الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذكرى رحيل الماغوط الأولى ...ثاني الاثنين ....أحدهما مات ويؤثر والآخر حي ويتأثر ..الماغوط وأدونيس...الدكتور جيكل والمستر هايد

إبراهيم الجبين

2007 / 4 / 18
الادب والفن


شاعران سوريان أثرا ولا يزالان على التيارات الشعرية المختلفة في المنطقة العربية، وعلى تعاطي الأجيال الشعرية مع الجملة والمخيال، ومع التقنية الكتابية بمجملها، أدونيس، ومحمد الماغوط...ولئن كان تأثير الأول ساحراً ومعقداً ومركباً في عدة أشكال لم تسترح لحظة عن العمل على التغيير، فإن تأثير الماغوط يختلف، ويعمل بطريقة مختلفة، وبآليات أكثر فعالية وأكثر تغييراً في عمق النص الشعري ـ عند من استغرق في استقبال إشارات الماغوط من الشعراء السوريين والعرب ـ ولعل أكبر سطوة للماغوط كانت في طريقة تقديمه لنفسه منذ البداية (المكشوف...الفقير ..اللامنتمي...المضطهد من الجميع ...البسيط ..الحزين ....العاشق لمرة واحدة.....غير المكترث بالمنجز اللغوي للشعر العربي قبله...إلخ)
وهي تماماً الصفات التي تناقض ما قدم به أدونيس نفسه إلى العالم ( الغامض..المتعدد...القومي السوري ...صديق الجميع....المركب ...الفرح بالمعرفة وبالعالم...العاشق المتحول ...المهتم جداً بأدق تفاصيل اللغة وما طرأ عليها من تغيرات منذ عصور الجاهلية وحتى الآن.....إلخ)
ولكن، من الذي قدّم الماغوط أصلاً إلى العالم؟ ألم يكن أدونيس نفسه ..(عديله ـ زوج خالدة سعيد الصالح شقيقة سنية الصالح)؟ ألم يتقصّد أدونيس صناعة نقيض له كي يستكمل الشغل على الإطار الشعري العربي، من مشرقه لمغربه، وهو الذي يجهّز تركيباته ووصفاته الثقيلة على الهضم، وفي الوقت ذاته يقدّم ما يشاء من عبث وعفوية في خلفية صورة الماغوط.
قرأ أدونيس قصائد مجهولة أمام جماعة شعر ...وكان في آخر الصفوف بين الحضور شاب غليظ الملامح والعظام، وطلب إليهم أن يحاولوا معرفة صاحب القصائد التي ترجمها هذه المرة ...فأخذوا يتحزرون .. تركهم أدونيس يعددون أسماء شعراء هامين من أوروبا ...بعدها قال لهم هذه القصائد لذاك الشاب الذي يجلس خلفكم ..محمد الماغوط ...! وكان يتعمد ـ بذكائه الحاد ـ لفت أنظارهم إلى الكائن الذي صنعه ـ بدءاً من الشغل على قصائده وهو الذي لم يقصّر في إعادة صياغة السياب نفسه قبل نشر قصائده حينها ـ
أصبح الماغوط بعدها ـ مستر هايد ـ وأدونيس هو الدكتور جيكل ...!!
بحكمة ما، بدأ الماغوط ، تحت الكونترول المستمر والعبقري، لعلي أحمد سعيد (أدونيس) ينفذ الخطة، وببساطته وريفيته التي عبر عنها لمرات ومرات( لنتذكر كيف وصف، في الفيلم الوثائقي الذي أعدته هالا محمد للجزيرة، تكليف القوميين السوريين له بجمع تبرعات للحزب من القرى والضيع في حماة...وكيف أنه حصد مبلغاً ما لم يدر ما يصنع به، غير أنه قرر أخيراً شراء بنطلون جديد لنفسه بدلاً من رفد الحزب الناشيء!!!)..
الساحة الشعرية والثقافية في الخمسينيات، لم تحتمل أدونيس ...ولم يحتملها ولكنه ترك فيها من يمكن من خلاله التأثير، أثناء غياب أدونيس،حيث يؤسس في مكان آخر ـ بيروت والعواصم ـ وبدأ الماغوط بالحركة، بهدي من معلّمه الأكبر، ليصنع ريادة ـ درسها أدونيس بعناية ـ وليكون أول من فتّت النص الشعري إلى أبسط وأبسط...عبر كم هائل من الأفكار التي تدور حول ذاته ـ كما عند أدونيس ـ ولكن هذه المرة ليلفت العالم إلى أنه الرجل الحزين المنكسر الوحيد الخاسر....وهذا ما سيستمر في بثه لعقود طويلة بعد أن يتخلى عنه ـ الدكتور جيكل ـ ليس لأنه يؤمن بخسارته ، ولكن لأنه لا يملك غيرها....
يكتبون عنه أنه من (الفطريين) ..وهو كذلك...ولكنه لم يكن ثائراً على الشكل التقليدي...بقدر ما كان مصغياً إلى التعاليم القادمة من عقل أدونيس....استعماله للهيئة الرثة للكتابة والألفاظ الاعتيادية لم يقم ويبنى على انزعاجه من الجزالة...بل لأنه الصورة المعكوسة في المرآة ...للمسحة النبوية في نبرة أدونيس ....
ولا يليق بالدكتور أدونيس وهو الباحث الذي ربما لم يتوقف لحظة عن اكتشاف جديد ما هنا وهناك، لا يليق به أن يكتب قصيدة النثر السائلة كماء، من بين أصابع الشاعر، ولا يليق به أن يقدّم رسالته على شكل انكسار، ولكن كان عليه أن يجرّب هذا النوع من الترياق على الحركة الشعرية التي اعتبرها مريضة وقتها، فسقاها إياه عبر الماغوط...
قال الماغوط عن نفسه إنه لا يقرأ ولا يسافر ولا يتعلم ولا يفرح!! ...وأنه تعرض للاضطهاد...(تحدث عن صفعة واحدة ....تعرض لها يوماً زمن الوحدة ربما .. يا للإضطهاد!!)
ولذلك أصر الماغوط على تقمص أدوار لم يعشها، فهو لم يكن سياسياً بما يكفي ليسرد القصص عن نضاله...ولكنه كتب عن ذلك في الشعر والمسرح (ضيعة تشرين وغربة وكاسك يا وطن والحدود وغيرها) وكان لمعلم آخر دوره أيضاً في استعمال الماغوط، لم يقل ذكاءً عن أدونيس، إنه دريد لحام،الذي لم يشتغل على فهم موهبته وتفكيكها أحد حتى الآن، الذي عمل على تقديم الماغوط مرة أخرى بصياغته هو، وهو الذي لم يكن يناسبه العمل في الشأن السياسي مباشرة ..ولكن لا بأس من تمثيله لأدوار فيها وخز سياسي يكتبه الماغوط.
وهكذا أصبحت صورة الماغوط تتكامل مرة بعد مرة ...وعندما ينطق الماغوط وحيداً، يصاب الجميع بالخيبة، ويسارع المعلمون إلى الابتعاد، من (سأخون وطني) ...وصولاً إلى (شرق عدن غرب الله) ...
قال لي زكريا تامر صديق الماغوط والكاتب الاستثنائي السوري الآخر (لم أفهم لماذا يفعل الماغوط كل هذا ..؟! أحضرت له ثياباً من أوكسفورد ولكنه لا يستعملها ..بل يفضل البقاء بهيئة الفقير ...وهو ليس كذلك ...إنه يحاول الظهور بهذا المظهر رغم أنه لا حاجة به إليه) وكان يتحدث عن حالة رأى الماغوط عليها قبل سنة من وفاته ...لم يكن الماغوط بخيلاً، سواء على نفسه أوعلى الآخرين، ولكنه كان يصرّ على الظهور كمسكين...وهو ما نظرت فيه جيداً، وعن قرب ، كي أفهم كيف بدأ الماغوط...وكيف تركّبت شخصيته هكذا..(وستكون شخصية الماغوط موضوع بحث موسع لاحق)..
وحين نتناول شخصاً بحجم الماغوط، فنحن لا نلغي ولا نتعسف ولا نتعرض لحياته ... بقدر ما نتابع ما قلناه يوما عن (ضرورة انتقال الماغوط إلى متحف الشمع السوري الكبير) فهو لم يعد ملكاً لذاته وورثته...هو ملك للسوريين كأيقونة...أثرت ...واشتغلت في وعينا مراراً ...ولنا أن نفكك فيها ما يطيب لنا ..ونعيد دراستها وبحثها من جديد، لنفهم كيف وصلنا إلى هنا؟ وكيف أصبحت الجملة الإبداعية هكذا ...؟وما الذي ستصير إليه...؟
الآن ...الماغوط ميت ...ولكنه يؤثر في الآخرين ....وتأثيره واضح وجلي ومدمّر ...ويصل من القصيدة التي يقرؤها قليلون في كتاب إلى الأغنية التي يسمعها الملايين....كما يفعل شعر نزار قباني ـ رغم الفارق الكبير في الانتشار لصالح الأخير ـ وأدونيس الذي صنع الكائن ما يزال حياً ويتأثر بكل شيء ...بقدرة فائقة ولا نهائية على اعتبار المعرفة والتغيّر مدداً أبدياً يستمده من كل شيء ومن كل مكان .SNC








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج كريم السبكي- جمعتني كمياء بالمو?لف وسام صبري في فيلم


.. صباح العربية | بمشاركة نجوم عالميين.. زرقاء اليمامة: أول أوب




.. -صباح العربية- يلتقي فنانة الأوبرا السعودية سوسن البهيتي


.. الممثل الأميركي مارك هامل يروي موقفا طريفا أثناء زيارته لمكت




.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري