الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
بين أدب الطفل .. وثقافة الآخر .. حول مجموعة -أنا ويوكي- للكاتبة العمانية أزهار أحمد
فاطمة الشيدي
2007 / 4 / 19قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
"أنا ويوكي" نص مختلف في طرحه ، مغاير في خطابه ، نص يضعك منذ الغلاف في مواجهتك الخفية معك ، نص يدعوك لأن تفتح أزرار مخيلتك ، أو مزاليج ذاتك لتتقدم بك نحوه، يدعوك لأن تتحرر منك أو لتحررك ..
إنك أمام نص يهبك حنينا كاملا وبهجة خرافية ، يقدم لك حالات من الشغب اللذيذ الذي تحتاج لتغير مجراك السائد، وحالات من النكوص نحوك مجددا بعد طول سفر، أو تحول دواخلك إلى مزيج من سديمية التلاشي والعبث الكوني الممتد على خرائط الزمن الذي يشدنا نحوه في هرولة مقيتة لانعرف متى نتوقف عنها .
إنك أمام نص يدعوك للتوغل حيث أنت تماما ، حيث طهرك حيا يجلس على كرسي من خشب يحمل حقيبته المدرسية الثقيلة على ظهره ، وجيوب بنطالك أو دشداشتك الصغيرة محملة بالشكيولاته والكرز
كل هذا يحدث ببساطة لأنك أمام نص موّجه للأطفال .. ففي مجموعة "أنا ويوكي" يقف القارئ بمحاذاة الطفولة ، بمحاذاة اللغة ، بمحاذاة الفكرة ، بمحاذاة الحكاية ، بمحاذاة القصة .. وإذ أقول بمحاذاة أي داخل هذا / خارج هذا كله في ذات الوقت.
فالنص ليس حكاية غضة توسع مباهجها في ذهن التلقي كحكاية الجدات تحت ظل سمرة ، لثلة أطفال حفاة فاغرين أفواههم في دهشة التعري الأول أمام فتنة السرد والمعرفة ، لتتخلق لهم أجنحة من الرؤيا السابرة تحملهم نحو سماوات الحلم أو سماوات النشوة ليتحدوا بالأوهام المتقاطرة على مخيلاتهم الصماء .
وليس قصة تهبك مفاتن الحكي في طريق مختصر بين البداية والنهاية والشخوص والفكرة ، والحبكة والحل..
فـ " أنا ويوكي" نص تخلى عن بهرجته اللغوية لصالح بهجة الطرح ، وشقاوة الفكرة، وليونة المسارات التي يمر فيها بلا تعرجات وانحسارات مدية/جزرية .. فهو كما يمكن أن نسمية في إطار ذهنيتنا المغرمة بالتصنيف هو مغامرات ملونة بالطفولة والجنون الحقيقي والبسيط .
وإذ يقف النص بحيادية خارج الأشكال ، فهو كذلك لايهب زمنه واضحا جليا لمرحلة ما ، فالبطلتان هما طالبتان في بدايات العشرين من العمر التقيا للدراسة في معهد يورك في جنوب بريطانيا، وبذلك فهما يلوحان للخيط الأخير من الطفولة وربما المراهقة التي تغور للأعماق ، وتبقى هناك تنتظر لحظة البوح والتجلي والظهور كما فينا جميعا ، وبذلك فالنص في فكرته المحضة لايمتلك شرعية ليكون للأطفال فقط ، لذلك فلقد احتاطت كاتبته أزهار أحمد بـ ( حكايات للناشئة والشباب) كحالة تملص قصوى من فتنة التصنيفات الجاهزة وبلاغة التوصيف الحادة ، التي يعنى بها المجتمع .
ولكن من قال أن أدب الأطفال ينبغي أن يتحدث عن الأطفال فقط ، إن نص أدب الطفل هو نص تعليمي تثقيفي لخلق حالة وعي بالمجتمع وبالآخر وبالحياة وسيرورتها ، وتجاوز الواقعي للدخول في مرحلة التحليق الوهمية التي تناسب تحفّز المخيلة في هذه المرحلة ، والنص من خلال الروح الخضراء الذي تنسكب فيه بطراوة الدهشة ، والرغبة في معانقة جماليات الحياة من خلال المغامرة ، أو تجسيد حالات طبيعية للغضب والفرح والحياة ، بأفكار ولغة ببساطة الماء الذي تجري في عروق المخيلة البكر، يخاطب الطفل فعلا ويقدم له حالة تماس طبيعية ومتخيلة مع الحياة ومع الآخر .
إن " أنا ويوكي " نص يفتح شهية الذاكرة نحو تذكر حقيبة معلم اللغة الإنجليزية الملأ بداني الثمار من قصص الآخر الشهية والشائقة ، والتي نتقدم نحوها بلا تخوف من عثرات اللغة ، فالصورة والحدث والسياق كافيات لجعل المعنى يصل بلا كثير عناء ..
أستدعي هذه الصورة الآن لأن النص يستحضر مكاناته من زوايا الآخر أو زاوية الذات في تماسها معه ، إنه يقدم حالات من التلاقي والتلاقح الثقافي والفكري ، وتمازج الثقافات الكونية إنسانيا خارج عنصرية مجتمعات تدلل تقوقعها بفكرة الانتماء وعدائية الآخر، أو ماهو أشد وخزا كالكفر والانحطاط.
فكون البطلتين من ثقافتين مختلفتين أعطى العمل بعدا مختلفا ، وبذلك يحقق حلم كل طفل في مقاربة الآخر والتعرف على نماذج إنسانية من خلال التعامل والتعايش معها ، وهي فكرة الصداقة الكونية الرفيعة .
كما أن النص يقدم ضمنا -بلا تبجح وتنظير ممل ،وبلا وعظية مباشرة ، أو نصح أبوي يدفع لمخالفته تماما ،يقدم حالات من القيم العالية والأخلاق الإنسانية الرفيعة كقيمة الصداقة والمحبة و العطاء والإيثار ، والتضحية ، بالإضافة لقيم التعاون وأساليب التعايش مع الآخر ، وأساليب التجديد وخلق جماليات الحياة التي تجعلها تسير بابتهاج ونبل معا ، وتدشين أفكار إيجابية حول قيمة القراءة وجمالية السينما..
والمجموعة عبارة عن عشر قصص توحد الجزء الأول من العنوان " أنا يوكي" وهو ذاته عنوان المجموعة الكلية ..واختلف الشطر الثاني لتأتي :
1.أنا ويوكي في مقاطعة البحيرة
2. أنا ويوكي والنظارة الشمسية
3. أنا ويوكي نلعب البولينغ
4. أنا ويوكي في مركبة فضائية
5. أنا ويوكي مع توم وجيري
6. أنا ويوكي والعقرب
7. أنا ويوكي في السينما
8. أنا ويوكي عند البدو
9. أنا ويوكي في مسابقة االقراءة
10. أنا ويوكي في جبل الدوبة
وتحكي المجموعة مغامرات بطلتي القصة ندى "العمانية " ويوكي اليابانية " . فأما عن ندى العمانية فلاشك أن الكاتبة تستحضر ذاكرتها المكانية ، وتضع حالة نجتيف نفسي للفتاة العمانية في حالة مماثلة كالسفر للدراسة والغربة وطرق التعامل مع الآخر ، أما لماذا يابانية بالذات ؟ فلعلها حالة معايشة حقيقية ، أو انبهار خاصة بالكاتبة بهذا الآخر (اليابان) ، وربما رغبة منها في وضع حالتين متقابلتين في غربة الدرس ، خارج أطر المكان ليتصرفا في ذات الاتجاه ، بعيدا عن لو كانت أحداهما منتمية للجغرافيا بأصولها التاريخية، وهذا ربما سيتطلب مسارا آخر أو تعديلا في مسارات السرد حيث سيجعل الكفة ترجح لصالح أحدي الصديقتين التي لابد أن تتحول إلى مستوى الشرح والتقديم للمكان للأخرى ، وربما هذا مالم ترده أزهار ، لعدم رغبتها في إثقال النص ببعض المعلومات الضرورية ( التي كان يحتاجها فعلا والذي شكل غيابها حالة من الوهن في بعض مفاصل النص ليجعله يجئ ترفيهيا أكثر منه تعليميا ، مع ما يتطلبه أدب الطفل من المعلوماتية النسبية) .
بقي أن نقول أن "أنا ويوكي" هو العمل الأدبي الأول للكاتبة القاصة والمترجمة العمانية، أزهار أحمد في طبعة راقية وفاخرة في الصورة واللون ونوعية الورق، مما يدل على عناية وحرص الكاتبة على تقديم هذا العمل في أرقى صورة كأنموذج أدبي فني صالح للمراهنة عليه فكريا وفنيا ، كما أنه صالح للاحتذاء به من قبل الآخرين في هذا المجال الأدبي ، والمجموعة صادرة عن مطبعة المستقبل في أبوظبي 2007 بحفظ الحقوق للمؤلفة تصاحبها رسوم الفنان حسني مجاهد ..
وهي أي الكاتبة باختيار العمل الأول لها حول أدب الطفل، تقدم حالة تهيئة وتحفيز نفسية للمجتمع بضرورة الكتابة في أدب الأطفال ، كما ترفع سبابتها في وجه التغييب (القصدي /أو اللاقصدي) ، لهذا النوع من الأدب الذي يمثل وتد المجتمع ، واليد التي ستأخذ بمستقبله ( الأطفال) نحو أفق المعرفة والثقافة وتحررنا من فكرة
( أمة لا تقرأ)
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. أطفال يروون تفاصيل قصف مدرسة نزحوا إليها في دير البلح بقطاع
.. كاميرا الجزيرة ترصد غارات إسرائيلية عنيفة على الضاحية الجنوب
.. كيف استعدت إسرائيل للقضاء على حزب الله؟
.. شهداء وجرحى بغارة إسرائيلية على مسجد يؤوي نازحين في دير البل
.. مظاهرات في مدن ألمانية عدة تأييدا لفلسطين ولبنان