الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوسيولوجيا الجيش الجزائري ومخاطر التفكك 3

رياض الصيداوي

2007 / 4 / 18
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


ث- مرحلة الشاذلي بن جديد
توفي الرئيس هواري بومدين يوم 27 ديسمبر/كانون الأول 1978. وتم تعيين العقيد الشاذلي بن جديد خليفة له على رأس الدولة الجزائرية. وكان هناك بينهما اختلافا عميقا في الأسلوب ومنهج الحكم يعود أصلا إلى طريقة وصول كل منهما إلى السلطة. فبومدين وصل إلى السلطة في الجزائر عبر القوة لأنه كان القائد الحقيقي، وبدون منازع، للمؤسسة العسكرية. أما الرئيس الشاذلي بن جديد فإن تعيينه رئيسا للدولة حدث لأن الضباط الكبار رغبوا في تعيينه ضد المرشحين البارزين آنئذ: وزير الخارجية عبد العزيز بوتفليقة ومدير جبهة التحرير الوطني محمد صالح اليحياوي. وكانت تعلتهم أنهم انتقوا أكبر الضباط سنا وأرفعهم رتبة عسكرية للحكم. وسرعان ما حدثت عمليات تصفيات سياسية وعسكرية على نطاق واسع استهدفت التيار البومديني وأقطاب الاشتراكية مثل بوتفليقة أو يحياوي او ضباط جيش التحرير الوطني..وقام الشاذلي بن جديد في الآن نفسه بعملية ترقيات في صفوف "ضباط الجيش الفرنسي" وب"شراء" ولاءات الضباط الآخرين حيث أنشأ قسم "الخدمة الاجتماعية في الجيش" الذي عمل على توزيع أراضي وشقق على الضباط بأسعار رمزية. كما أعطيت لهم قروضا مالية ضخمة وميسرة. إضافة إلى سهولة تمتعهم واستخدامهم لمواد وآلات البناء التابعة للجيش. وأصبحت ميزانيات الثكنات تستخدم لمصالح الضباط الشخصية، وبعضها وقع الاستيلاء عليها من قبل بعض الضباط. وأعلن عن بداية إنشاء ثكنات عسكرية في المنطقة الثانية، الثالثة والخامسة منذ بداية الثمانينات، لكن لم ينجز منها إلى حدود 1992 سوى 40% وتوقفت لأن الصناديق كانت فارغة...وبعض المجندين الاحتياط كانوا يستخدمون كخدم في شقق كبار الضباط... ولم يتحرك أحد ضد اختلاس أموال الجيش أو حتى التنديد بها . وفي الآن نفسه قام الرئيس الجديد الشاذلي بن جديد، تزامنا مع استبعاد الضباط والسياسيين البومدينين، بانتهاج سياسة تحرير الاقتصاد والحد من المنجزات الاشتراكية والتخلي التدريجي عنها.
لنذكر أن انتصار تحالف الجيش / بن بلا سنة 1962 مثل انتصارا للاتجاه الاشتراكي ضد "التحالف الليبرلي". قال عنه الرئيس السابق أحمد بن بلا "إن الأيديولوجيا الاشتراكية تجيب بشكل عميق على تطلعاتنا نحو حياة كريمة تسودها العدالة الاجتماعية، كما تجيب على متطلباتنا في التقدم في كافة الميادين" . وقال بعده هواري بومدين "لم نقم بالثورة حتى نصبح خماسة لدى الملاك الجزائريين" . لنذكر أيضا أن الليبيراليين ردوا الفعل مبكرا ضد تطبيق النهج الاشتراكي، سواء كان الأمر في عهد بن بلا أو في عهد بومدين. كتب فرحات عباس رئيس أول حكومة مؤقتة للجمهورية الجزائرية قائلا "تعد الاشتراكية معطى جديدا أضيف لبيان أول نوفمبر (1954). حيث لم يتعرض إلى ذكرها أحد طيلة سنوات حرب التحرير" . وأضاف ساخرا "إن سلوك الجمهورية الجزائرية يشبه سلوك امرأة زانية. متزوجة رسميا وعلنا بالإسلام، في حين تنام سرا في فراش ستالين" .

يجب ملاحظة أن هزيمة التيار الليبيرالي كانت هزيمة مؤقتة. حيث سيقوم بتنظيم نفسه في عهد الرئيس الجديد الشاذلي بن جديد. وسيستفيد من الظروف الدولية المواتية التي تميزت بانكماش الاتحاد السوفياتي والكتلة الشيوعية وبداية انحطاطهما. وسينجح في معركته الجديدة ضد بقايا الاشتراكيين وسينسج علاقات واسعة ومتينة مع رموز الرأسمالية الدوليين كالبنك العالمي وصندوق النقد الدولي. أصبحت الاشتراكية في أواخر حكم الرئيس الشاذلي بن جديدا إرثا ثقيلا من الماضي سيتخلص منه كليا مع الذين تولوا الحكم بعده.
قام الرئيس الشاذلي بن جديد بحملة خصخصة وبيع للقطاع العام بشكل تدريجي في المرحلة الأولى من حكمه ثم بشكل متسارع في أواخر الثمانينات. وشجعته في مسعاه الجديد طبقة الأثرياء الصاعدة الي استفادت بطرق ملتوية من الريع النفطي ومن احتكار التوريد. أما على مستوى الجيش فقد نجح بن جديد في استبعاد من تبقى من ضباط جيش التحرير الوطني الذين شاركوا في الثورة والمتميزين باتجاهاتهم العربية الإسلامية والاشتراكية، وتعويضهم بضباط الجيش الفرنسي. كما أبعد القيادات الاشتراكية في جبهة التحرير الوطني مثل مدير الحزب محمد شريف مساعدية ومناضلين آخرين. أنتجت هذه المتغيرات الاقتصادية الاجتماعية نتائج وخيمة على الاقتصاد الجزائري. حيث انهارت العملة الوطنية (الدينار) وتزايد حجم الديون، وتمزقت الطبقة المتوسطة وتم تفقيرها كما مست الرشوة والفساد قطاعات واسعة في المجتمع والدولة..وهو ما أدى بالبلاد إلى أزمة شاملة. تلخص الأزمة الاقتصادية عبر الأرقام التالية: تزايد حجم فوائد الديون مثلا من 4 مليار دولار سنة 1980 إلى 5 مليار دولار سنة 1986 إلى 5.4 مليار سنة 1987 إلى 8.5 مليار سنة 1988. وانتقل حجم الدين الكلي من 15 مليار دولار سنة 1985 إلى 24 مليار دولار سنة 1990. وبلغ حجم البطالة حسب الأرقام الرسمية 22% من مجموع اليد العاملة .
استحوذ "ضباط الجيش الفرنسي" في خضم هذه التحولات المجتمعية والانكسار الطبقي على مواقع شديدة الحساسية في الهرم القيادي للمؤسسة العسكرية. لقد لعبوا أدوارا متعددة. فهم ساهموا في إيصال الشاذلي بن جديد، المعروف باتجاهه الليبرالي، إلى الرئاسة وفي إبعاد المرشحين المدنيين المخلصين لسياسة بومدين، أي وزير الخارجية عبد العزيز بوتفليقة والمكلف بإدارة الحزب محمد صالح يحياوي. ثم شاركوا في عمليات الإبعاد المنهجي للقيادات البومدينية في كافة القطاعات. وفي سنة 1992، سنة إجبار بن جديد على الاستقالة، نجدهم على رأس المواقع التالية: خالد نزار وزيرا للدفاع، العربي بلخير وزيرا للداخلية، محمد العماري أصبح قائدا لهيئة أركان الجيش، محمد التواتي قائدا لجيش البر، محمد مدين المكني سي توفيق رئيسا لجهاز المخابرات العسكرية. لقد نجحوا، إضافة لحوالي 180 ضابطا مواليا، في عزل الرئيس بن جديد الذي يبدو أنه حاول، متأخرا، الحد من نفوذهم بربطه صلات مع قيادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ وبإعرابه عن استعداده لمشاركتها الحكم على حساب المؤسسة العسكرية. لقد تحركت مجموعة الضباط هذه بسرعة وبنجاعة مدهشة بعزلها للرئيس وبإلغاء الدور الثاني من الانتخابات التشريعية وبشن حملة اعتقالات واسعة النطاق ضد قيادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ وإطاراتها الوسطى. يؤكد جورج جوفاي Georges Joffé أهمية دور "ضباط الجيش الفرنسي" في إدارة الأزمة منذ سنة 1992. ويقول "أولا، أصبح الجيش الآن مسؤولا عن الأمن، وهو ما لم يكن شغله في الماضي. ثانيا، كثير من الضباط الذين تولوا القيادة جاؤوا من مجموعة "ضباط الجيش الفرنسي"، ولديهم اتصالات جيدة مع فرنسا..ثالثا، على المستوى الشعبي كان ينظر إليهم على اعتبار أنهم جزء من المونوكلاتورا، ومن حزب فرنسا المرتبط بالمافيا" .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القضية الفلسطينية ليست منسية.. حركات طلابية في أمريكا وفرنسا


.. غزة: إسرائيل توافق على عبور شاحنات المساعدات من معبر إيريز




.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كاليفورنيا لفض اعتصام مؤيد


.. الشرطة تقتحم.. وطلبة جامعة كاليفورنيا يرفضون فض الاعتصام الد




.. الملابس الذكية.. ماهي؟ وكيف تنقذ حياتنا؟| #الصباح