكأن السيد/ سعيفان يريد تذكيرنا بالمقولة الشعبية: الخط الأعوج من الثور الكبير.
أفادت دراسة أجراها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في سورية مع المكتب المركزي للإحصاء وهيئة تخطيط الدولة مؤخرا أن نسبة الفقر في سورية وفق خط الفقر الأدنى بلغت 11.40% من عدد سكان سورية اي ان 2.2 مليون سوري هم ضمن خط الفقر الأدنى و 30.13 بالمئة من السوريين أي 5.8 مليون سوري ضمن خط الفقر الأعلى. يعنى أن عدد السوريين مابين خطي الفقر هم 8 مليون مواطن بائس يلعنون الفقر وساعته، ومن سبَّب لهم هالفقر.
وفي نهاية عام 2006 أرسل السيد/غسان نجار عضو مكتب الأمانة العامة في حركة إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي المعارِضة في الداخل السـوري إلى الرئيس/ بشار الأســد رسالةً بليغة ننقل بعض فقراتها حيث قال:
أنا ابن هذا الشعب المغلوب المقهور منذ عشرات السنين، أنا ابن السبعين من عمره، وقد رفض أن يهاجر من وطنه، وفضّل أن يموت واقفاً فوق ترابه.
السيدَ الرئيس: لقد استلمتَ ترِكةً ثقيلةً من والدك. بلدٌ يعجّ بالفساد، يمتلأ بالمظالم، يترنح بالتخلف يتضور بالجوع والفقر والحرمان. البطانة التي حولك ملأتِ الجيوبَ، وسرقتْ قوتَ الشعوب، فازدادت الهوة والفوارق بين طبقات المجتمع وتحولت الفئات الفقيرة الى العدم، وكاد الفقر أن يكون كفراً، فنشأت العصابات المسلحة التي تسرق وتسطو ولا تبالي، وازداد ثراء الطبقات المترفة فحشاً، كل ذلك على حساب غالبية فئات الشعب المعدمة وطبقاته المسحوقه، واختلت موازين العدالة وغاب الأمناء الناصحون.
ويتابع السيد/ نجار وصف بطانة السوء هذه فيقول: هذا الوسط الموغل في الفساد من قبل فئة جشعة، كلّما ملأت جيوبها وأرصدتها بمليارات الدولارات كلما ازدادت نهماً وطمعاً وجشعاً فهي لا تشبع ولا ترعوي.

حاضرنا وطناً وشعباً مع النظام السوري مخيف ومذهل ومرعب، فقد استطاع النظام بفساده السياسي وقمعه واستبداده واستمرار هذه الحال لأكثر من أربعين عاماً إنتاج قنبلةٍ هيدروجينية قوامها طبقة من الفاسدين والمفسدين من قراصنة ونهابين وشفيطة من الطراز الأول لايشبعون ولايرتوون من نهب ثروات الوطن وأكل طعام الملايين من فقرائه والتجارة بعرق كادحيه وفلاحيه وهم (يبيضون) علينا شعاراتٍ طنانةٍ رنانةٍ من الصمود والتصدي والممانعة والمقاومة ليغسلوا بهذا أموالاً منهوبةً، ويطهروا ثرواتٍ مسروقة مبتدعين في هذا أحدث طرق غسيل الأموال وتبيضها في العصر الحديث.
لطفك يارب..!! طبقة فرعونية قارونية فاسدة ومفسدة، ارتكبت كل فواحش الظلم والبطش والقمع والنهب والقرصنة، فدمرت حاضر الوطن نهباً لخيراته وثرواته، وأكلت طعام فقرائه ومحتاجيه، وتاجرت بدماء ناسه وشعبه، وقمعت أحراره ومفكريه، وجعلت من حياة المواطن حرباً عبثية على كل جبهات الحياة ركضاً وبحثاً عن لقمة طعام لوثوها وجرعة دواء أفسدوها، وعن عملٍ لم يعد موجوداً، وعن سكنٍ بات خيالاً، وعن حريةٍ وكرامةٍ ومُوَاطَنةٍ ذهبت مع عواصف قمعهم واستبدادهم في ظلال إعلان حالة الطوارئ وقوانين الطوارئ واستتئثار فئةٍ من اللصوص والشبيحة بقيادة الدولة والمجتمع.
لطفك يارب..!! طبقة فاسدة ومُفسِدة أخذت من السياسة العهر والدجل ومن الاقتصاد القرصنة وغسيل الأموال، وتريد أن تعبر بنا في مرحلتها الجديدة إلى المستقبل في قرنه الحادي والعشرين. فهم لم يكتفوا بتدمير الحاضر بل حجزوا على المستقبل ليكون الناس والوطن رهينةً لاستمرارهم كابوساً على صدورهم باقون.

سألني محدثي: حاضرنا أفسدوه ودمّروه، ومستقبلنا حجزوا عليه ورهنوه، فماذا عن ماضينا ومافعلوه..!!؟
قلت: عن مآسينا فيما فعل والينا بماضينا ومايريد فعله، فلهذا حديث آخر قريب.
فقال مذكراً: إنه كلما اشتد ظلام الليل اقتربت طلائع فجرٍ جديد. ألا إن موعدهم الصبح.. أليس الصبح بقريب..!!؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس حماس في الضفة الغربية يدعو الأردنيين لـ-مواجهة مشروع ضم


.. الموريتانيون يدلون بأصواتهم في الجولة الأولى من انتخابات الر




.. إيران.. جولة إعادة لانتخابات الرئاسة بين بزشكيان وجليلي


.. موفدنا يرصد الأوضاع في بلدة عيتا الشعب المحاذية للحدود مع إس




.. مراسل الجزيرة يرصد التطورات بعد عودة جيش الاحتلال لمنطقة الش